من الطبيعي أن السينما، وخصوصًا في الدراما الاجتماعية، تحاول لمس الواقع، أو حتى تعريه وتضعه أمامنا بكل قسوته، لكن في وسط هذا كله، يفضل أن تظل هناك خيوط خفية من المنطق الإنساني... مشاعر نفهمها، حتى لو لم نوافق عليها، وسلوكيات قد تكون خاطئة، لكننا على الأقل نرى دوافعها. وهنا تبدأ المشكلة مع فيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو". الفيلم يروي قصة "حسن"، شاب مهمش، يعيش في هامش الحياة، يعاني من الوحدة القاتلة، وليس له في العالم سوى كلبه "رامبو" الصديق، الونيس، وكل ما تبقى من الطمأنينة، ومن اللحظة الأولى، بنلاقي الفيلم بيقربنا جدًا من حسن، لكن كل ده بينهار فجأة لما نوصل للذروة: حسن يختار إنه يواجه تهديد بلطجي خطير الميكانيكي (كارم) ويُصر على الاحتفاظ بالكلب، مع إن ده معناه تعريض أمه المسنة للخطر الحقيقي، بل والموت، الأسوأ إنه يسيبها في البيت لوحدها، في حين إن التهديدات كانت واضحة وصريحة. وهنا يبدأ التساؤل الحقيقي: هل ممكن أي حد يتعاطف مع دا؟ هل في أم، مهما كانت الظروف، تستحق إنها تتعرض للخطر عشان ابنها مش قادر يسيب كلبه؟ في لحظة، حسن فقد توازنه، ومش بس توازنه النفسي، لكن كمان توازنه الأخلاقي. والفيلم، للأسف، بيطلب مننا كمشاهدين إننا نتفهم ده ونتعاطف! من منظور إنساني بسيط، منطق الحياة بيقول إن الأم هي الحنان، الأصل، التضحية. حتى لو العلاقة مش مثالية، فده لا يبرر إن الكلب، أي كانت رمزيته، يحل مكانها في هرم الأولويات. الغريب كمان إن الفيلم ما حاولش يبرر ده بشكل حقيقي، مفيش تمهيد درامي يُفهمنا ليه حسن شايف الكلب كأنه أغلى من أمه، بالعكس، الأم ظهرت كإنسانة بسيطة، صبورة، حنونة، بتستحمل، وبتحب ابنها… من غير مقابل. وهنا هتحسن إن الفيلم بيقولك: "أنت لازم تتعاطف… غصب عنك." وده بيبان كمان في اللغة البصرية للفيلم، موسيقى حزينة، إضاءة قاتمة، لقطات طويلة لحسن وهو يحتضن الكلب بحزن مبالغ فيه… كأن الفيلم بيضغط على مشاعرنا عشان نحزن معاه. فيه ناس فعلًا في الحقيقة بيفضلوا الحيوانات على البشر، أو بيعانوا من عزلة نفسية مؤلمة، ما نختلفش، لكن السينما دورها مش بس إنها ترصد الظواهر، لكن كمان إنها تطرح الأسئلة، وتواجه المشاهد بتعقيداتها، مش تبررها وكأنها هي المنطق الجديد للحياة. واعتقد لو كان الفيلم عايز يناقش قضية الانفصال العاطفي عن المجتمع، أو اضطراب العلاقة بالأسرة، فده ممكن يكون موضوع مهم، بس ده مش اللي حصل هنا، اللي حصل هو تمجيد اختيار أناني، خطير، ومؤذي… وكأن ده تضحية عظيمة.
في النهاية، واضح إن في محاولة لصنع لحظة درامية قوية، لكن اللي حصل إن ده جه على حساب عناصر تانية مهمة زي المنطق الداخلي للأحداث، فيه مشاهد فعلاً كانت محتاجة تمهيد أفضل، أو تفسير أعمق، وبعض الحلول الدرامية ظهرت فجأة كأنها اتكتبت بسرعة من غير ما تتحط في سياق واضح، وده خلى بعض اللحظات تفقد قوتها أو تبان غير منطقية، حتى لو الفكرة من وراها كانت قوية. الواقعية ما ينفعش تكون مبرر إننا نضحي بالقيم، حتى لو على الشاشة. والتعاطف الحقيقي ما يتبنيش بالغصب، ولا بالموسيقى الحزينة. يتبني لما نحس إننا بنتفرج على ناس، زينا، بيغلطوا أحيانا، لكن لسه فيهم شيء من الرحمة… أو المنطق على الأقل.
| عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
|---|---|---|---|
| خلل أخلاقي في "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" |
|
0/1 | 11 اكتوبر 2025 |