أراء حرة: فيلم - ٦٧٨ (ستة - سبعة - ثمانية) - 2010


678 ...... 9 من 10

جاءت الحقيقة للناس عارية، فأصابت الناس بصدمة، ولما كانت أخلاق مجتمعاتنا وتقاليدها تمقت العري، فإن الناس صاروا يمقتون النظر إليها، ويتحاشونها، وهذا هو تماماً ما أصاب مشاهدي فيلم 678 الذين صدمتهم حقيقة ما يحدث في شوارع القاهرة ووسائل مواصلاتها فخجل البعض منها وخجل البعض من نفسه، وامتعض البعض لنصرة ذكوريته المهدرة، وان تعاطف البعض الأخر - والأكثر - مع قضية شائكة إحتواها الصمت طويلاً، ولكن في النهاية قدم الفيلم صرخة لتحطيم هذا الصمت وطرح القضية للمناقشة. فيلم 678 فيلم راقي جداً على المستوى الفني،...اقرأ المزيد يؤكد أن السينما المصرية تجتاز بالفعل لحظات مخاض، ستعود بعدها على يدي صناع السينما الشباب إلى سينما حقيقية تتفاعل مع المتفرج وتشعر به وتعبر عنه، وتضحكه أحياناً لكنها أبداً لن تضحك عليه. قدم فيه محمد دياب تجربته الإخراجية الأولى وتألق فيها متخلياً عن أخطاء التجارب الأولى محتفظاً فقط ببرائتها، تشعر بوجوده في كل المشاهد من خلال التناغم الرائع في إيقاع الفيلم وأحداثه، في سيطرته على أداء الممثلين ليقدم كلاً منهم دوراً سيبقى علامة في تاريخه السينمائي، وإن عابه قليلاً الإعتماد على إكليشيهات سينمائية متكررة - بفعل براءة التجربة الأولى - مثل مشهد سقوط الوردة بين الزوجين وإنصراف كلا منهما في طريق عكس الآخر. تغلب كذلك دياب مخرجاً على دياب السيناريست رغم خبرة الثاني الأعرض، حين نجح في تقديم مشاهد الفلاش باك المكتوبة دون أن يتباطىء الإيقاع أو يصيب المشاهد بالحيرة، خاصة أنها تمت من خلال سيناريو يعالج قضية واحدة دون التطرق إلى أعماق أخرى للشخصيات الرئيسية للفيلم والتي تتداول المشكلة، وأكتفى بإختزال حياتهم في قضية التحرش فقط دون غيرها - متناسياً وجود وسائل أخرى غير الاوتوبيس والتاكسي في مصر - ، مما أصاب الفيلم ببعض المباشرة التي أنقذها عنايته الفائقة بتفاصيل شخصية صغيرة لكل شخصية رئيسية في الفيلم عوضت التناول السطحي لها. ماجد الكدواني يقدم دوراً هو الأروع في تاريخه من خلال أداء عبقري، ليستحق وعن جدارة جائزة مهرجان دبي السينمائي، ويقدم شخصية ضابط المباحث في إطار جديد تماماً لم تقدمه السينما من قبل. أما بشرى - تلك الموهبة الجديدة التي إكتشفها محمد دياب - فلقد ابهرتني على المستوى الشخصي، ونجحت في التعامل مع شخصية صعبة وقدمتها في تلقائية وسلاسة إستحقت عليها جائزتها الأولى. وتبقى ناهد السباعي وخطيبها في الفيلم عمر السعيد مفاجأة الفيلم من خلال مساحة تمثيل لم يحصل كلاهما عليها من قبل، ثم أضاف إليهما وقوفهما أمام فنانة في حجم سوسن بدر أدت عدداً من المشاهد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة ولكنها تركت أثراً لا ينتهي في الفيلم، كذلك الفنانة الشابة مروة مهران - زوجة ضابط المباحث - والتي قدمت دورا لا يتعدى 3 مشاهد ولكنه أحد أهم الأدور في الفيلم. أما نيللي كريم وأحمد الفيشاوي وباسم سمرة فلم يقدموا جديداً. 678 فيلماً صنع ليبقى، قد يبدو صادماً، قد يثير الضحك حتى البكاء، قد تهاجمه، قد تنحاز له، لكنه سيبقى فيلماً سينمائيا ذا قيمة عالية تكفل له تسجيل إسمه في شهاة ميلاد جديدة للسينما المصرية.



