على الرغم من أننى قضيت كثيرا من الوقت متضايقا من ظلم الرجل الشرقى للمرأة ونظرته المتدنية لها .. إلا أننى على يقين تام بأن الخطر الأكبر الذى يتهدد المرأة ، هو النظرة الدونية التى تروجها المرأة بنفسها عن نفسها ... * * * المشكلة الكبرى لوسائل الإعلام بشكل عام ، والتليفزيون بشكل خاص أنه قادر على دعم أو هدم الكثير من الأفكار فى وقت قصير جدا بالمقارنة بوسائل التعبير الأخرى كالكتابة أو الإذاعة على سبيل المثال . يمكنك أن تحشد مئات المثقفين والكتاب للحديث عن ضرورة النظرة المحايدة للأنثى التى تخطت...اقرأ المزيد حاجز الثلاثين عاما دون زواج ، يمكنك أن تجند كل برامج التوك شو بكل مذيعيها للحديث عن الجحيم المُجتمعى الذى تقع فيه الفتاة التى تتخطى هذا العمر دون زواج وكيف ينظر لها الجميع نظرة لا تليق سوى ببضاعة معيوبة غير مُخصصة للتداول الأدمى تؤذى من يقترب منها ... إلا أن كل ما تبنيه فى صبر وتحاول تغييرة فى جلد لن يصمد أمام مسلسل رمضانى كوميدى بعنوان (عايزة أتجوز) تكتشف معه أن كل ما تحاول بناؤة من وعى حقيقى لضرورة عدم النظر للمرأه على إنها كائن لا يستطيع الحياه بعيدا عن ظل الرجل – الذى ليس دائما أفضل من ظل الحائط - قد تم هدمه بدءا من الدقيقة الأولى للحلقة الأولى من المسلسل الذى يتحدث عن إبنة الطبقة المتوسطة (علا) خريجة كلية الصيدلة ، والتى تحاول التشبث بفرصة أخيرة للحاق بقطار الزواج الذى شارف على مغادرة المحطة مع وصولها لسن التاسعة والعشرين . المسلسل مأخوذ عن مدونة (عايزة أتجوز) التى تم تحويلها لكتاب صادر عن دار الشروق للكاتبة (غادة عبد العال) وهى أيضا – ياللمصادفة – صيدلانية تجاوزت التاسعة والعشرين من العمر وكتبت فى مقدمة مدونتها تقول : " أمُثل 15 مليون بنت من سن 25 إلى سن 35 و اللي بيضغط عليهم المجتمع كل يوم عشان يتجوزوا " ولا أعرف ما الدافع وراء الثقة التى تجعل (غادة) تعلن نفسها المتحدثة الرسمية عن 15 مليون بنت مصرية تختلف الظروف الإجتماعية والمادية والنفسية عنها ، وكيف تأكدت غادة من أن الـ 15 مليون بنت قد أعطوها الحق فى الحديث بأسمهم عبر مدونتها ومن ثم كتابها وبالأخص المسلسل الذى كتبت قصته ؟ منذ بداية عرض المسلسل وصلتنى الكثير من الأراء المخالفة لمسلسل عايزة أتجوز من فتيات تجاوزن حاجز الثلاين دون زواج ، كلهن يعانين من (حرقة الدم) نتيجة الصورة السلبية التى يعكسها المسلسل عنهن دون وجه حق ، إحداهن كانت أجرأ وأرسلت للزميلة والصديقة مروة رخا رسالة غاضبة من المسلسل . على صعيدى الشخصى أعرف العديد من الفتيات الائى تخطين حاجز الثلاثين عاما دون زواج وإستطعن مواجهة النظرة المًتخلفة للمجتمع بأنهن عانسات لا هم ورائهن سوى البحث عن عريس بأى شكل وإنطلقن إلى رحابة الحياة العملية وإستطعن إثبات أنفسهن فى عدة مجالات لا تحلم المرأة المتزوجة بالوصول إليها ، وكان من الأدعى أن تهتم غاده فى كتابتها بتسليط الضوء على بعض هذه النماذج بصفتها فتاة وقعت تحت وطأة المجتمع الذى لا يرى فى الفتاة سوى أنها ضلع أعوج لا يستوى إلا تحت لواء الرجل . أعتقد أن غادة لم تكن تتوقع