أراء حرة: فيلم - الشوق - 2011


حالة شاذة وصورة مهتزة

شاهَدتُ فيلم "الشوق" أثناء عرضه ضمن فاعليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ، وهو الفيلم العربي الوحيد المُشارك في المُسابقة الرسمية (!) ، كان يجلس على مقربة منّي المخرجين الكبيرين "محمد خان" و"خيري بشارة" ، وطوال مدة عرض الفيلم كُنت أفكر في الفارق الذي جعلهم يخرجون أفلاماً عظيمة مثل "يوم مر ويوم حلو" أو "أحلام هند وكاميليا" وجعلت مخرجاً مثل خالد الحَجر يخرج فيلماً كـ"الشوق" ، رغم أن تصنيفهم واحد كأفلام تدور حول حياة المُهمّشين والفقراء ، ومع فوارق كثيرة – لصالح خان وخيري قطعاً - في التقنية...اقرأ المزيد والصنعة وفهم السينما .. فوارق في الإيقاع والبناء والتفاصيل ، وجدتُ أن الفارق الأكبر هو أنهم كانوا يدركون فعلاً عن ماذا يتحدثون .. يخرجون أفلاماً عما يعرفونه ، ممتلئة بالحياة رغم قسوتها .. لا تطرد الأحلام مهما ابتعدت ، أفلاماً (جميلة) مهما كان حجم القبح الذي تتحدث عنه ، والمشكلة الأساسية في فيلم خالد الحجر – مع كل مساوؤه السينمائية – أنه فيلم (قبيح) يفتقر لأيّ جمال . -انتَ بتدافع ؟ -لأ باهجم -انتَ بتألف ؟ -وبترجم -انتَ سادي ؟ -ساعات أنا بارجم الهوا وأشعر باللذة ! خالد الحجر يتعمّد أن يغلق منافذ الأمل في كل مراحل فيلمه ، ليصبح فيلماً ضد الحياة ، ملئ منذ لحظته الأولى بالصريخ والبكاء والعويل والكراهية ، يبدأ فيلمه بتمهيد جيّد لأهل الحارة في الإسكندرية التي ستقع فيها الأحداث ، ولكنه ينجرف تماماً بعد ذلك مع سيناريو سيد رجب في خيوط شديدة الميلودرامية ، تجاوزها الزمن فعلاً ، عن الابن الذي يحتاج لعملية غسيل لكليته تتكلف "300 جنية" في الجلسات المتكررة أسبوعياً ، ولا تستطيع أسرته الفقيرة قضاء ذلك ، فتسافر الأم إلى القاهرة لتشحت ! وتعود بثمن الغسلة فتجده ميتاً !! فتقرر العودة للشحاتة من جديد لتكوين الكثير من النقود كي تحمي ابنتيها من الفقر الذي أخذ منها الابن الأصغر وخلال هذا الوقت تنحرف البنتين على مرأى من أهل الحارة !!! ، هل هذه فعلاً قصة فيلم في 2010 وليس 1950 ؟! المشكلة الأخرى أن الفيلم مرتبك أصلاً في تكوينه الفكري وما يُريد قوله ، يطرحه مخرجه باعتباره مناقشاً لقضية الكبت الجنسي .. وهي القضية التي ظهرت على الشاشة بعد ساعة وخمسون دقيقة من الأحداث – أو بالأحرى اللاَّ أحداث- !! ، يعوّل مخرجه الكبت على الفقر .. ولكن أزمة الفقر تُحَلّ بنقود الأم وعندها يبدأ الانحراف ، إذن المشكلة في القهر الذي يمكن أن يحدث في أي طبقة وليس للفقراء فقط ، ولأن كل المفاهيم لدى خالد الحجر متداخلة ، ولأنه لا يعرف "عالم الحارة" الذي يتحدث عنه – وهو المخرج المثقف الذي أحضر تمويل الفيلم من فرنسا بفضل علاقاته الكثيرة هناك – فإنه يتهته عبر كل مرحلة في الفيلم ولا يريد منها سوى أن تصل بشخصياته إلى مرحلة أكثر سوءً من التي سبقتها ، وكأن هناك لذة في إيذاء الشخصيات والمشاهد طوال الأحداث . باكره اللي يرقص وسطه واللي مابيعرفش أرسطو مش مفيد الناس ينبسطوا ! المفيد الناس تتأذّى! الفيلم كذلك "سيء" سينمائياً ، أطول كثيراً مما يجب ، ساعتين وثُلث نصفهم مثلاً مجرّد مشاهد لـسوسن بدر في شوارع القاهرة تقوم بالشحاتة ، أو تجلس لتُعَدّد أمام ابنها المريض ، أو تضرب بناتها