أطفال الحارة: أبوك السقا مات .. بيمشي بالجنازات

يلقب المخرج صلاح أبو سيف بشيخ الواقعية، فقد كان مغرما بنقل الشوارع والحارات والوجوه العادية بأحداثها البسيطة وغير المهمة بعد أن يعمل على جانبها الفني لتبدو أكثر واقعية على الشاشة، في السقا مات تبدو مضطرا لتبحث عن الواقعية في مشاهد في فيلم السقا مات أو في شخصياته وبين طيات أحداثه البسيطة، ولكن في الفيلم شيئا آخر لا تبدو الواقعيه مهمة مقارنة به، الفلم يقدم بحثا متوسط العمق في الموت عبر عدة شخصيات عاشوا بالقرب منه وأختبروا أعراضه الجانبية كالفقد أو الحزن أو صعوبة التكيف مع الحياة بعد وفاة أعزاء، ويجنح الى الطرافة بتقديم نموذا متمردا مقبلا على الحياة وساخرا من فكرة الموت لدرجة يعمل فيها مشيعا محترفا ولكن من سوء حظ هذه الشخصية أن الموت يداهمه في أكثر لحظاته سعادة في رمزية الى السطوة الخفية التي يمتلكها الموت ولا يجد الأحياء وسيلة لإيقافه أو التنبوء بالساعة التي يحل بها. رغم التناقض الظاهري بين السقا الذي يوزع المياه أو الحياة وبين متشرد آفاق يعمل كمشيع رسمي للأموات تنعقد صداقة إعتباطيه بين الرجلين، ويعمل الفيلم على هذا المزج بين الموت والحياة لتقديم نموذجا فنيا يحمل قيمة فلسفية في نظرته الى الموت والحياة، المعلم شوشه السقا غارق في أحزانه بعد خصومة شديدة مع الموت الذي خطف زوجته الحبيبة، يستسلم لعملية توزيع المياه الشاقة على طالبيها، وغارقا في ذكرياته اللزجة مكتفيا بقضاء الأمسيات قرب النافذه مع سيجارة وغمامة كثيفة من الدخان في وفاء مبالغ فيه بالنسبة لفترة العشرينات التي يقدمها الفيلم، أما شحاته مشيع الأموات فشخصية مرحة ذكية بخلفية حكيمة قادرة على قلب الأحداث الكئئيبة الى كوميديا، يتنازل المخرج صلاح أبو سيف عن طبعه الواقعي ليعقد صداقة بين هذين الشخصين المتعالين عن الواقع. الواقعية في هذا الفيلم في إجتهاد المخرج لإظهار الحارات والأزقة والألبسة وبعض االأسماء يظهر شعارات سعد زغلول على الجدران و أزدهار مهنة السقا، أما الحدث الرئيسي فمكانه كتب الحكمة القديمة وحوارات الموت والحياة الطويلة، لا يقو شحاته على فرملة نفسه في إقباله على الحياة بالمعنى الغرائزي الذي يشبع فيه حواسه المادية، الطعام الدسم الوفير، والمزاج المعبأ بقطع المخدرات المسروقة أو المستلفة، وللنساء الدور الرئيسي عند شحاته الذي فرغ نفسه ليحظى بليلة واحدة مع عزيزة عاهرة الحي الجميلة، يفرط في الركض وراء كل قطعة نقد تافهة ليجمع النقود التي طلبها القواد، فيما يبدو المعلم شوشة غير متأكد من وجوده على قيد الحياة فلا ينتبه الى تربية ابنه الذي يتنقل بين مدرسة الكتاب والعمل على عربة نقل المياه، ولا يلتفت الى "تحرش" بنت الجيران اللذيذة التي تحتج بالطبخ لتتقرب منه، وفي سهرة فريدة يقدم فيها شحاته الحياة للمعلم شوشة بالطريقة التي يعرفها وهي إبتلاع المخدر فتنجح الخطة ويخرج شوشة من ثوب الموات الذي يرتديه ويبدأ بتدوير عينيه في الفضاء الواسع أمامه. تصفع الحياة شحاته فلا يكمل ليلته بالطريقة التي خطط لها ويموت وهو ينتظر لقاء عاهرته الجميلة أما شوشة فتصفعه السنوات العشر التي أرتسمت على شكل خطوط زمن متعب على وجهه فيستيقظ متأخرا نافضا جلابيته من ماضية الكئيب، ويكافئة المخرج صلاح ابو سيف على صبره بمنصب مدير الحنفيه ليحل محل المدير السابق الفاسد ليكون رجل الحنفية النزية الذي يحترم الدور ولا يجامل ساقطات الحي في توزيع المياه. أحب المخرج شخصيتيه الرئيسيتن الممثلتين للحياة والموت، فصورهما من زوايا مشرقة، بدا النصاب لطيفا وتعاطف مع الكئيب وبرر حزنة وتجهم وجهه، كما قدم مقالب النصاب على أنها قفشات مرحة، فنجح في جعلها تتحالف مع الجمهور المتلهف لملاحقتهما، فكان حزينا بموت شحاته وسعيدا بمنصب شوشة الجديد، لم تبدو الشخصيتان متناقضتان رغم تموضعهما المتضاد، قدم أحداهما للموت دون أن تذوق طعم الحياة وابقى الثانية في الحياة دون التلذذ بطعمها، كان دور الطفل سيد طويلا بدون مكان درامي مناسب ومن الممكن حذفة دون تأثير كبير أما أمينه رزق فكانت في منتهى الجمال في دور عمياء لطيفة تبصر من أطراف أصابعها، السقا مات واقعية مقبولة وحكمة لا نستطيع تبنيها وقصة يمكن مشاهدتها والتعاطف معها.

نقد آخر لفيلم السقا مات

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
فلسفة الموت والحياة دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 3/3 10 مارس 2014
أطفال الحارة: أبوك السقا مات .. بيمشي بالجنازات محمد يعقوب محمد يعقوب 0/0 16 فبراير 2025