أن تصل المدونة البسيطة على موقع جوجل لكل هذه الشهرة ، وأن تتحول لمدونة شهيرة إلا أنه كان من المفروض للفتاة التى جربت كيف تستطيع وسائل الإعلام المرئية أن ترسخ صورا خاطئة ومهينة عن الفتاة التى تأخر زواجها أن تبتعد عن فخ تقديم عمل نمطى يساعد على ترسيخ هذه الفكرة . أكتب ما أكتب وأتخيل من يرد ويقول أننا يجب أن نصارح أنفسنا بالحقيقة ، ونعترف أن هذه هى الفكرة الحقيقية للمجتمع ، وأننا يجب أن نرصد ظواهر مجتمعنا السلبية بدلا من دفن رؤوسنا فى الرمال وتصوير الوضع على أنه مثالى . وأقول لمن يتبنى هذه الفكرة أن المطلوب ليس الإكتفاء بعرض الجوانب السلبية لتفكير مجتمعنا ، يجب عليهم – هؤلاء الذين أعطاهم الله موهبة التعبير – أن يتصدوا لهذه الأفكار وعدم الإكتفاء بعرضها بإسلوب يساعد على زيادة ترسيخها لدى العديد من فئات المجتمع خصوصا وقد أتيحت لغادة فرصة دخول كل منزل فى مصر لمدة ثلاثين يوما متواصلين فى موعد يجتمع جميع أفراد الأسر المصرية من كافة الفئات حول شاشة التليفزيون وقد إنفتحت عقولهم مع عيونهم وأذانهم ، وهى فرصة أكثر من مثالية لتغيير نظرة سلبية ظالمة مُهينة للفتاة المصرية التى تثبت يوما بعد يوم أنها تستطيع أن تتحدى أشعة الشمس الضارة بعيدا عن ظل الرجل الذى ليس دائما أفضل من ظل الحائط إلا أنه يبدو أن إغراء تحقيق منفعة مادية وشهرة شخصية قد يكون أفضل من محاولات التغيير و (الكلام الكبير) الذى يكتبه أمثالى ، وتصرخ به 15 مليون فتاة (إلا فتاة واحدة) تخطين سن الثلاثين ويسعين للعيش بسلام فى مجتمع يُصر على حصرهن فى صورة واحدة تظهرهن بصورة الفتاة العانس الساعية للزواج بـ (دكر) مصرى ... ولم لا يضعهن المجتمع فى هذه الصورة السلبية القاتمة وقد وضعتهن فى نفس القالب المُهين من تصف نفسها بأنها ممثلة لهن ؟ البعض يقول أن المسلسل مجرد مسلسل كوميدى ساخر يعتمد على تهويل الأمور وتصويرها بشكل يزيد عن شكلها الحقيقى إمعانا فى الإضحاك .. وأن الزاعقين ضد المسلسل لا يفهمون الغرض الحقيقى منه وهو مجرد رسم الضحكة على شفاه الجمهور . ولهؤلاء أقول أن للإضحاك فن ، وللتناول الساخر طريقا أكثر إحتراما مما قدمه المسلسل ، فهل يجوز على سبيل المثال السخرية من عاهات الأخرين الجسدية ؟ وهل تثير سخرية سمير غانم من الأقزام والفتيات البدينات وأصحاب العاهات شهيتك للضحك ؟ إن السخرية من العاهات والأمراض لهو نوع رخيص من السخرية لا يثير سوى الرغبة فى القىء ، وفى هذه الحالة لا يجوز أن نقدم عملا يسخر من عاهة إجتماعية إسمها نظرة المجتمع للفتاة التى تأخر سن زواجها وإن كان من الممكن التسامح بشأن مدونة إنترنت ساخرة أو كتاب ساخر عن هذه القضية ، فإنه لا يمكن الإستهانة بمسلسل تليفزيونى يتناول نفس القضية .. فما يٌقدم للقارىء يختلف عن ما يمكن تقديمه للمشاهد التليفزيونى . أما هؤلاء المنادين بضرورة عدم الحكم على العمل الدرامى إلا قبل نهايته ، أقول لهم أن (عايزة أتجوز) يختلف عن الأعمال الدرامية الأخرى لأن نصه الأصلى مُتاح فى مدونة على الإنترنت وكتاب فى الأسواق مما يجعل التنبوء بكافة أحداثة القادمة ممكنا .