(موجز) A Separation 2011- هو عمل عظيم يناقش مسائل أخلاقية بأسلوب شائق! لا يمكن أن أخفي إعجابي بروعة عرض الفيلم للتفاصيل الدقيقة التي تربط العلاقات في الأسرة الواحدة بعضها ببعض، تصوير القصة بهذا الأسلوب الّذي يُقنعك وكأنك تشاهد واقعًا يتكرر كل يوم، هو حديث عن قوة الرابطة الزوجية الغامضة، وتأثير الانفصال النفسي على الزوجين وعلى الأبناء، وتعقيدات القانون فالمسائل القانونية قد تؤدي بالإنسان إلى الجنون لكنها لا تكتفي بذلك، فهي تلاحقه حتى بعد أن يموت، حسنًا تلاحق أسرته على الأقل! سقوط القدوات! حين يصير (المارد قَزَمًا).
(انطباع) - أبدع المخرج وكاتب الفيلم (أصغر فرهادي) في تحفته الثمينة "انفصال"، وَوضع اسمه بين المبدعين الكبار في صناعة روائع الأفلام العالمية، فيلم درامي مؤثّر حصد جوائز كثيرة أهمها جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، الحديث عن تفاصيل الفيلم يأخذ وقتًا طويلًا، أريد أن أكتب عن انطباعي تجاه الشخصيات الّتي سردت القصة تمثيلًا، الفيلم يتحدث عن ثلاثة أجيال، الجيل الأكبر يتجسد في شخص الشيخ الكبير والد (نادر)، والجيل الأوسط جيل الكهولة والنضال والكفاح، وجيل الفتوة الّذي يتطلع إلى المستقبل. جيل يودّع، وجيل يبحث عن مكان يلملم فيه شتاته بين جيلَين، وجيل وليد ما يزال يكتشف نفسه ويحاول أن يفهم ماجَرَيات الحياة! وربما يعوزه الكثير من الثقة!
هناك دائمًا مشكلة (النسبية) المعرفية والثقافية، نسبية الصواب والخطأ، نراها في قصة (نادر) و(سيمين) حيث يرى كل منهما أن قراره هو الأصوب، (سيمين) تقرر بأن الهجرة والرحيل إلى الخارج هو أحسن حل لضمان حياة جيدة لِابنتها، يرى (نادر) عكس هذا، ويبرر ذلك بأنه لا يستطيع أن يترك البلد ويهاجر لأنه يرعى والده المصاب بألزهايمر ومشكلات صحية أخرى تجعله بحاجة إلى الرعاية طوال الوقت. هنا تتضخم المشكلة في نفسية الِابنة الوحيدة (تِرمه)؛ الّتي تريد العيش مع والديها في بيت واحد وتسعى جاهدة أن توفق بين الِاثنين. كان (نادر) ملتزمًا بالأخلاق الإسلامية الّتي تدعو إلى وتحضُّ على البر بالوالدين وحسن رعاية الأسرة، وهو يمثِّل - كما ذُكر في تحليل رانيا حدّاد - جيل المحافظين، وأنا أتساءل هل كان من الممكن أن يوافق (نادر) على السفر والنزول عند رغبة زوجته لو استطاع أن يصطحب والده معهم؟ لا أدري، ربما! وربما هو لا يرغب في السفر إطلاقًا، لم يتم طرح هذا السؤال في الفيلم حسبما أذكر، أو أنه فاتني.
من القضايا المهمة الّتي أثارها الفيلم، ذلك التباين بين طبقتين في المجتمع الإيراني - وهذا ينطبق على المجتمعات الأخرى - طبقة متوسطة الغنى وأخرى فقيرة، طبقة على قدر من الثقافة والتعليم وأخرى كادحة في تأمين لقمة العيش ودفع المأثم والمغرم - العار والديون - ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا!
السيدة (راضية) الّتي خدمت في بيت (نادر)، وقعت في أكثر من مأزق! وكان زوجها (حِجَّت) عصبي المِزاج يعيش حالة من القهر والضغوط بسبب تراكم الديون، كل تلك الظروف المحيطة والحالة النفسية المرعبة جعلت فرصته في تبرئة نفسه أمام القاضي والتعبير عن عدالة قضيته مهمة مستحيلة!
ومن أهم ما عرضه الفيلم، العواقب الّتي تترتب على الكذب!، مهما بدت الكَذبَة صغيرة هيّنة قريبة فلربما كانت عقابيلها عصيّة على التجاوز أو التصحيح، وربما أحدثت ألمًا معنويًا يتعذر محوه أبدًا! فما بالك إن وقع هذا من القدوات والمُثُل، وقعت هذه الكَذبَة في علاقة الأب والِابنة، (نادر) و(تِرمه) وأدت إلى حدوث شرخ وحَرَج في علاقتهما، وربما كان المشهد، ساعةَ عادت (تِرمه) من القاضي ودموعها تتساقط على وجنتيها معبّرًا جدًا؛ تساقطت الدموع كما تساقطت القدوات، دفع (نادر) للكذب جمود القانون الأصم - فهو يُملي ولا يسمَع -، ودفع ابنته للكذب خوفها من فقد أبيها ففضلت أن تتواطأ معه.
علاقة (سيمين) بزوجها هي علاقة تحمل سِر العلاقة الزوجية المعقدّة المركبة - ليست شفّافة كما يُظَن - عبّر القرآن الكريم عنها بالمودة والرحمة، فالزوجة تمارس مع زوجها أدوارًا عديدة تمتزج معها مشاعر متباينة فأحيانًا تأخذ محلّه في الدفاع عنه فتكون كالأم الّتي تدفع عن صغارها، حتى وهي تريد الانفصال لسبب مقتنعة به تظل تحفظ لزوجها كرامته وتريد له الخير ظهر هذا في سعيها لإبعاده عن السجن ودفع كفالته. ينتهي الفيلم بنهاية مفتوحة، حيث يقف الأبوان أمام القاضي، ويسأل الِابنة أن تختار أحدهما لتعيش معه، فتطلب خروجهما وينتهي المشهد.
في نهاية هذه المراجعة، أود أن أشير إلى النقودات الرائعة في الموقع (السينما) وقد طالعتها جميعها وكل واحدة منها تنظر إلى زاوية جديدة من القصة! وقد شاهدت فيلم "كرايمر ضد كرايمر" إلا أن فيلم "انفصال" يتفوق عليه! تقييمي للفيلم: 8\10
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
نقطتين في السيناريو.. | Hossam Waleed | 3/3 | 19 اغسطس 2017 |
مافيش حاجة اسمها اجابة سهلة | مى فتحى شمس الدين | 5/6 | 3 فبراير 2014 |
وظلت المخاوف دون حل | دعاء أبو الضياء | 4/4 | 24 مارس 2012 |
كائنات متوترة! (اللااِنفصال) | mnesblue | 1/1 | 28 اغسطس 2023 |