عندما تُذكَر تيمة (المكان-الواحِد) التي قُدّمِت كثيرًا جدًا في اﻷفلام السينمائية، لعل أشهرها فعلًا هو فيلم سيدني لوميت المُقدّم سنة ۱۹٥٧ (اثنا عشر رجلًا غاضبًا)، لا بُد إذن من ذِكر اسم فيلم (بين السما واﻷرض) لرائد الواقعية المِصرية -كما يُحب محبيه أن يُطلِقوا عليه- "صلاح أبو سيف". صنع "سيف" تحفته تلك مبكرًا جدًا عام ۱۹٦۰، في الوقت الذي كان المُصطلح -أي أفلام المكان الواحد- ما زا...اقرأ المزيدلت تحت التجريب، وهذه التيمة تشتمل على اﻷفكار والحوارات و"طبيعة الشخصيات" أكثر بكثير من كونها مجرد تيمة أخرى يمكن على المخرج استخدام ما يحلو له في التعامل معها، وهذا بسبب أن المكان الصغير يُحتّم على المخرج تقليص المساحة التعبيرية للصورة ومهارات الكاميرا، وصبّ جُلّ تركيزه على ما معالجة الفكرة أو اﻷفكار التي يُمكن (صناعة فيلم من خلالِها) عبر هذا المكان الواحد الضيّق. ضيق اﻷفكار ليست من خواص هذه التيمة، وإنما ضيق المكان فحسب، ﻷن هناك ملايينٌ من اﻷفكار التي يمكن استغلال فكرة (وحدة المكان) لإبرازِها وتشكُّلها. أحد اﻷفلام التي رأيتُها نجحت مثلًا في تقديم معالجة مختلفة لهذه التيمة فيلمٌ بريطانيٌ صدر قبل عامين بعنوان (Free Fire). الفكرة هذا المرّة مع فيلم صلاح أبو سيف كانت قويّة حقًا، فعلى خِلاف ما فعله "لوميت" في فيلمه اﻷشهر بتركيزه اﻷساسي على "فكرةً مُحددةً" هي التي بيّنت النزعات الداخلية للشخصيات (حيث الموقف المصيري الذي يُحتّم إظهار الجزء الجيد أم السيء بِك). هُنا في فيلم "بين السما واﻷرض" اختار سيف العكس: فالشخصيات وإختلافاتِها البيئية والفِكريّة والاجتماعية هي اﻷساس الذي كان يُحرّك الموقف الدرامي، وهُنا جاءت فكرة (طول الوقت الذي يجب قضائه بالمِصعد) ومعها (ولادة إحدى نساء المِصعد) كدافع ﻹبراز طبيعة شخصياتِهم على غرار الموقف اﻹنساني الحاصل في "اثنا عشر رجلًا غاضِبًا". الفيلم بالمُجمَل لطيف للغاية لما تشمله كوميديته، وأفكاره اﻷصلية التي لم تُقتبس أم تُنقل من أفلامٍ أخرى كحال كثيرٌ مما يحصل لهذه النوعية من اﻷفلام التي تُقدّم حديثًا. وأصبح هُناك عبارة شهيرة هي "مُفارقة المِصعد"؛ تُقال في المواقف الصعبة -ضرورية المواجهة- التي توضع بها الشخصيات، فلا يُمكن الهروب من المصعد كما لا يمكن الهروب من هذا النوع من المُشكلات.. أعتقد أنها صُدِرَت من بطن هذا الفيلم.