" المركب اللي مفيهاش غلابة تغرق" جمله قالها صبري فواز الفيلسوف المجذوب في مشهد تَمَسُح الغلابة بالضريح ودعائهم بينما كان أحمد رزق المجذوب أيضا يزاحم المتضرعين على انتباه " سيدي عرش الدين" صارخا فيهم " اسكتوا هو هيسمعكم ولا هيسمعني"، جملة أجبرتني على تعديل وضعي في الكرسي وفرد ضهري والتفكير، جملة رفعت سقف توقعاتي من الفيلم. ولأني كمشاهدة رغم انبهاري بتقنيات السينما الأمريكية وحواديت السينما الأوروبية، إلا أن معظم أفلامي المفضلة عربية، ليس بدافع الوطنية والشعارات، بل لأنني أستطيع ببساطة أن أجد قطعة من نفسي في الفيلم، في نقطة عرق على جلباب البطلة، في جملة مقهورة عن الفقر، أو التحرش أو قلة الحيلة، في نكتة مصرية لا يفهمها سوي المنكسرة قلوبهم، أو حتى في طبق كشري بحجم شاشة السينما. لهذه الأسباب اسأل نفسي عن كل فيلم عربي أراه. ما الذي ينقصه ليصبح عالمي؟ تخيلت أنني لو كنت من ثقافة أخري والتقيت بعنوان الفيلم في مهرجان عالمي، ربما كنت سأنجذب لفكرة الموالد وما يمكن أن يحدث في الموالد، وكانت المشاهد والتفاصيل والأغاني والألوان ستخطفني. لكني كنت سأنتظر ربطا فلسفيا بين فكرتين أو واقعين، أو حتى طرح فلسفي لواقع واحد في موضوع يحتمل ذلك تماما، أكثر مما كنت انتظر معلومات عن كواليس الموالد وما يحدث فيها من طلب للمتعة والغياب عن الوعي، فعرض الحقائق لمجرد العرض هو مهمة التحقيقات الصحفية وليس السينما الروائية. ربما المولد كان ينقصه شخصية إضافية استثنائية ينقل من خلالها المخرج رسائله بدون مباشرة، ربما شخص مُولع بحفلات "الميتال" والموالد في ذات الوقت، شخص يبحث عن شيء ما داخل التضرع والسُكر والموسيقي العالية والتفقير وهز الرأس هنا ورجها هناك. كنت أتمنى أن تكتمل وتنضج بذور القصص الإنسانية وما ورائها من مشاعر وزوايا فلسفية، أمسك بذمامها الأبطال ببراعة في ثنائيات إنسانية غنية ومتشابكة، كل علاقة منها بين بطلين تصلح كمادة خام خصبة جدا لفيلم منفصل، ورغم ذلك انتهي الفيلم وأنا لم أتعلق بعد بكل الشخصيات، حتى أستطيع التفاعل مع نهاياتهم والتي شعرت أن بعضها جاء متعجلا وملفقا والبعض الآخر جاء نسخة طبق الأصل من فيلم عربي قديم خصوصا اكتشاف عمرو عبد الجليل أن الفتاة التي كان يريد أن يتزوجها هي ابنته في آخر لحظة. الفيلم في نصفه الأول ذكرني بالفيلم الوثائقي عن الأديان " بركه" الذي تم إنتاجه عام 92 برسالته الفلسفية، حيث عرض طقوس العبادات والتضرع لجميع الأديان تحت المسميات السماوية والوضعية وجميع الديانات النادرة في القبائل النائية، كان الفيلم خالي من أي جملة أو تعليق صوتي، لكن الكاميرا كانت كلما عرضت تضرع المريدين لمجموعة من الأديان تتسلل وتعرض لقطة لوجوه فتيات تجبرهن الظروف علي بيع أجسادهن، ولقطة للحياة المزدحمة في مترو الأنفاق، كنت أشعر مع كل لحظة من الفيلم بتساؤل الكاميرا وهو يتصاعد، " هل جلبت كل هذه التضرعات والصلوات البركة للمساكين؟" لكني لم أكن انتظر أي إجابة مباشرة، نحن ندخل السينما لنهرب من واقع المناهج التعليمية التلقيني، لنهرب من حياتنا المحدودة والروتينية، فلماذا تطاردنا الإجابات المباشرة في السينما أيضا. جولة سريعة على تعليقات المشاهدين على أخبار الفيلم بجمل غاضبة أنه يدعو إلى عدم الإيمان، ولا أعلم كيف فكروا في هذا المعني، لا أعرف مصدر الفوبيا لدي أصحاب التدين الظاهري من التفكر في قضايا الدين، ما أشبههم بهلع سميحة أيوب في الفيلم من هد الضريح. وثرثرة فتاتين جالستين خلفي بالسينما اعتراضا على رسالة النصف الأول من الفيلم واتهاما له بأنه بعيد عن الدين، ثم خفوت صوتيهما ليحل محل الاعتراض نبرات الرضا في النصف الثاني الذي حمل رسائل ونقاشات مباشرة عن مدي حكم التوسل في الدين، وعن مصير الأبطال. كل ذلك جعلني أشعر أن النصف الأول من الفيلم لجمهور والنصف الثاني لجمهور آخر. النصف الأول أقرب إلى الفلسفة والنصف الآخر أقرب للتجارية.
شاهد المحتوى الأصلي علي بوابة الفجر الاليكترونية - بوابة الفجر: جهاد التابعي تكتب: في الليلة الكبيرة. المولد ديسكو الغلابة
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
حين تغيب القصة في زحمة الشخوص | Hisham Vigo | 4/4 | 18 ابريل 2016 |
الليلة الكبيرة عندما تقدم فيلما لا يرقى لمستوى السينما الرديئة | Mohamed Ahmed | 4/4 | 29 نوفمبر 2015 |
قصة تائهة وكليبات سينمائية منفصلة ونجوم من العيار الثقيل | محمد احمد محمد احمد | 0/0 | 30 ابريل 2016 |
الليلة الكبيرة .. فيلم فاشل رغم الرسالة الواضحة التي يحملها | فتحي مساعدية | 3/3 | 24 ابريل 2016 |
في الليلة الكبيرة. المولد ديسكو الغلابة | Jihad Eltabey | 1/4 | 10 ديسمبر 2015 |