أراء حرة: فيلم - الآنسة حنفي - 1954


فيلم سابق عصره

في وقت شاعت فيه كوميديا الهزل ، أو تلك التي تعتمد على المظاهر الخارجية للشخصيات ، ولا تضيف جديدا للمشاهدين من مواقف اعتبارية، أو لمسات فنية، أو وضع حل لمشكلة بأسلوب كوميدي يساعد على الاقتناع وفهم ذلك الحل، أو معالجة قضية تشغل الرأي العام بطريقة ساخرة تجعل تلك القضية أسلوبا سهلا في الحياة، فتختفي أثارها السلبية ، وتظهر في الأفق إيجابياتها، أو يكون المراد من العمل الكوميدي جلب الضحك بفانتازيا غير مغيبة للعقل أو الروح، مبهجة لهما عن طريق إثارتهما وليس عن طريق التغييب كما كان موجودا في السينما...اقرأ المزيد والمسرح فترات الثلاثينيات والأربعينيات، هنا ظهر نجم فطين عبد الوهاب الذي أخذ على عاتقة إبراز وتجسيد مصطلح الكوميديا الراقية الهادفة التي تتجنب مجرد إثارة الضحك بصورة هزلية إلى اتخاذ الموقف سبيلا لها، واتفقت هذه الموهبة الكوميدية مع المبرز لها على الشاشة بالصورة التي أرادها فطين وهو إسماعيل يس، حيث كانت البداية الحقيقية لهما في فيلم \" الآنسة حنفي \" 1954 ذلك العمل الذي وضع إسماعيل يس من خلاله قدمه برسوخ كممثل كوميدي فريد يستطيع اسمه وحده أن يحمل العمل فيسمى به، وهذا ما حدث بالفعل مع سلسلة إسماعيل يس بعد ذلك ، وقدم فطين عبد الوهاب في الآنسة حنفي بطاقة اعتماده مخرجا كوميديا على أفضل ما تكون الكوميديا من طراز فريد. فقد عالج في هذا العمل بطريقة الفانتازيا تسلط الرجل على المرأة ، ومعاملتها بصورة تؤكد أنها أقل منه عقليا وفسيولوجيا ، ويجب أن يرشدها دائما لأنها لا تعرف الخطأ من الصواب، ومهما بلغت من سن فلن تخرج عن كونها شيء مهان ومبتذل يجب صيانته والحفاظ عليه ، وعدم تعريضه لنظرات الآخرين. فهذه النظرة المحدودة والطبقية هي التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ومن قبله بزمن طويل ، فأراد فطين أن يصرخ في ذلك المجتمع الرجالي بضرورة أن يعاملها بما تستحق إنسانيتها ، وألا تعامل بصورة سيئة من الرجل لمجرد أنها أنثى وهو ذكر، لذلك تخيل لو تحول ذلك الرجل الذي يعامل الأنثى بكل تلك الصلف وتلك البشاعة والتجبر، لو تحول إلى أنثى هل يرضى – أو ترضى- بتلك المعاملة من الرجل أو حتى من الأنثى المماثلة، بالقطع لن يقبل ، فلماذا يفعل ذلك وهو الرجل؟ هذا السؤال البسيط طرحة العمل بصورة تخيلية سابقة لزمانها، فلم يكن فطين يدرك أنه سوف يأتي الزمن الذي يتحول فيه الرجل بفعل العمليات الجراحية إلى أنثى، بل ويتباهى بذلك ويتفاخر أمام أقرانه القدامى من الرجال وقريناته الفاتنات من النساء، فالمعلم كتكوت \" عبد الفتاح القصري \" متزوج من زوجة ثانيه \" زينات صدقي \"، أنجبت له ابنة صارت شابه هي نواعم \" ماجدة\" ، فتسلط الشاب حنفي ابنه من زوجة أولى عليها وعلى أمها، وأصبح يعاملهما معامله السيد للعبيد لمجرد أنه ذكر، فتحول المنزل إلى خلية مشاكل بينهما وبينه، وتأتي المفارقات الكوميدية من تحول حنفي إلى أنثى تكون تحت سيطرة من كانت تسومهم سوء العذاب من قبل . الفيلم يناقش القضية السابق ذكرها بطريقة الكوميديا التي تجعل المشاهد يستمتع بها، خاصة وأن إسماعيل ياسين له حضوره الكوميدي المميز والذي يثير الضحك لمجرد ظهوره على الشاشة، وزادت نسبة هذه المتعة الكوميدية بوضعه في دور ملائم ومناسب له، يخرج عن طريقه كل مكنونات الكوميديا الساخرة من نفسه، ويلقيها على المشاهدين المستمتعين بالعمل، فالموقف وحده يدعو للضحك، حيث المفارقة التي تأتى من تحول ذكر إلى أنثى خاصة لو كانت هذه الأنثى بصورة إسماعيل ياسين. كما كان الأداء العالي لرياض القصبحي صورة مما أصبح عليه مستقبله التمثيلي بعد ذلك في سلسلة إسماعيل ياسين ، حتى أنه هو القاسم المشترك لنجاح هذه الأعمال بملامحه التي تدل على الغلظة والقسوة، وحقيقة الشخصية التي يؤدها ، حيث تتسم بالرقة والشفقة والحنان ، ورغم المشاكسات التي تتم بينه وبين إسماعيل ياسين خاصة عندما يكون في دور الجاويش عطية الشهير ،وإسماعيل ياسين جندي تحت تصرفه، يظهر رقته وحنانه وعطفه على إسماعيل ياسين في المواقف الشديدة التي يتعرض لها إسماعيل ياسين ، مما اكسب الجاويش عطية حب الجمهور وتفاعلهم معه. وقد اعتمد الفيلم على الموسيقى التصويرية المأخوذة من الأغنية الشعبية الأولى للعمل، حيث أن موسيقى تلك الأغنية تصاحب المشاهد بطريقة كانت معتمدة في ذلك الوقت سائغة، ويأتي نجاحها من تعبيرها عن جو العمل، فالأغنية هنا في إحياء فرح حنفي على نواعم تحمل الجو الشعبي، وتتضمن أسماء بعض سكان الحارة ، فتجعل المشاهد يعيش ذلك الجو، وبانتهاء الأغنية اعتمد واضع الموسيقى التصويرية عليها لتكون خلفية لحوادث العمل كله بأن يبث موسيقى الأغنية تلك الموسيقى الشعبية مع حوادث العمل ، مما أدى إلى الأشعار بالجو الشعبي ونجاح العمل.