حينما ينطق الفن!

عمد فيلم 678 أسلوب طرح قضية شائكة بتشكيل كتلة مناهضة من ثلاثة بنات متفاوتين في مستوى الطبقات الاجتماعية المصرية، ليخدم التقديم المنفعة العامة للمرأة عن قضية " ظاهرة التحرش"، من خلال رصد ثلاثة حالات يتعرضن للتحرش بطرق مختلفة، مع دمج تأييد الجنس الأخر الذي يشكل في مجتمعاتنا العربية دعامة حقيقة لطرح اي قضية نسوية. نصاً قضية الفيلم بينة ومرتكز على "ظاهرة التحرش"، وحينما تتابع الفعل المبني للقضية التي تناولها الفيلم كأساس لفعل "التحرش"، ترى ضعف في تقديم هذه الصورة الأساسية فهي لم تجسد المشهد الذي...اقرأ المزيد كان ينبغي ضخة من قوة تأثير على المشاهد، فكان طرح المشهد صورة باردة وسريعة كأي مشهد عادي يمر من مشاهد الفيلم، حيث لم يتم التعامل معه كقضية جوهرية تتطلب قفزة واستثارة للمشاهد، لكي يأتيك رد الفعل الطبيعي في التجاوب النفسي في مخيلة المتلقي. الإضافة الحقيقة كانت في مد مفهوم ونوع مختلف من أنواع التحرش، ولهو لفتة دقيقة بإن التحرش لا يعني شطرة الجنسي، كما الذي جرى لـ "نيللي"، حينما كانت تمر الشارع متجهة نحو البيت وإذ بشخص يمد يده من السيارة ويسحبها من يدها لمسافة في الشارع، فهذا السلوك ضُم داخل اطار التحرش، وعليه رفعت قضية التحرش، وليس على الحالتين الجنسية لدى "فايزة" و"صبا" من باقي التشكيلة. وقفة صحية؟ في الواقع أن قضية التحرش هي قضية يعاني منها المجتمع المصري بشكل كبير، بل كل المجتمعات وحتى التي يخلوا منها الإزدحام إذا ما اعتبرناه عامل وسبب اساسي في عملية الإحتكاك الغير مرغوب، فالتحرش ليس مقتصر على مجتمع دون سواه، بقدر ما أن لهذا المجتمع (المصري) لديه مساحة في التعبير الصريح والواضح عن قضاياه، ولو إن عتبي على كل هذا التأخير في الطرح!. فهنا عادت ونطقت السينما ومارست دور الفن في خدمة قضايا المجتمع والتي تدفع بالتوعية لأهمية القضية وطرحها ومناصرتها. اليوم هناك دافع لكل فتاة وسيدة في اي بلد في العالم في اخذ موقف حقيقي وحازم لهذه الظاهرة. ولكن السؤال هل أن "فايزة" وهي صاحبة العقلية التقليدية في تشكيلة البنات الثلاث تصرفت بشكل صحيح باستخدامها لوغز الإبرة والمشرط، لردع تلك الايدي القذرة التي طالتها وهي مضطرة للتنقل يوميا في الباصات (حافلات النقل العام). هل يعتبر حلا؟! يبقى هناك إيمان لدينا أن معالجة اي قضية لا يأتي بالعنف، بل بالتأديب واخص حينما تندفع امرأة، لها مالها من الاحترام لطبيعتها الأنثوية في التعامل فمن المجحف في حقها أن نجرها إلى حلول فردية وعدائية، إذن هنا دور السينما انتهى وبقي أن تستلم العهدة التجمعات النسائية الثقافية والإجتماعية بالدرجة الاولى وفي وقفة صحية لدراسة مستفيضة لمعالجة هذه القضية باسلوب حضاري ورادع، وخصوصا انها اخذة في الانتشار تحت وطأة الخجل والعار، وهذا الواجب الإجتماعي بدأت به "صبا" الفتاة المثقفة والثرية التي قامت بعد فعل التحرش بورش تناقش فيها القضية في تجمع نسائي حر، فهل هنالك من نساء ستقوم على أرض الواقع بعدها؟ نستطيع أن نقول أن هذا الفيلم يعتبر من أفلام العودة الحقيقة، حيث عانت السينما المصرية في السنوات الأخيرة من هبوط الهاوية في مستنقع الطرح والفكر والإخراج. 4/1/2011


ابداع

لم يحالفنى الحظ كعادته فى كثير من الافلام الهامة فى ان اشاهد 678 فى وقت عرضه فى دور العرض. الا اننى اخيرا شاهدته حينما اطلقت شركة التوزيع نسخة الدى فى دى الخاصة به .و بينما لا اهتم كثيرا بكتابة رؤيتى البسيطة عن اى عمل سينمائى فى غير توقيت عرضه فى السينمات عملا بمبدأ "بعد العيد مابيتفتش لكحك" انما مع 678 وجدت نفسى و بعد بداية الفيلم بخمس دقائق فقط اعيده من بدايته لأدوّن اسماء صناعهم لأذكرهم بالاسم . الفيلم اعاد لى حالة من الاستمتاع و التوحد مع الحدوتة فقدتها لفترة طويلة ..ذلك الطابع الكلاسيكى...اقرأ المزيد هادىء الرتم بلا تباطوء او كآبة استحوذ على مشاعرى وانا اتابع العمل باهتمام لم ارانى امارسه لفترة طويلة. قد يقترن الفيلم فى اذهان بعض ممن لم يروه باعلانه الذى حمل تيمة ساخنة و كئيبة فى نفس الوقت و جعل البعض يشعرون انه فيلم ثقيل الظل و المضمون و هو كذلك فقط بالنسبة للمضمون القوى و القضية المسكوت عنها رغم وجودها بقوة . ابدأ بالبداية ..ابتسمت فورا حينما بدأ الفيلم بأسماء صانعيه على خلفية موسيقى ناعمة للمبدع هانى عادل و يدين تصنعان اشكالا من اسلاك النحاس فى صورة رمزية لرجل وامرة يتعانقان و هما يرقصان و هما معلقان فى الهواء! البسمه اتت عندما تذكرت رؤيتى لنفس الشكل من صنع ايدى محمد دياب كاتب و مخرج الفيلم فى صور على حسابه الشخصى .بمجرد ما رايت التتر شعرت ان محمد دياب وضع فى هذا العمل الكثير..من روحه..هى روحه لا شك ! يحكى الفيلم عن ثلاث فتيات من طبقات مختلفة ثرية متوسطة و معدمة .خلفيات مختلفة ..حالات اجتماعية مختلفة ..مطلقة انسة مخطوبة و متزوجة ..كل منها رسمت بحرفية و مفردات خاصة و تفاصيل مميزة و ملابس و ديكورات منتقاة بعناية فائقة ..و لا عجب ان اسم الفيلم 678 الغير رامز فقط لاوتوبيس هيئة النقل سيىء السمعة فى الفيلم .و كان الجامع الوحيد لهذه الشخصيات الثلاث متباينة البيئات هى تعرضهن جميعا للتحرش بأشكال و مواقف و ردود افعال مختلفة بطبيعة الحال ..و كان هذا هو المحرك الاساسر لاحداث الفيلم و فكرته الرئيسة . روى دياب قصته بسلاسة شديدة و عفوية واضحة و نضح اثقلته كثيرا نيللى كريم بالذات حيث فاجاتنى شخصيا انها تمثل من منطلق التمثيل وليس من منطلق الباليه و الهواية!