صرخة ضد زيف التدين وتغريب الإنسان

يُعد فيلم الملائكة لا تسكن الأرض من الأعمال الجريئة التي تناولت مبكرًا قضية التطرف الديني وغسل عقول الشباب بشعارات زائفة باسم الدين. تدور الأحداث حول الشاب علي (ممدوح عبدالعليم) الذي نشأ في بيت متزمت، تحت سلطة أب قاسي ومتدين ظاهريا (عمران)، يفرض عليه طقوسا صارمة باسم الدين، بينما يخفي خلف هذه المظاهر حياة مليئة بالخطايا والانحرافات. من خلال شخصية علي، يرسم الفيلم صورة دقيقة للصراع النفسي والفكري الذي يعانيه جيل كامل بين الإيمان الحقيقي والتدين الزائف، وبين الفطرة الإنسانية والرغبات المكبوتة، أما حبه لابنة عمه أمينة (بوسي)، فيمثل الجانب الإنساني الفطري الذي تصادره الجماعة المتشددة، فيتحول الحب إلى ذنب، والعاطفة إلى جريمة، مما يدفعه إلى الانهيار والضياع. يُحسب لعاطف بشاي أنه كتب سيناريو جريئا في فترة كانت الأفكار المتطرفة تتمدد في المجتمع، اعتمد النص على التناقض بين الظاهر والباطن فالأب يبدو متدينًا، لكنه في الخفاء تاجر خمور ومخدرات، بينما الأم تمارس الشعوذة والزار، هذا التناقض يُقصد به تعرية النفاق الاجتماعي الذي يرتدي عباءة الدين. رغم ذلك، هناك بعض الثغرات المنطقية في الحبكة، مثل تساؤلك المهم: كيف لرجل متزمت أن يسمح لزوجته بممارسة طقوس الزار والشعوذة علنًا؟ هذا الخلل يُضعف قليلاً من مصداقية الشخصية، وكان يمكن أن يُعالج بإشارة درامية تبرر ازدواجيته بشكل أعمق. سعد عرفة قدم معالجة إخراجية جادة، حاول من خلالها تجسيد صراع الداخل والخارج عند البطل، باستخدام الإضاءة القاتمة في مشاهد الجماعة المتشددة، مقابل إضاءة أكثر دفئًا في مشاهد علي مع أمينة، وكأنه يقول إن النور لا يأتي إلا بالحب والإنسانية. لكن بعض المشاهد اتسمت بالمباشرة الزائدة، سواء في الحوار أو الرمزية، مما جعل الخطاب أحيانًا أقرب إلى الوعظ منه إلى الدراما، ومع ذلك، يُحسب للفيلم أنه لم يقع في فخ الدعاية المضادة أو التشويه السطحي، بل حافظ على بعد إنساني وفلسفي واضح. ممدوح عبدالعليم قدم أداء استثنائي، جمع بين الاضطراب النفسي والبراءة والانكسار، تمكن من نقل التحول الداخلي في شخصية علي بصدق كبير، خاصة في لحظات الصراع بين الواجب الديني والنداء الإنساني. بوسي أضفت دفئا ورقة على شخصية أمينة، فكانت رمزا للرحمة والعاطفة في مقابل القسوة والتطرف. العنوان نفسه "الملائكة لا تسكن الأرض" يحمل دلالة رمزية عميقة: فالأرض مليئة بالبشر بخيرهم وشرهم، ولن يصير الإنسان ملاكا بمجرد رفع الشعارات الدينية، لأن الطهر لا يتحقق إلا بالصدق لا بالمظاهر.

نقد آخر لفيلم الملائكة لا تسكن الارض

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
صرخة ضد زيف التدين وتغريب الإنسان دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 0/0 29 اكتوبر 2025