يعتبر فيلم هنري بركات "أفواه وأرانب" من أفضل ما أنجبت السينما المصرية بوجه عام، واﻷفلام التي ناقشت المواضيع وصراع الطبقات اﻹجتماعية بوجه خاص؛ وهذا لتميُّزه الشديد في خلق أجواء يُسهل الارتباط بها لواحدةٍ من تلك القصص المِصرية المحلية التي تُبرِز فيها أهمية (اﻷم) في المجتع الريفي، لمُناقشة موضوع حُكيَ عنه الكثير كالـ(فقر). يبدأ الفيلم بأغنيته الشهيرة "**توتا توتا**" للمطربة الشعبية "فاطمة عيد"، تلك اﻷغني...اقرأ المزيدة التي لا تُنسى والتي هي مَعلَم من معالم الفيلم. وقد اختار "بركات" إنهاء الفيلم أيضًا عليها، لكن هذه المرّة -وعكس الافتتاحية- بصورة أقرب بأن تكون "تسجيلية" بعد أن رَسيَت اﻷمور على أنّ "محمود بيه" سيتزوج المرأة الفقيرة "نِعمة" وسيأخذ كامل أفراد عائلتِها معه إلى مزرعته. فنرى في هذا المشهد شوارع القاهرة واﻷطفال الخارجين من مدارسهم والماشيين قُرب الرصيف تحت ضوء الشمس النهاري. المشهد الختامي لهذا الفيلم أعتبره أحد أفضل مشاهد النهايات في اﻷفلام المِصرية واﻷكثر قُربًا لي. بركات بلغ عدد تعاوناته مع سيدة الشاشة العربية "فاتِن حمامة" ۱۸ فيلم، ربما أشهرهم كانت في "الحرام"، "دعاء الكروان"، وهذا الفيلم بالتأكيد التي تألقت فيه فاتن كعادتها.. هُنا من الملحوظ تمكُّن بركات كما العادة في إدارة ممثليه جميعًا، حتى الشخصيات الثانوية التي ظهرت في مشهدٍ أو اثنان جميعُهم قدّموا أداءات طيّبة ومُقنِعة. الفيلم رائع للغاية بسبب مناقشته لموضوع وفاء اﻷم تجاه عائلتها وأقاربها، فهي تقبل أن تُسافر مئات اﻷميال أو تتشاجر مع بائعين الخبز حتى توفر اللُقمة الطيّبة ﻷفراد عائلتِها، مهما كَثُر عددهُم، والذين هم دائمو الحاجة لطعامٍ يدخُل أفواهِهم. ربما عنوان الفيلم به القليل من الغموض، فمن المعلوم أن (اﻷفواه) هي أفواه هؤلاء الطبقة السُفليّة الذين يعُانون من أجل سد أفواهِهم وأفواه عائلاتهم، لكن هل هذا يعني أن "اﻷرانب" هم مَن معهم نقود (مِن ذوي الطبقات اﻷرستقراطيّة) على اعتبار مُفارقة الجملة؟، أم هم اﻷرانب الذين يُأكَلون مِن قِبَل اﻷفواه/الفقراء في إشارة لصعوبة العيش؟ (حيث من الصعب شراء أرنبًا بينما من اﻷسهل شراء فرخة).. هل المقصود الاثنين معًا: أي أن الفقراء يلتهمون اﻷغنياء/اﻷرانِب بدافع الطمع، مثلًا؟.. عنوانٌ مثير حقًا للاهتمام لواحدٌ من اﻷفلام المِصرية الجميلة.. *** يُذكَر أن الفيلم قد قُدّم في العام الذي تلى صدوره، مسلسل تلفزيوني (مِن إخراج القدير "حُسين كمال" مع مخرِجان مُساعِدان)، بعدد ۱٤ حلقة.