كانت متقنة ..هادئة و مقنعة . لم يقحم السيناريست و المخرج اى مشاهد فجة رغم فجاجة الواقع .ولم نسمع الفاظا خادشة او مسيئة رغم اننا نسمعها فى الحقيقة ..لم يجرحنى سيناريو دياب شخصيا باى شكل رغم حساسية الوضوع و عمق الطرح. ديكور جاليرى و منزل صِـبا(نيللى كريم)ارستقراطى للغاية و فى الكثير من المقدمات الكلامية عن خلفية الشخصية و نشأتها وظروف معيشتها ..ملابسها كثيرة الطبقات خاصة بعد حادثة التحرش توحى لك على الفور كم هى حريصة على الاختباء !خوفا او اتقاءا للشرور ..ولهذا "مابتلبسش نحاس" من ذلك الذى تصنعه بيديها "علشان ماحدش من الكلاب يبصلها". كذلك ملابس فايزة(بشرى) فى دور جديد تماما ظهرت فى كامل ملابسه بلا مكياج على الاطلاق ..واعنى هذا فهى لم تعتمد مكياج بسيط او مكياج بلا الوان يطلق عليه " نيود"بل ظهرت بوجهها عار تماما من المساحيق الا من بعض المكياج السينمائى لاضافة هالات الفقر و القلق حول عينيها الغائرتين . قصة الفيلم هى ليست تماما قصة بل هى خبرة حياتية مؤلمة وقعت فى براثنها الكثير من المصرياتو رغم اعتقادى الشخصى بان الامر ليس بهذه الكثافة الفظيعة -و ان كان السوء موجودا و البشاعة موجودة –الا اننى غالبا ما اشاهد الافلام بحيدة عن مدى التصاقه وموضوعه بالواقع على الارض. السيناريو محكد للغاية ..بل مذهل ..فقد خـُطـِفت انفاسى اكثر من مرة حينما ربط محمد دياب بحرفية مطلقة الاحداث و الشخصيات التى تبدو على المستوى المسطح بعيدة تماما عن بعضها البعض . ملابس ملك ذو الفقار كانت واقعية و معبرة و مبدعة ..كل شخصية أُلبِست ما يمكن ان يحكى الكثير عنها بلا كلام .خاصة فايزة التى لم تغير حجابها ولا حقيبة يدها طوال الفيلم و الذان لا علاقة لالوانهما ببعضهما ولا بما ارتدته معهما فى تركيز على رقة حالها و عدم تمتعها برفاهية الاختيار .موسيقى هانى عادل كما ذكرت هى ممثل مشارك فى العمل بقوة كعادته.و من مفاجاءات الفيلم عمر السعيد الوجه الصاعد الذى كسر قتامة الصورة و جعلنى ابتسم فى كل مشهد يظهر فيه . اقترب دياب منى شخصيا للغاية كمشاهدة سيدة باختياره لمواقع تصويره و التى عاونه فر رسم تفاصيلها المميزة مهندس الديكور . فقد اتسعت دائرة المكان من مجرد اوتوبيس هيئة النقل العام لتصل لاكثر من مستوى الاستاد..الشارع..جاليرىصبافى احد مناطق القاهرة التاريخية..مكتب توثيق الشهرالعقارى ..و ساقية الصاوى . اثرى تنوع الصورة العمل بشدة و جعل كل مشاهد يجد تلميسة ما من هذه الاماكن داخله. و فى النهاية نقطتين على جنب ماجد الكدوانى: بسيط و راقى و مبهج و أخاذ كالعادة . مشهد المواجهة بين الفتيات الثلاث : اختير مكانه برمزيه عبقرية ..فى الكواليس ..غير انه كشف كثيرا ما يدور فى المشهد الرئيسى !


