إذا تحدثنا عن سينما المرأة، فلا يمكن أن نغفل سينما المخرجة إيناس الدغيدي، التي شكلت علامة فارقة في تسليط الضوء على قضايا النساء من خلال عدستها الفنية الجريئة والواعية. فرغم أن رصيدها من الأفلام ليس كبيرًا مقارنة ببعض المخرجات الأخريات، فإن أعمالها تميزت بوضوح الرؤية، واهتمام بالغ بتجسيد معاناة المرأة، وطرح أسئلتها الجوهرية في مجتمع محافظ ومليء بالتناقضات. يُعد فيلم "التحدي" (بطولة النجمة نبيلة عبيد) أحد أبرز هذه المحطات، حيث تناول الفيلم شخصية هدى، التي تقدم على قتل زوجها بعد أن خانها، وتحكم...اقرأ المزيد عليها المحكمة بالسجن. يتولى المحامي أحمد (فاروق الفيشاوي) الدفاع عنها، محاولًا إثبات براءتها وفهم الدوافع النفسية والاجتماعية التي أدت بها إلى تلك الجريمة. في موازاة ذلك، يتولى عبد القوي (فريد شوقي)، والد القتيل وجد الطفل، حضانة الحفيد، ويزرع فيه الكراهية تجاه أمه، مستغلًا سلطته وثروته ونفوذه في حرمان هدى من ابنها، والانتقام منها باسم العدالة والرجولة المجروحة. تتصاعد الأحداث حين يُفرج عن هدى، وتبدأ محاولاتها لاستعادة حضانة طفلها، متشابكة مع مشاعر حب ناشئة تجاه المحامي. يعرض الفيلم معاناة المرأة حين تقف بين أنوثتها كأنثى وأمومتها كأم، في مجتمع لا يرحم، ويضعها أمام خيارات قاسية. ورغم أن القانون المصري حسم مسألة الحضانة في حال زواج الأم بانتقال الطفل إلى الجد، فإن ذلك لا يلغي الشعور بالظلم من وجهة نظر إنسانية ووجدانية، لا سيما حين تكون الأم صادقة في مشاعرها وفي احتضانها لطفلها. أثبتت نبيلة عبيد في هذا الفيلم قدرتها الكبيرة على تجسيد شخصية الأم الممزقة بين قلبها وعقلها، بين ما ترغب فيه وما يُفرض عليها. أداؤها اتسم بالصدق والتوازن، وقدمت مشاهدها بحس إنساني عالٍ. كذلك تألق فريد شوقي في دور الجد المتسلط، حيث أجاد استخدام تعبيراته وانفعالاته لتوصيل مشاعر القسوة والانغلاق التي سيطرت على شخصيته. لم يكن "التحدي" الفيلم الوحيد الذي ناقشت فيه إيناس الدغيدي قضايا النساء، فقد سبقه أو تلاه أفلام أخرى مثل "عفوًا أيها القانون"، الذي فتح باب النقاش حول المساواة بين الرجل والمرأة في قضايا الزنا، وكشف عن فجوة قانونية واجتماعية لا تزال مثار جدل حتى اليوم. إجمالًا، تؤكد سينما إيناس الدغيدي أن المرأة ليست فقط موضوعًا دراميًا، بل كائن إنساني يستحق أن يُصغى إليه، وأن تُطرح معاناته بصدق دون تجميل أو مواربة. وقد نجحت في نقل هذه القضايا من الظل إلى الشاشة، لتُثير نقاشًا واسعًا لا يتوقف عند حدود الفيلم، بل يتجاوزها إلى الواقع.