أراء حرة: فيلم - العزيمة - 1939


العزيمة .. بداية السينما الواقعية في مصر

فيلم 1939 ربما لم يسمع الكثيرون عن هذا الفيلم على الإطلاق على الرغم من أنه يحتل المركز الأول – حتى الان - ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية حسب أراء النقاد والصحفيين . الفيلم قصته إجتماعية ومعتادة – بمقاييس السينما – ولكنه يعتبر أول فيلم مصري واقعي يبرز الحارة المصرية بتفاصيلها التي لم يشاهدها رواد السينما قبل ذلك .. كانت معظم الافلام السينمائية قبل هذا الفيلم تعتمد على شيئين أساسيين , إما ان تكون الرواية مقتبسة من الادب العالمي ويتم تمصيرها وتقديمها في فيلم سينمائي .....اقرأ المزيد او يكون الفيلم غنائي بالدرجة الاولى ويقوم ببطولته أحد المطربين او المطربات . حتى جاء فيلم العزيمة ليكسر هذه القاعدة ليقدم رواية مصرية خالصة ودراما سينمائية ممتعة بعيدة كل البعد عن الغناء والاستعراض . على الرغم من أنه قد سبق تقديم فيلم إسمه زينب عام 1930 عن رواية الاديب الكبير " محمد حسين هيكل " واخرجه محمد كريم ولكنه كان فيلم صامت وأعيد تقديمه كفيلم ناطق عام 1952 لنفس المخرج . فيلم العزيمة أخرجه مخرج شاب لا يتذكره الكثير من الناس إسمه " كمال سليم " الذي كتب قصته وكتب ايضا السيناريو الخاص بالفيلم بالتعاون مع الاستاذ بديع خيري .. كمال سليم قدم في هذا الفيلم كوكبة من نجوم السينما في هذا الوقت حيث قامت فاطمة رشدي بدور البطولة امام حسين صدقي وكان معهم مجموعة من الوجوه الشابة والجديدة – أنذاك – أهمهم أنور وجدي و عبدالسلام النابلسي . يحكي الفيلم عن قصة حب تنشأ بين فاطمة (فاطمة رشدي) و محمد (حسين صدقي) الذي مازال يشق طريقه في العمل بعد تخرجه . ويتعاون مع صديقه عدلي (أنور وجدي) في عمل خاص سرعان ما يتبخر بسبب مماطلة عدلي وعدم جديته .. ومن عجائب القدر ان يستفز ذلك والد عدلي ( نزيه باشا – زكي رستم ) ويعمل جاهدا لمساعدة محمد على الالتحاق بوظيفة كي يكسب منها رزقه ويحقق حلمه بالزواج من فاطمة ويتم الزواج بالفعل .. وتتسارع الاحداث ويتم تلفيق احدى التهم لمحمد بسبب اختفاء مستند مهم من تلك الشركة ويتم طرده من وظيفته واتهامه في قضية ممكن ان تتسبب في ضياع مستقبله بأكمله ,ويضطر للعمل في وظيفة صغيرة لا يستطيع من خلالها تحقيق مستلزمات حياته .. ولسوء حظه تعلم حبيبته وزوجته فاطمة بذلك وتطلب الطلاق .. وسرعان ما يتقدم اليها المعلم " العتر " ليتزوجها .. يستيقظ ضمير عدلي و يعزم على اثبات براءة صديقه محمد من هذه التهمة وبالفعل ينجح عدلي في ذلك بتشجيع من والده نزيه باشا وتعرف فاطمة الحقيقة و تقرر عدم اتمام زواجها من الجزار "العتر " وتعود الى حبيبها محمد نادمة على فراقه . الفيلم إجتماعي و واقعي في المقام الاول وتم تصوير معظم مشاهده في الحارة المصرية ويبرز أهمية صمود الانسان أمام مكائد الزمن حتى يتحقق له مايريد وهنا جاء اسم الفيلم – العزيمة .. كما انه يبرز فكرة في غاية الروعة وهي ان الحب الصادق بين إثنين لا يمكن ان ينتهي مهما تبدلت أحوال الدنيا بل سيبقى شامخا صامدا امام اي عقبة تقف في طريقه رافضا الاستسلام والخضوع .. كان هذا الفيلم بمثابة الروح الجديدة التي دبت في جسد السينما المصرية نظرا لاسلوب التجديد والتغيير الذي طرأ على صناعته , بداية من القصة الواقعية الى الاخراج الواقعي ايضا والمتميز . ومع الاسف لم يستمر المخرج كمال سليم في مسيرته بالرغم من انه احدث نقلة نوعية في صناعة السينما المصرية وذلك بسبب وفاته المفاجئة عام 1945 وعمره 32 عام فقط . عمل المخرج الكبير صلاح ابوسيف مساعدا للمخرج كمال سليم في هذا الفيلم .. وقام بدور الجزار " العتر " الاستاذ عبدالعزيز خليل الذي أسس نقابة الممثلين بعد ذلك .. وتم تقديم الوجهان الجديدان أنور وجدي و عبدالسلام النابلسي للجمهور من خلال هذا الفيلم . تقاضت الفنانة فاطمة رشدي اجرا وقدره 160 جنيها عن دورها في الفيلم وهو أعلى اجر حصلت عليه اي فنانة على الاطلاق في ذلك الوقت و كان اجر الراحل حسين صدقي حوال 80 جنيها وقامت شركة استوديو بمصر بإنتاج الفيلم .