وسط صرخاتهن ، أو تخبط رأسها في الحيط وهي تردد بإيقاع هيستيري "هتموتوها يا ولاد الكلب" في مشاهد مزعجة للمُشاهد بسبب قبحها ، لا يوجد مونتاج في الفيلم لأنه بالأصل لا يوجد إيقاع .. أو بشكل آخر "الفيلم ممل" لأن نصف أحداثه يمكن أن تحذف بسبب التكرار ، ولكن المونتيرة منار حسني لم تأتِ ! ، المشاكل نفسها موجودة بصرياً .. المصور (العالمي !!) نستور كالفو لا يستطيع إضاءة المشهد بشكل جيّد ! ، هناك ضعف واضح في المشاهد الخارجي في الفيلم ، مشاهد كثيرة يبدأها "آوت أوف فوكس" دون أي مبرر أو علاقة بدراما الفيلم . في النقاط القليلة المضيئة ، هناك ديكور مميز من "هند حيدر" حاولت من خلاله أن تخلق عالماً للحارة ونجحت إلى حدًّ بعيد ، هناك أداءات ممتازة من الجميع ، ربما هي الفرصة الأولى لسوسن بدر لكي تظهر إمكانياتها التمثيلية إلى هذا الحد رغم بعض الافتعال الذي شاب أداءها في لحظاتٍ قليلة ، في مقابل أداءات متوازنة جداً من روبي وأحمد عزمي وكوكي ومحمد رمضان والمؤلف سيد رجب الذي مثّل دور الأب أفضل كثيراً مما كتب الفيلم نفسه ! ، هناك أيضاً بضع لحظات جيّدة تهرب من سياق القبح لتظل غير مُكتملة .. كذلك المشهد الذي تقوم فيه "عواطف" بَغسل أختها "شوق" ولومها على محاولة الإنتحار .. أو الآخر الذي يذهبان فيه للأب لتخبراه أن حسين سيخطب شوق .. أو مشاهد شوق وحبيبها حسين والكيميا بينهم ، وكلها مشاهد استطاعت فيها روبي – ذات الملامح المصرية جداً – أن تمنحها صدقاً واضحاً . بنهاية الفيلم على شاطئ الإسكندرية في مشهد يجمع بين الشقيقتين "شوق وعواطف" ، تذكرت سريعاً مشهد مشابه على شاطئ الإسكندرية أيضاً يجمع بين "هند وكاميليا" في نهاية رائعة محمد خان ، كم كان الأخير منحازاً للأمل والحياة رغم كل شيء ، وكيف أغلق الخجر كل سبل الحياة أمام شخصياته ليصل بهم للانحراف ، انحزت لأحلام خان بالكامل .. فكرياً وعاطفياً وسينمائياً .. ووجدت نفسي أتذكر بيت من قصيدة عظيمة لفؤاد حداد أردده أمام الحجر وفيلمه: "حالة شاذة .. حالة شاذة ، صورة مهتزة مهتزة" ! - المقاطع الشعرية في المقال من قصيدة "حالة شاذة" لـ"فؤاد حداد"


"الشوق".. تحيا السينما الواقعية رغم سوداوية الأحداث

كتب: سلامة عبد الحميد منذ المشهد الأول لفيلم "الشوق" للمخرج خالد الحجر تشعر باليأس بسبب حالة من السوداوية الواضحة في طرح قضايا لاشك في أنها سوداء بالفعل حتى أن الفيلم ينتهي دون بارقة أمل واحدة في امكانية تغير الواقع إلى الأفضل. رغم تلك الحالة المظلمة للواقع المطروح بخشونة تناسب أسلوب حياة الشخصيات في الفيلم إلا أنه قدم ما يمكن أن نعتبره إعادة طرح للسينما الواقعية في سوق الإنتاج المصري والتي تلاشت تقريبا أمام طوفان السينما التافهة تحت دعوى أنها اعمال تجارية و"الجمهور عاوز كده"، اللهم إلا من قلة...