بداية مقبولة لمخرج جيد وأداء استثنائي لممثل عظيم

أردتُ بدء المقال من نقطة تُتِيحُ لي - قبل كُل شيء - التأكيد على أن ماجد الكِدواني مُمثّل عظيم ، ووجدتُ الأفضل أن أنتهِي منها قبل أن أبدأ : ماجد الكِدواني مُمثّل عظيم . نقطة ومن أوّل السّطر . العمل الأول للكاتب محمد دياب كمخرج ، يُظْهِر مُنذ اللحظة الأولى مُحاولته للوفاق بين شيئين ، الأول هو تقديم فَن مُوَجّه لنقد المُجتمع وعِلاج قَضيّة من خلال السينما ، والثاني هو الحفاظ على القيمة الفنية لفيلمه الذي يُظْهِر فيه تأثراً واضحاً - منذ اللحظة الأولى - بالمُخرج المكسيكي أليخاندرو جونزاليس إيناريتو...اقرأ المزيد والكاتب/المخرج الأمريكي بول هاجيس ، وتظهر مشاكل "678" واضحة حين تطغى النقطة الأولى تماماً على الثانية في بعض الأحيان ، وإن بقى في النهاية مُحتفظاً بعالم مُغلَق ذُو إيقاع داخلي مُتماسك بما يكفي لاعتباره فيلماً جيداً رغم كُل عيوبه . يَعرِض الفيلم ثلاث قِصص لنساء من طبقات إجتماعية مُختلفة تدور كلها حول التحرّش ، فايزة (بشرى) من طبقة اجتماعية تحت المتوسّطة ، تعمل موظفة بالشهر العقاري وتتعرّض للتحرّش في الأتوبيس بشكل يومي ، مما يؤدي لمشاكل نفسية عنيفة تؤثر على تواصلها الجنسي مع زوجها (باسم سمرة) نتيجة لشعورها بالمهانة اليومية وعدم الأمان ، صبا (نيللي كريم) من طبقة راقية ، تَحضر أحد مباريات المُنتخب المصري بصُحبة زوجها (أحمد الفيشاوي) وتتعرض للتحرّش أمام عينيه ، وهو ما ينتج عنه تدهور العلاقة بينهم بسبب ابتعاده عنها بعد الحادثة لدرجة فقدها لحملها ، البنت الثالثة هي "نيللي رشدي" (ناهد السباعي) وهي القصة الحقيقية لنهى رشدي صاحبة القضية الشهيرة كأول فتاة مصرية تحصل على حكم في قضية تحرُّش جنسي ، ويتناول الفيلم الضغوط الإجتماعيّة التي تَعَرَّضت لها من أجلِ التنازل عن القضية . تقول القاعدة الفيزيائية الأبسط أن الضّغط يولّد - بالضرورة - الانفجار ، وهو ما يُحْدُث عند هُروب المُجتمع من مواجهة قضيّة كالتحرّش ، يَعتمد الأفراد على العنف لحماية أنفسهم ، يتحقّق ذلك حين تَطْعَن "فايزة" مُتَحَرَشاً بها في عُضوه الذكري ، ثم تكرر الفعلة مرة ثانية وثالثة ، بشعور يتزايد بالانتقام ، مما يؤدّي لتدخُّل الدولة في محاولة لحفظ الأمن (!!) عن طريق الظابط عصام (ماجد الكدواني) ، ﻷن أعضاء المُتَحَرش التناسليّة أهم عندَ الدولة ربما من كَرامة هؤلاء السيّدات ، قبل أن يصل الفيلم إلى نقطة مُضِيئة حين تستمر نيللي/نُهى في قضيتها ، وتحصل على الحُكم القضائي الأول ضد التحرّش وصمت المُجتمع . دياب يبدأ وينتهي عند نُقطة التحرُّش ، ورغم امتلاكه لساعتين إلا ثُلث يتناول فيهم قصّته ففي أحيانٍ كثيرة يتعرض للقضية والشخصيات من على السطح ، خصوصاً في مُحاولة رَبط