يمثل هذا الفيلم بالنسبة لى حالة خاصة فى عشقى لفن السينما فهو الفيلم الذى بدأت به علاقتى بها و التى تزداد يوما بعد يوم ، فالفيلم ملىء بالعناصر الفنية الجميلة التى تحتاج الى عدة مقالات لتقديم كل منها على حدة من التمثيل الجبار لأثنين من أفضل من قدمتهم السينما المصرية :\"محمود مرسى و شادية\" ، الى الحوار المتدفق العذب الذى كتبه شاعرنا الكبير \"عبدالرحمن الابنودى\" ، الى الادارة الواعية من المخرج الكبير \"حسين كمال\" لكنى سأترك كل هذا و أركز على عنصر الموسيقى التصويرية التى لعبت دورا لا يقل أهمية عن...اقرأ المزيد كل العناصر الأخرى ، فقد لعبت الموسيقى -التى ألفها المبدع \"بليغ حمدى\"- دورا مهما فى نقل الاحداث و التعبير عنها بصورة شعرية جميلة مدعمة فى معظم الوقت بالاغانى التى كتبها \"الابنودى\" و لكى يكون كلامى منطقيا و ذا معنى سأذكركم بمشهدين كانت الموسيقى هى المحرك الاساسى و البطل الحقيقى لهما : 1- مشهد \"فتح الهاويس\" : قارن بين حالة الفلاحين قبل و بعد فتح الهاويس ، هنا الموسيقى هى التى ستجعلك مجبرا أن تقارن ، فالموسيقى قبل فتح الهاويس مليئة بنغمات تعبر عن الحزن و الذل والضعف الذى أصاب \"الدهاشنة\" فالارض بالنسبة لهم كل شىء ، فكانوا يجلسون فى الترعة كأنهم يتلقوى العزاء فى شخص غالى عليهم و هو ما سيتضح فيما بعد فتح الهاويس عندما تزغرد النساء و يهنئن بعضهن ، و ما دعم الحالة الشعورية للموسيقى كلمات الاغنية التى تقول \" الزرع جف و الضرع جف و الارض بتقول غيثونى \" و لا يبخل المخرج من التعبير بصريا عن كل ما سبق ، ثم تأتى \"فؤادة\" لتقوم بما لم يقدر أن يفعله أحد و تفتح الهاويس و هنا تتغير حالة الموسيقى تماما من الحزن و الذل الى الفرح و الشعور بالحرية و الكرامة لتجد و قد تغيرت حالة الفلاحين من حالة العزاء الى حالة العيد و التهانى كما ذكرت من قبل .... و لا تقتصر أهمية هذا المشهد على هذا فقط ، لكنه كان المشهد الذى نتجت عنه تتابعات أدت فى النهاية الى سقوط \"عتريس\" ، الذى ما ان علم بفتح الهاويس الا و ذهب مسرعا ليقتل من فعل ذلك ليجدها \"فؤادة\" فيعجز عن قتلها ، لتكون بذلك نقطة الضعف التى أسقطته و التى حركت أهل القرية ..... 2- بعد فتح الهاويس يذهب \"عتريس\" لخطبة \"فؤادة\" ليس بطلب بالطبع لكنه بأمر واجب النفاذ ، الامر الذى جعل والدها يبطل عقدها باتفاق سرى بينه و بين الشهود حتى لا يقتلهم عتريس جميعا ، و عندما تهم لحظة رحيل \"فؤادة\" عن منزلها وهى فى حيرة و دهشة من أمرها اذ انها لم تعط التوكيل للشهود لتفهم من نظرة ابيها لها ان الامر ليس بارادته ، هنا و مع خروجها مرتدية السواد تتحول نغمة الزفاف الشهيرة الى نغمة يملئها الحزن للدرجة التى قد تجعلك تبكى ، فها هو عتريس التى تمنت دوما ان تتزوجه و قد تحقق لكن بشكل صورى و غير شرعى لتختلط نغمة الزفاف الشهيرة بنغمة أخرى مليئة بالحزن بل و تتغلب عليها لتعبر عن حال \"فؤادة\" حيث تغلب لديها الشعور بالحزن على \"عتريس\" على الحب الذى كانت تحمله له ........
