أراء حرة: فيلم - Tea with Mussolini - 1999


عن إيطاليا التائهة و الإمبراطور الطفل .. الهوس بالسلطة في مقابل كل شئ

عن إيطاليا التائهة و الإمبراطور الطفل .. الهوس بالسلطة في مقابل كل شئ منذ فترة ليست بالبعيدة - ولا بالقريبة - اقترحت علي إحدى الصديقات مشاهدة فيلم Tea with Mussolini تكاسلت، تاه الفيلم وسط عشرات الأفلام المنتظر مشاهدتها، إلى أن شاهدته بالأمس. الفيلم من الأفلام السيرة الذاتية القليلة التي تستحق وصف "عظيم" رغم علمي مسبقا أنه من إخراج (فرانكو زيفيريللي) المخرج المسرحي والسينمائي وكاتب السيناريو والسياسي والمقاتل السابق في المقاومة الايطالية، ولكن في عالم السينما لا عبره بالأسماء، فرغم اني متيم...اقرأ المزيد بالمخرج البريطاني نولان والمصري شريف عرفة إلا أن لهم مشاريع لم يوفقوا فيها. لا أعلم الكثير عن تاريخ إيطاليا في عهد موسوليني، ربما كل ما أعرفه كان بالصدفة عند قراءتي لأحد قصص الجيب للراحل دكتور أحمد خالد توفيق " فلننقذ الدوتشي " وكل ما أتذكره من تلك القصة أن الدوتشي موسوليني كان تابعًا لهتلر، ما شاهدته في الفيلم لم يختلف كثيرًا عن القصة، كان الدوتشي طفلًا كبيرًا منبهرًا جدًا ببذتة العسكرية المهيبة المطرزة والمزدحمة بالأوسمة والنياشين، تشبه إلى حد كبير بذة السادات ولكن شتان الفارق بين قائد منتصر ورجل لم يتخطى فترة طفولته يفرح بالبذات العسكرية كما كنا نفرح بها وقت الأعياد. يبدأ الفيلم بقصة الصبي لوكا الذي كان نتيجة علاقة غير شرعية بين السيد لوتشينو وإحدى عشيقاته، ولكن بوفاتها أودع السيد لوتشينو الفتى في دار أيتام بإحدى الكنائس، كان لوكا كثير الهرب، يريد أن يعيش حياة طبيعية، ولكن والده يرفض أن يغضب زوجته والتي هي أيضا احدى الحمقاوات التي نُزعت الرحمه من داخلها. كان ذلك الأب تجسيد أو الخط الموازي لموسوليني في قصة الفيلم، فهو من ناحية قاسي القلب يجري وراء شهواته على حساب أبنه والذي في نفس الوقت كان يريد لأبنه أن يكبر كـ نبيل إنجليزي يتقن الإنجليزية ويحفظ الشعر ويدرس الأدب الانجليزي، حتى انه في احد المرات القليلة التي تقابلا فيها نهر ابنه عندما قال إحدى الكلمات باللغة الايطالية! وبعد فترة يرتمي موسوليني في أحضان النازية كليًة فيعدل الأب ويتغير إتجاه تفكيره صوب النازية، فبعد أن كان طلبه من مساعدته السيدة الانجليزية " مس والاس " الإعتناء بابنه بديلًا للكنيسة التي يهرب منها دومًا في أن يصبح نبيلًا إنجليزيًا، عاد الأب وطلب من لوكا أن يذهب إلى النمسا في مدرسة داخلية يديرها النازيون ليصبح مهندسًا! لم يكن مستغرب كثيرًا على السيد الإيطالي – المفترض – لوتشينو هذا التشتت، فهو من خلال مهنته نعرف مدى تحكم المصلحة به، فهو في النهاية تاجر أقمشة والتجارة شطارة ولابد أن يعوم مع التيار. وما بين طلب والده تعلم الإنجليزية وحفظ الشعر والإبحار في أدب شكيسبير، وطلبه السفر للنمسا لدراسة الهندسة في مدرسة نازية، فما الذي يريده لوكا ؟ هذه هي القصة في الخلفية، فموسوليني يظهر بمظهر الطفل الكبير المعجب بأزياءه العسكرية الفخمة ذات النياشين الكثيرة وبمكتبة الواسع -والفارغ في نفس الوقت- في القصر مثلما يسعد للمكانه التي يكتسبها يومًا بعد يوم في مزاد يبيع ولاء إيطاليا، من يريد إيطاليا ؟ معسكر الحلفاء أم المعسكر النازي ؟ تتشابه قصة لوكا والقصة الأكبر إيطاليا تحت عنوان " إحنا رايحة على فين "، إيطاليا التائهة، الهوية المهمله، هي ليست مفقودة، فجدران إيطاليا ومتاحفها تخبر الجميع بهوية إيطاليا، حتى لوكا يعرف هويته الحقيقة، حتى أحد الجنرالات المقربين من موسوليني، تذرف عينيه بالدمع لما يحدث لبلده في لقطة وحيده عابره، الوحيد الذي لا يعرف ولا يرى هو موسوليني. هل كان موسوليني يخشى ذلك المجنون هتلر أم أنه حقًا دوتشي برتبة طفل، يفرح جدًا لإرتداء الملابس العسكرية المرصعة بالنياشين كما كنا نفرح نحن جيل الثمانينات ببدلة الظابط في الأعياد. في نهاية الفيلم هناك مفاجأة عظيمة جدًا، لن أفصح عنها رغم مرور على إنتاج وعرض الفيلم أكثر من عشرون عامًا، ولكن ما يمكنني أن أنوه عنه أني أكتشفت أن قصة لوكا وحياته كانت حقيقية، رغم الإختلافات الطفيفة، ولكن هذه ليست المفاجأة، المفاجأة تتعلق بلوكا في جملة واحدة تكتب على الشاشة في نهاية الفيلم.