كُل مشاكل المجتمع بالتحرّش رغم أنه نتيجة بأكثر كثيراً مما هو سبب ، ولكنه لا يتناول الأسباب أو يحلّلها بقدر ما يصل للنتائج الأبسط ، ويُبالغ أحياناً في تناول الأمر ليُزِيد من أثر قضيّة كبيرة في ذاتها ولا تحتاج للمبالغة ، أزعجني كثيراً مثلاً مشهد يعجز فيه الأب عن دفع مصاريف مدرسة أبناءه التجريبية فيخبر الأم أن ركوبها للتاكسي عوضاً عن الأتوبيس الذي تتعرض فيه للتحرّش هو السبب، الرّبط ساذج ولا علاقة له بواقع تِلكَ الطبقة ، كذلك تعرُّضه لعائلة نِيللي التي ترفض قضيّتها رغم أن القصة الحقيقية كان الأهل فيها داعماً رئيسياً لابنتهم ، أو نظر سائق التاكسي في المرأة لـ"فايزة" بشهوانية عند ركوبها معه، وغيرها من مُبالغات (كادت) أن تَخْنُق الفيلم ، خصوصاً مع حِوار هو أسوأ ما في العمل ، يَنْتَهِج المُبَاشرة والتوجيه على مدار الأحداث ، وتبدو فيه الشخصيات أحياناً جزءً من برنامج أو حملة توعيّة بأكثر من كونها شخصيات طبيعيّة . ورغم ذلك فهو فيلم مقبول جداً ، ﻷن طموح دياب الفني يَسْنِد أفكاره أحياناً ، بدءً من اتخاذ أحد المَشاهد كنقطة مركزية تتلاقى عندها الأحداث - تأثراً بالفيلم المكسيكي Amores perros لإيناريتو - ، ليخلق من خلال ذلك عالماً مُغلقاً حول قضيّته تبدو فيه المدينة أصغر كثيراً من حقيقتها - تأثراً بـ Crash لبول هاجيس - مما يسمح لشخصياته بالتلاقي دون افتعال ، خصوصاً مع امتلاكه سيناريو مُتماسك بعيداً عن لحظات "الزّعيق" فيه ، وينجح - كمخرج - في الإضافة إليه حين يَخْلِق إيقاع مُميّز يجعله مُمتعاً في مُُشاهدته رغم قتامته ، وهو كذلك فيلم جيد ﻷن دياب امتلك مُمثلاً كماجد الكدواني واستطاع أن يُدِيره إلى أفضل أداء في مسيرته . ماجد الكدواني يُحرّر الفيلم من سِكُونه ويعطيه روحاً مُختلفة منذ لحظة ظهوره الأولى ، يُمسك بكل مُفردات الشخصية الخارجية والداخليّة ، ويبدو واضحاً محاولته لتجاوز التناقض بين مسئوليته وبين تعاطفه مع الفتيات ، لا أذكر أنني شاهدت منذ فترة طويلة في السينما المصرية أداءً يحمل كل تلك التلقائية والسلاسَة ، ولا أذكر ممثلاً التقط "تون" شخصيته وحافظ على الخط الفاصل والدقيق جداً بين الدراما/الكوميديا فيها بقدر أداء الكدواني في هذا الفيلم ، دور عظيم وأداء هو الأفضل لممثل مصري في 2010 . إلى جانب ذلك ، هناك أداء ممتاز وناضج جداً من "بشرى" ، جيد ومُقنِع من ناهد السباعي ، مُفتعل من نيللي كريم ، مُبالغ فيه من باسم سمرة ، ولا يتجاوز العادية لأعلى أو ﻷسفل من أحمد الفيشاوي . تماماً كأغلب التجارب الأولى ، يحاول دياب أن يقول كل شيء من خلال فيلمه ، ليبدو مُرتبكاً أحياناً ومباشر جداً في أحيانٍ أخرى ، ورغم ذلك فهو عمل يُبَشّر جداً بمخرج جيد ، سيحمل في القادم أفضل مما حمله في فيلمه الأول .