"زواج فؤاده من عتريس باطل"، هكذا صرخ الشيخ ابراهيم لتقوم ثورة الدهاشنة على الطاغية عتريس . إنه فيلم المخرج حسين كمال "شيء من الخوف" احد اهم الافلام الدرامية في تاريخ السينما المصرية والعربية . وهو فيلم مناسب لكل الأوقات وصالح لكل الأماكن . ليس خاصا بمصر وحدها بل عاما لكل الدول العربية ، ليس خاصا بطاغية واحد بل هو عن كل طاغية . ظهر الفيلم عام 1969 في وقت حرج في تاريخ مصر السياسي بعد هزيمة 67 . لكنه في نفس الوقت ظهر في فترة مميزة في تاريخ السينما المصرية ، حيث نجد أفلاما مثل "المومياء" لشادي...اقرأ المزيد عبدالسلام و"الأرض" ليوسف شاهين. "شيء من الخوف" هو قصة صعود عتريس وجبروته وصمود فؤاده ثم ثورة الشعب ونهاية عتريس. هو ملحمة تصور الظلم والإرهاب والبحث عن الحرية. .......... يبدأ الفيلم بموسيقى بليغ حمدي التي تتخللها الآهات والتي سترافقنا خلال الفيلم بأكمله ، ثم تأتي أغنية عبدالرحمن الأبنودي التي هي مفتاح الفيلم "البلد اسمها الدهاشنة .. والمكان محدش قال لنا" ثم يقول "يمكن في كل مكان .. متى؟ محدش قال لنا .. يمكن في كل زمان" . ثم يقول "في الدهاشنة ضل زرع الارض غل .. العارف طريقه يمشي فيه يضل" . .......... يأتي أول مشهد للبطل المجرم لكن المخرج يقدمه بطريقة مختلفة ، يقدمه بأغنية "أهوه .. مالي الدهاشنة بخوف" . لكن من هذا الشخص؟ إنه عتريس الجد . فالفيلم يخبرنا ان الطغيان له اصل وفصل وليس نبتا شيطانيا . ثم يأتي حوار بين زبانية عتريس الجد "أكبر من فيهم سجد" يقصد الشعب، فيرد الآخر "السجود مش كفاية .. دول لازم يتداسو بالجزم". في نفس المشهد نجد عتريس الجد ينفجر غضبا حين ظن أحد الزبانية أنه ذراعه اليمين ، هذا لأن عتريس الأب يرى نفسه إلها لا يحتاج إلى أحد . .......... ثم يأتي مشهد عتريس الصغير وتأتي أغنية "يا عيني عالولد" التي تخبرنا أن هذا الصغير "زي ولاد البلد" ، وكذلك فإن كل طاغية كان في وقت من الأوقات طفلا بريئا . بعد أن قتل عتريس الجد أحد أبناء القرية ومشى في جنازته بدون اعتراض احد، اذا به يقول "كَفر عاقل وحكيم .. شيء من الخوف لا يؤذي". وبينما الاطفال يلعبون إذا بعتريس الجد يمر مع موكبه فيهرب كل الاطفال إلا طفلة ، فيتعجب عتريس الذي اعتاد ان يخافه كل الناس، اما الطفلة فهي فؤادة التي ستظل صامدة حتى النهاية . .......... ثم يأتي المشهد الصادم حيث يقتل عتريس الجد حمامة عتريس الحفيد ، وهو بذلك يقتل براءته . يوصي الجد حفيده فيقول "لو ما كنتش صقر حياكلو لحمك .. حيحوطوك زي الذيابه" . هكذا يرى ويتصور العالم. .......... يبدأ الفصل الثاني من الفيلم بمشهد بين فؤادة وعتريس ، يظهر فيه الصراع النفسي لشخصية عتريس حيث يقول "قلبي ملك الدهاشنة .. وأنا ملك جدي". لكن بعد أن يُقتل عتريس الجد ، يقرر عتريس الحفيد أن ينتقم من الجميع ، من الدهاشنة أجمعين . يتحول عتريس إلى فرعون فهو يتحدث إلى نفسه "يا دهاشنة كل اللي عندكم ملكي .. حياتكم نفسها ملك إشارة من يدي". .......... تسأل فؤادة الشيخ ابراهيم عن سبب انقلاب عتريس على البلد، فيجيبها بأن "الناس سكتت" . يُقتل أحد زبانية عتريس ثأرا من عتريس، لكن عتريس لن يعرف من ثأر ، كيف يعرف وكل البلد تكرهه تريد الثأر منه؟ يقرر عتريس تجويع البلد جملة واحدة فيقطع عنهم الماء . هنا يصبح عتريس عدوا للأرض و"الأرض بتقول غيثوني". .......... من الذي استجاب لنداء الأرض؟ إنها فؤادة التي أعادت المياه لمجاريها. في مشهد عودة الماء وعودة الحياة إلى الأرض لا نسمع إلا صوت الموسيقى وصوت المياه وصوت هتافات الناس الفرحة. يوجه عتريس بندقيته إلى فؤادة لكنه يضعف ويجبن أمامها، ينهار الوحش الكاسر أمام فؤادة فيعود أدراجه. يتحدث الشيخ إبراهيم "هو لو كان كل واحد في البلد وقف وقفة فؤادة .. مش كان الطاغي شوكته انكسرت من زمان". .......... يقرر عتريس أن يشتري فؤادة بسطوته وماله فيتزوجها رغما عنها وعن أهلها. لما علم حافظ -والد فؤادة- أن لا مفر من هذا الزواج وأن فؤادة رفضت الموافقة ، قرر أن يحتال ويكذب فأخبر المأذون أن ابنته وكلته ليتم الزواج. .......... مشهد عقد القران مأساوي فالأب يجهش بالبكاء حزنا على مصير ابنته والأم تلبس الأسود وتبكي على حظ ابنتها. يظن عتريس أنه حقق حلمه ، لكن فؤادة تفاجئه بحقيقة عقد الزواج الباطل. ثم تقول بكل قوة "أنا مش حموت يا عتريس حتى لو قتلتني". .......... تثور ثائرة عتريس حين تحول حلمه إلى سراب ، فيقرر أن يدمر البلد. ينتشر خبر بطلان الزواج في البلد. ويأتي الشيخ إبراهيم -رمز الوعي- إلى والد فؤادة ليقول له "بنتك مع راجل غريب .. حس". في أثناء ذلك ، تغلي فكرة بطلان الزواج في ذهن عتريس وتجعله كالمجنون. ثم يأتي مشهد مأساوي تصرخ فيه أم فؤادة من خارج قصر عتريس حيث تحتجز ابنتها. .......... ثم تأتي شرارة الثورة من قبل محمود ابن الشيخ ابراهيم "الكفر لازم يعرف ان له كلمه .. وانه يقدر يقولها". يعرف عتريس عن طريق جواسيسه ما يجري في البلد فيقول "ما فيش غير الشيخ ابراهيم .. هو اللي لسانه طويل". .......... يغرق زبانية عتريس أرض الشيخ ابراهيم لكنه يزيد في تحديه ويصرخ "الزواجه باطله" ثم يخطب في الناس الخائفين مناديا بحقوق البلد. يأمر عتريس بقتل محمود ابن الشيخ ابراهيم. وخلال زواج محمود يغتال ليكون شهيد الحرية وتنفجر ثورة الشيخ إبراهيم وثورة الداهشنة . .......... نصل إلى ذروة الفيلم ، حيث يتجه الدهاشنة في موكب مهيب حاملين جثمان شهيد الثورة محمود إلى قصر عتريس وكلهم يصرخ "جواز عتريس من فؤادة باطل". .......... تتحرر فؤادة من سجنها ، ويهرب زبانية عتريس ليظل الطاغية وحيدا في قصره محاصرا بجموع الثائرين الذي يحملون ألسنة اللهب .. تحرق الجماهير عتريس وقصره ونسمع أغنية "يا عيني عالولد" والآهات. انتهى عتريس وانتهى الخوف.
يبدأ الفيلم بسؤال سهل بعد التحقق من هوية الرجل الذي أنتشلت جثته من القناة: من قتل سالم أبو عوضين؟ وتأتي الإجابة على شكل ضحكة هستيرية من شرير مرسوم بالطريقة التقليدية التي لا تعرف السينما المصرية غيرها، أسنان منخورة وضحك هستيري لا لزوم له.. يصل السرد السينمائي الى ما يجب أن يكون بداية الفيلم الحقيقية بعد أن يستهلك خمسة عشر دقيقة يقدم خلالها كل شخصياته وكل أدواته وأغنية الفلم الأيقونيه ، يعتمد الفيلم على تقاليد السينما التي تقدم الخير والشر بطريقتها المألوفة التي أرتاح المشاهد وأعتاد عليها دون أن...