اقرأ المزيد محدودة من الأفلام بينها فيلمي خالد يوسف "حين ميسرة" و"دكان شحاتة" وفيلم مجدي أحمد علي "عصافير النيل". يستحق فيلم "الشوق" أن يمثل مصر في مهرجان القاهرة السينمائي وربما كان التمثيل المشرف الأبرز منذ سنوات لسينما عمرها تجاوز المائة عام وسط حالة من استجداء المنتجين سنويا لمنح المهرجان الكبير فيلما حتى لا تظهر مسابقته الرسمية بدون فيلم للبلد المضيف. في "الشوق" الذي تمتد أحداثه على مدار 130 دقيقة تم تصوير معظمها في منطقة "اللبان" الشعبية في الأسكندرية، تدور الأحداث حول عائلة مكونة من أب وأم وفتاتان وطفل يعيشون في حارة فقيرة ليكشف الكثير من مساوئ الفقر الذي يؤدي إلى تدمير الأسرة بالكامل بدءا من موت الطفل بسبب عدم القدرة على علاجه ثم تحول الأم إلى متسولة قبل أن تتحول الفتاتان إلى عاهرتين. ويقدم الفيلم صورة بانورامية لمجموعة من العائلات الفقيرة في الحارة الشعبية التي يتسبب الفقر أيضا في تفتتها جميعا بينما تعد العائلة الرئيسية نموذجا للمصير المظلم الذي يواجهه الملايين من المصريين في ظل عدم تطبيق أنظمة إجتماعية بينها التأمين الصحي ودعم البطالة والتعليم الإلزامي. لا يعمد الفيلم أبدا إلى الحديث في السياسة حتى أنه لا تظهر فيه ولو مرة واحدة شخصية ضابط شرطة أو رجل أعمال ثري، لكن لا يمكن أبدا تجاهل الدور السياسي في تفشي الفقر في المجتمع الذي يعاني تجاهلا حكوميا واضحا في الفيلم بدءا من تدني الأجور وانعدام فرص العمل والخدمات الصحية الرديئة التي تتسبب في وفاة البشر وغيرها من القضايا التي يغرق الفيلم في طرحها من خلال أحداث يغلب على تصويرها المشاهد الخارجية والأماكن المظلمة التي يظهر فيها مدى الفقر الذي يعيشه الملايين في مصر. ربما تكره الفيلم كثيرا بسبب الحالة النفسية التي يتسبب لك فيها والتي تسببت في حالة من الكأبة العامة التي غطت وجوه كل من شاهدوه في عرضه الأول، لكنك لا تملك إلا أن تصفق لصناعه الذين قدموا حالة سينمائية متميزة لقضايا شديدة الخصوصية تعتمد بالأساس على طبيعة البشر المتطلعة للأفضل في ظل ظروف حياتية لا تدعم تلك التطلعات. خالد الحجر مفاجأة الفيلم الأولى، فهو مخرج اعتاد تقديم أعمال خفيفة تضم الاستعراض والكوميديا في اطار اجتماعي لا يخلو من المشاعر الرومانسية مثلما كان الحال في "حب البنات" و"قبلات مسروقة" وحتى في "مفيش غير كده"، لكنه في "الشوق" يقدم فيلما مختلفا تماما عن كل ما قدمه سابقا في اطار استعراض قدراته كمخرج محترف قادر على تقديم كل الألوان، وإن كان الفيلم شهد بعضا من الرتابة في بعض الأوقات لكنها كانت رتابة محتملة تليق بموضوع "ثقيل الظل" يحتاج مشاهدا صبورا. سوسن بدر تثبت مجددا أنها فنانة الأدوار الصعبة وتتحدى نفسها في شخصية "أم شوق" تلك السيدة المتسلطة التي تملك كل مفاتيح تحريك شخصيات الحارة من خلال ذكاءها الواضح وقدرتها على الإقناع الذي تستغل فيه خبرتها في قراءة الفنجان ومعرفة الجميع بأنها "ملبوسة بعفريت"، وربما كانت مشاهد قراءة الفنجان وتلبس العفريت بها من أفضل المشاهد في الفيلم على الإطلاق. روبي لم تكن الشخصية المحورية في الفيلم رغم أن الجميع توقع لها هذا بعد دورها المتميز في فيلمها السابق "الوعد" وربما كان بناء شخصية "شوق" التي قدمتها أضعف كثيرا من المتوقع، خاصة لو تمت مقارنتها بشخصية شقيقتها في الفيلم "عواطف" التي قدمتها شقيقتها في الواقع "ميريهان" والتي كانت أكثر قوة وإجادة في دورها رغم أنها تقدم تجربتها الأولى في عالم التمثيل. أحمد عزمي ومحمد رمضان قدما شخصيات مشابهة لما قدماه سابقا ولم يتح لهما الفيلم استعراض قدراتهما التمثيلية، وإن كان بدا واضحا ترهل بنية الأول وضرورة مراعاته لبنيانه الجسمي، وتمرس الثاني في الظهور أمام الكاميرا بشكل أفضل مما كان عليه في أدوار سابقة.