العزيمة تأصيل الواقعية المصرية

ليس من الغريب أن يجمع هذا العمل بين رمزين للواقعية المصرية في السينما ، أو لهما مؤسس الاتجاه الواقعي بفيلم العزيمة \"كمال سليم\" الذي كان رئيسا لقسم السيناريو بأستوديو مصر ، والثاني صاحب هذا الاتجاه الذي سار على درب مؤسسه حتى أصبحت الواقعية السينمائية تنسب إليه وهو صلاح أبو سيف . فقد اختار كمال سليم صلاح أبو سيف ليكون مساعداً له في السيناريو والإخراج والمونتاج ، وذلك الاختيار كان نقطة الاكتشاف الثانية لقدرات صلاح أبو سيف بعد النقطة الأولى التي اكتشفه فيها نيازى مصطفى وأدخله عالم السينما ، وشعر...اقرأ المزيد كمال سليم بقدرات فنية هائلة وحب حقيقي للسينما في صلاح أبو سيف ، لذلك قربة منه وبدأ يؤصل فيه الاتجاه نحو الواقعية ، ولأن كمال سليم كان قارئاً ممتازاً فقد وجه اهتمام أبو سيف نحو القراءة ليس فقط في مجال السينما ، وإنما في ميادين أخرى عديدة . وظل أبو سيف على صداقته القوية مع كمال سليم ينهل من تجاربه وخبراته ورؤيته السينمائية ، خاصة في تلك الجلسات التي كانت تجمعهما في مقهى \" ريجينا \" بشارع عماد الدين . ويظهر الأسلوب الواقعي في العزيمة فضل كمال سليم على السينما المصرية ، حيث استخدم ذلك الأسلوب في عام 1939 بصورة تبدو جديدة ، فالأفلام قبل ذلك كانت تدور في القصور والسرايات أو الأماكن الشعبية ، ولكن بأفكار هزيلة تناسب سينما التسلية وليست سينما الفكر ومعالجة قضايا المجتمع ، كما يزداد هذا الفضل في تقديمه \"لصلاح أبو سيف\" الذي أصبح بعد ذلك من أهم وأعظم مخرجي السينما العربية . وقد عالج كمال سيلم في العزيمة قضية البطالة وتأثيرها السلبي على المجتمع ، تلك القضية التي لازالت إلى الآن مجالاً خصبا للمعالجة ، ورغم خطورتها الشديدة على المجتمع في العصر الحديث إلا أن فيلما حديثا لم يعالجها بالطريقة المقنعة التي عالجها بها فيلم \"العزيمة\" الأمر الذي يعكس عبقرية كمال سليم . كما يتطرق سليم إلى العلاقة بين طبقتين في ذلك الوقت وهما الطبقة الأرستقراطية ورأس المال ، وطبقة الفقراء والشعبيين وما يحدث بينهما من نفور ، والمطمح الذي يهدف إليه العمل من التعاون بين الطبقتين وما سيؤديه ذلك التعاون من نتائج مبهرة على المجتمع كله . وقد مثل الطبقة الأولى عدلي \"أنور وجدي\" ابن الباشا \"زكى رستم\" ، ومثل الطبقة الثانية محمد حنفي \"حسين صدقي\" ابن حلاق إحدى الحارات المصرية القديمة بالقاهرة . واستخدم كمال سليم البساطة أسلوبا في معالجة قضايا المجتمع لأن البساطة هي المدخل الرسمي لقلوب وعقول المتلقين ، وهى المؤثر الأساسي في سلوكياتهم النابعة بعد المشاهدة ، لأنها تعطى للفهم سهولة ، وهذا الأسلوب سر من أسرار نجاح الأعمال السينمائية نادراً ما يلتفت إليه صناع العمل .