اقرأ المزيد يحس بعد بأنها طريقه مكرره ،هناك نسختين من عتريس واحد للجد الشرير (طاغية كفر الدهاشنة) صاحب السطوة التي لا يعرف مصدرها غير كوكبة الخياله التي ترافقه على الدوام، والثانية للطفل المرشح للخلافة الذي يصادق الطيور وفتيات القرية المتشحات بعفاف الأطفال وجرأة الكبار على طريقة فؤادة بنت الشيخ حافظ. لا يموت الجد عتريس قبل أن يسلم راية الشر الى حفيده وسميه عتريس ولا يغمض عينية النهمتين قبل أن يحصل على وعد قاطع بأن يحافظ عتريس الحفيد على حالة القلق الدائم التي يعيشها الدهاشنة ، يبرر الفلم الشر في مشهد زائد يقتل خلاله الجد ويتحول عتريس الصغير بعده إلى نسخة مطورة من عتريس الجد ليصبح طاغية كفر الدهاشنة الجديد،يتساهل الفلم مع حالة التحول الآني التي طرأت على حياة عتريس ولا يلتفت الى دروس علم النفس التي تتحفظ تجاه حالة التغير الفجائي ويكتفي بتغير النمط الموسيقي وإيقاع الغناء الجماعي الذي أعتمد عليه في المقدمه فيتسارع اللحن وتتطاير العلامات الموسيقية الصادرة عن الآلات الوترية الغاضبة على وقع استيقاظ الحيوان الهائج الذي نام في جسد عتريس الحفيد فترة طويلة. لا تتنكر النسخة الجديدة من عتريس بشكل كامل إلى ماضيها اللطيف فهناك فؤادة التي ما زال يرغب بها ويريد الحصول عليها ولكن على طريقة عتريس الجديد الذي يمثل كل أنواع التجاوز والقسوة والظلم وتحت هذه العناوين لن يكون الحصول على فؤادة زواجا تقليديا، ولن يكون مشهد الزواج مشهدا تقليديا كذلك، فقد كان من أكثر مشاهد السينما العربية مرارة، عندما يستسلم الأب الضعيف الخائف لترديد كلمات الشيخ والتي بموجبها ستصبح فؤادة زوجة لعتريس وهو يعرف بأنه لا يملك حق نطقها، يحس المشاهد بأنه يمضغ قطعة من الصبار وهو يشاهد شفاه الأب المرتجفة تردد ألفاظ القِران المحرم بخوف مستسلم.. تمثل هذه "الجوازة الباطلة" حادثة حرق البوعزيزي نفسه، فتشتعل نار الثورة في كفر الدهاشنة الخانع، ويقود رجل دين ثورة الدهاشنة برفقة العروس التي زوجت زورا إلى طاغية. لا يُظهر الشيخ ابراهيم رجل الدين الثائر إعتراضه على الزواج الباطل كمسألة شرعية بل يقدمها كقضية وطنية، حشد لها كل الدهاشنة فساروا وراءه وصولا إلى قصر عتريس الذي تخلى عنه الجميع ليموت حرقا بقذائف اللهب التي ألقاها الدهاشنة من نوافذ قصره المنيف. يستفيد الفيلم من مسألة فقهية ويبني فوقها مخالفة شرعية واضحة يقع فيها الطاغية، تستثير الغل المخزون في أعماق الدهاشنة وتتحول إلى ثورة شعبيه عارمة تتجاوز تصحيح الخطأ الشرعي لتصحيح كل ما اعتقد الدهاشنة أنه خطأ وصولا إلى حرق الطاغية.. بدا في هذا الفيلم كل شيء تقليدي شكل الطاغية الشرير وهيئات "الغلابة"، وحوارات أهل القرية وأفراد العصابة المصاغة على شكل خطابات بليغة قصيرة، ومسار الفيلم الحتمي المتوقع حصوله دون أية إضافات فنية، وبدون أن يبذل المخرج جهدا لإزالة آثار الغبار الذي غطى الشاشة حول الممثلين، ولعبت أشعار عبد الرحمن الأبنودي دورا خياليا في إنعاش أجواء كفر الدهاشنة وأمدتها بتأثير درامي تجاوز مبالغات الممثلين، أما صوت شادية الشجي فكان يوقظ الحنين الى لحظات الصبي عتريس القديمة وهي تشدو " ياعيني يا عيني .. يا عيني عالولاه"، قصة جميلة عن الثورة وتوظيف ناجح للفقه في خدمه القضايا الوطنية دون توريط للدين ودون تسييس له...