يبدأ الفيلم بسؤال سهل بعد التحقق من هوية الرجل الذي أنتشلت جثته من القناة: من قتل سالم أبو عوضين؟ وتأتي الإجابة على شكل ضحكة هستيرية من شرير مرسوم بالطريقة التقليدية التي لا تعرف السينما المصرية غيرها، أسنان منخورة وضحك هستيري لا لزوم له.. يصل السرد السينمائي الى ما يجب أن يكون بداية الفيلم الحقيقية بعد أن يستهلك خمسة عشر دقيقة يقدم خلالها كل شخصياته وكل أدواته وأغنية الفلم الأيقونيه ، يعتمد الفيلم على تقاليد السينما التي تقدم الخير والشر بطريقتها المألوفة التي أرتاح المشاهد وأعتاد عليها دون أن يحس بعد بأنها طريقه مكرره ،هناك نسختين من عتريس واحد للجد الشرير (طاغية كفر الدهاشنة) صاحب السطوة التي لا يعرف مصدرها غير كوكبة الخياله التي ترافقه على الدوام، والثانية للطفل المرشح للخلافة الذي يصادق الطيور وفتيات القرية المتشحات بعفاف الأطفال وجرأة الكبار على طريقة فؤادة بنت الشيخ حافظ. لا يموت الجد عتريس قبل أن يسلم راية الشر الى حفيده وسميه عتريس ولا يغمض عينية النهمتين قبل أن يحصل على وعد قاطع بأن يحافظ عتريس الحفيد على حالة القلق الدائم التي يعيشها الدهاشنة ، يبرر الفلم الشر في مشهد زائد يقتل خلاله الجد ويتحول عتريس الصغير بعده إلى نسخة مطورة من عتريس الجد ليصبح طاغية كفر الدهاشنة الجديد،يتساهل الفلم مع حالة التحول الآني التي طرأت على حياة عتريس ولا يلتفت الى دروس علم النفس التي تتحفظ تجاه حالة التغير الفجائي ويكتفي بتغير النمط الموسيقي وإيقاع الغناء الجماعي الذي أعتمد عليه في المقدمه فيتسارع اللحن وتتطاير العلامات الموسيقية الصادرة عن الآلات الوترية الغاضبة على وقع استيقاظ الحيوان الهائج الذي نام في جسد عتريس الحفيد فترة طويلة. لا تتنكر النسخة الجديدة من عتريس بشكل كامل إلى ماضيها اللطيف فهناك فؤادة التي ما زال يرغب بها ويريد الحصول عليها ولكن على طريقة عتريس الجديد الذي يمثل كل أنواع التجاوز والقسوة والظلم وتحت هذه العناوين لن يكون الحصول على فؤادة زواجا تقليديا، ولن يكون مشهد الزواج مشهدا تقليديا كذلك، فقد كان من أكثر مشاهد السينما العربية مرارة، عندما يستسلم الأب الضعيف الخائف لترديد كلمات الشيخ والتي بموجبها ستصبح فؤادة زوجة لعتريس وهو يعرف بأنه لا يملك حق نطقها، يحس المشاهد بأنه يمضغ قطعة من الصبار وهو يشاهد شفاه الأب المرتجفة تردد ألفاظ القِران المحرم بخوف مستسلم.. تمثل هذه "الجوازة الباطلة" حادثة حرق البوعزيزي نفسه، فتشتعل نار الثورة في كفر الدهاشنة الخانع، ويقود رجل دين ثورة الدهاشنة برفقة العروس التي زوجت زورا إلى طاغية. لا يُظهر الشيخ ابراهيم رجل الدين الثائر إعتراضه على الزواج الباطل كمسألة شرعية بل يقدمها كقضية وطنية، حشد لها كل الدهاشنة فساروا وراءه وصولا إلى قصر عتريس الذي تخلى عنه الجميع ليموت حرقا بقذائف اللهب التي ألقاها الدهاشنة من نوافذ قصره المنيف. يستفيد الفيلم من مسألة فقهية ويبني فوقها مخالفة شرعية واضحة يقع فيها الطاغية، تستثير الغل المخزون في أعماق الدهاشنة وتتحول إلى ثورة شعبيه عارمة تتجاوز تصحيح الخطأ الشرعي لتصحيح كل ما اعتقد الدهاشنة أنه خطأ وصولا إلى حرق الطاغية.. بدا في هذا الفيلم كل شيء تقليدي شكل الطاغية الشرير وهيئات "الغلابة"، وحوارات أهل القرية وأفراد العصابة المصاغة على شكل خطابات بليغة قصيرة، ومسار الفيلم الحتمي المتوقع حصوله دون أية إضافات فنية، وبدون أن يبذل المخرج جهدا لإزالة آثار الغبار الذي غطى الشاشة حول الممثلين، ولعبت أشعار عبد الرحمن الأبنودي دورا خياليا في إنعاش أجواء كفر الدهاشنة وأمدتها بتأثير درامي تجاوز مبالغات الممثلين، أما صوت شادية الشجي فكان يوقظ الحنين الى لحظات الصبي عتريس القديمة وهي تشدو " ياعيني يا عيني .. يا عيني عالولاه"، قصة جميلة عن الثورة وتوظيف ناجح للفقه في خدمه القضايا الوطنية دون توريط للدين ودون تسييس له...
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
شىء من السينما |
![]() |
3/3 | 7 مارس 2009 |
أهم فيلم سياسي في تاريخ السينما العربية |
![]() |
0/0 | 12 ابريل 2018 |
شيء من الخوف 1969 |
![]() |
0/0 | 16 فبراير 2025 |