العزيمة والإحساس الصادق

العزيمة .... كلمة قد تعني الكثير والكثير للبعض معنا؛ ولكن عندما ترد لذهني لا أتذكر ولا تعني شيء لي سوء فيلم (العزيمة) للمخرج العبقري، مخرج الواقعية صلاح أبو سيف الذي طرح رؤية للمجتمع المصرى , والعديد من اﻷبعاد والعلاقات الانسانية للواقع. فأهم ما يميز فيلم العزيمة ليس فقط أداء الممثلين الذي فاق كل توقع أو تقدير وإنما ما يميزه هو الإحساس الصادق بالحارة الشعبية فبالرغم من أن الفيلم قد تم تصويره بالكامل داخل الأستوديو إلا أن مهندس الديكور (ولي الدين سامح) استطاع بقيادة مخرج مثل صلاح أبو سيف أن يضع...اقرأ المزيد ديكور ومناظر تنبض بجو الحارة والحياة فيها التي رسمها كمال سليم ببراعة فائقة مؤكدا في نصه على العادات والتقاليد الاجتماعية التي تميزت بها الحارة المصرية والعديد من الصور الشعبية الجميلة مثل اﻹفراح والمناسبات البسيطة، وجو رمضان الجميل. وبالرغم من أن الفيلم تيمته الأولى والرئيسية اعتمدت على إظهار الحارة المصرية التي تربى فيها كمال سليم مثل حي بين الظاهر والعباسية والحسينية إلا أن كمال سليم لم يتوقف عند هذا وإنما أشار إلى إسقاط سياسي عن البطالة وتأثير ذلك بشكل كبير على المجتمع والشباب من خلال قصة الشاب محمد الذي أنهى تعليمه وحصل على شهادته التي تؤهله للعمل في وظيفة حكومية مرموقة إلا أن الوساطة أجبرته على العمل بائع في محل، وكيف أثر ذلك على علاقته بفتاة أحلامه فاطمة (فاطمة رشدي). وتفرعت الخطوط لتصف الطبقات المختلفة في المجتمع المصري حيث الصراع الدائم بين الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية من خلال علاقة محمد بصديقه الثري عدلي (أنور وجدي)، وتحكم المال وسلطته في شخصية المعلم عنتر (عبد العزيز خليل) وإذا تابعنا طاقم العمل الفني سنلاحظ أن كمال سليم لم يكتفي بوضع السيناريو والحوار للفيلم بل كان مساعدا لصلاح أبو سيف في الإخراج والمونتاج ووضع بصمته المعتادة في الواقعية والتي تميز بها هو اﻷخر. ولا نغفل الموسيقى التصويرية التي وضعها للفيلم الملازم اول عبد الحميد عبد الرحمن وكانت مناسبة للأحداث بشكل كبير وتغنت على الألحان المطربة رجاء حسين بصوتها الجميل. وللتنويه فإن فيلم العزيمة استطاع مخرجه صلاح أبو سيف برفقة كمال سليم أن يدخل به إلى السينما العالمية وان يضع السينما المصرية بشكل خاص على أرض صلبة وقوية ليصبح من أهم 100 فيلم سينمائي مصري وأن يحقق به الريادة.