أراء حرة: فيلم - The Iron Lady - 2011


إمرأة بألف رجل

أهم مايلفت نظرى فى افلام السيرة الذاتية انها تترك اثرا قويا فى نفس المشاهد سواء عن طريق تذكر الشخصية نفسها أو بإكتساب عادات إيجابية معينة كانت تقوم بها تلك الشخصية التى هى محور الفيلم. وقليلا ما يجمع فيلم سيرة ذاتية الأثنين معا أى يجعل كل من يشاهد الفيلم يتاثر بالشخصية وبعاداتها القوية والمؤثرة وهذا ماحدث فى فيلم المرأة الحديدية او السيدة الحديدية الذى عرض قصة حياة أول رئيسة وزراء فى تاريخ بريطانيا والغرب فى العصر الحديث مارجريت تاتشر. مارجريت تاتشر وصلت لمقعد رئيس الوزراء ممثلة حزب المحافظين...اقرأ المزيد فى عام 1979 الى 1990 تقريبا عقد الثمانينات كله وكانت فترة من اصعب الفترات التى مر بها الشعب البريطانى فى بعد الحرب العالمية الثانية فالاقتصاد البريطانى كان فى اسوأ حالاته والضغوط والضرائب فى ازدياد على الشعب وهذا بجانب المنافسة الشرسة لقيادة القارة العجوز من قبل المانيا التى كانت تسعى وقتها لضم المانيا الشرقية وهدم سور برلين والذى حدث بالفعل عام 1989 هذا بجانب ان الحرب الحرب الباردة كانت مازالت وقتها مستمرة وانجلترا لها نصيب بحكم إنها من أهم حلفاء الولايات المتحدة الامريكية.فى ظل كل هذة الازمات والمشاكل استطاعت تاتشر ان تقود السفينة بمنتهى الحزم والصرامه وأن تثبت للتاريخ ان المرأة قادرة على القيادة فى زمن لا يوجد فيه رجال تصلح للقيادة. لم يغب عن بالى اثناء مشاهدة الفيلم كم نحتاج نحن كمصريين هذة الايام وبشدة شخصية بهذة القوة قادرة على العبور بنا من هذا المستنقع التاريخى الضحل فمصر عرفت من الشخصيات الضعيفة فى مراكز هامة ومؤثرة جدا عدد كبير من الاسماء الضعيفة الغير قادرة على القيادة بداية من رؤساء وزراة ووزراء ومحافظين ومسؤلين كبار. ميريل ستريب - البطلة لابد أن نتوقف عند أداء ميريل ستريب القوى لشخصية مارجريت تاتشر فهى تعدت كونها ممثلة محترفة امتلكت خيوط الشخصية التى تلعبها لإنها قدمت درس لكل إمرأة فى أى تنتمى لأى ثقافة كيف تكون السيدة الحازمة والقائدة وبدون أن تتأثر انوثتها وررقتها فى التعامل مع الآخرين فأقنعتنا بأنه من الممكن ان تكون سيدة تتحدث بصوت هادىء ورقيق وفى نفس الوقت تفرض رأيها ومنطقها الصحيح على اى رجل غاضب أو شعب بأكمله ثائر عليها ورافض لسياستها الصارمة . ولا يوفتنا ملاحظة العديد من التفاصيل الهامة التى أهتمت بها ميريل ستريب وأضافت لأدائها الكثير من القوة والتاثير مثل تمكنها من التحدث بلكنة بريطانية سليمة وتركيزها على طريقة المشى فى كل فئة عمرية من حياة مارجريت تاتشر لعبتها ميريل ستريب منذ سن تاتشر فى الاربيعنيات الى فترة أخر سنوات عمرها.وأنا أعتقد إنها أكثر مرحلة برعت فيها ميريل ستريب فى تقمص الشخصية بمنتهى الإبداع وعلى الرغم من براعة الماكير الا ان لم تعتمد عليه فقط فى التقمص .ولا أستبعد إن هذة الفترة هى السبب فى حصولها على جائزة الأوسكار أحسن ممثلة. ج. رو هيلاند - الماكيير أى مشاهد للفيلم ستزداد حيرته فى المشاهد التى تلعب فيها ميريل ستريب دور مارجريت تاتشر فى المرحلة الأخيرة من عمرها. فسيختلط عليه الامر ,هل التى أمامه ميريل ستريب أم مارجريت تاتشر نفسها أم إنه تمثال شمعى طبق الأصل لمارجريت تاتشر فى متحف مدام توسو بلندن. هذة من المرات القليلة التى يحصد فيها فيلم جائزة أوسكار أحسن مكياج وهو فعلا يستحقها كل الاستحقاق فالماكيير قد أحدث طفرة فى عالم مكياج الشخصيات الحقيقية ففى العادة يعتمد الماكيير على النظارات الشمسية او قصة الشعر والمخرج يحاول قدر الإمكان التقليل من اللقطات القريبة حتى لا تظهر عيوب المكياج وكذلك مدير التصوير والأضاءة تكون امامهم عقبة إخفاء عيوب مكياج الشخصية التاريخية خصوصا إذا كانت شخصية معاصرة لزامننا والكثير ممن يعيشون وقت عرض الفيلم شاهدوها على الحقيقة أو فى التلفزيون. هذا لم يحدث أبدا فى الفيلم فقد شعرت أن المخرج ومدير الاضاءة ومدير التصوير يتصرفون بكامل حريتهم فى مشاهد ميريل ستريب. فلايدا لويد - المخرجة أنا شخصيا لا أتحمس للإخراج السينمائى النسائى ولكن بمنتهى الموضوعية لابد ان أعترف بمدى حساسية المخرجة فلايدا لويد وبراعتها فى توصيل المعنى عن طريق الصورة . فإستخدامها لحركة الكاميرا بنعومة عبرت عن أنوثة شخصية المرأة الحديدية ,وأعجبتنى جدا لقطات الحذاء الحريمى لمارجريت تاتشر مع عشرات الأحذية الرجالى فى إشارة لمدى صعوبة طريقها لأخذ فرصه أو مكان داخل حزب المحافظين,وتصوير لحظة دخول مجلس العموم البريطانى لأول مرة كانت رائعة فقد أظهرت المخرجة لحظة قتح الأبواب والكشافات العالية للمجلس وكأنها لحظة دخول الملاكم لحلبة القتال ومواجهة خصمه وجمهوره. يحسب على المخرجة إنها لم تكن موضوعية فى عرض ماهو سلبى فى حياة مارجريت تاتشر فقد أستبعدت اشياء هامة جدا لايمكن أستبعادها عند تناول قصة حياة تاتشر مثل إبنها مارك فلم يكن له وجود نهائيا فى الفيلم ولا أعرف السبب فى ذلك هل لأن له علاقة بصفقة الأسلحة الشهيرة بإسم اليمامة التى كانت بين المملكة العربية السعودية وبين المملكة المتحدة البريطانية والتى تحدثت عنها الصحف البريطانية بخصوص عمولات حصل عليها مارك لتسهيل الصفقة بحكم منصب والدته .لأ أعرف أيضا أسرفت المخرجة فى تكرار مشاهد الشغب والإضراب فقد كانت تستخدمها لتحفيز المشاهد وإثارته فى كل مرة وكأنها الطريقة الوحيدة لفعل ذلك. مشهد النهاية كان واقعى جدا فقد ظهرت فيه مارجريت تاتشر تلف وتدور فى منزلها بدون هدف كأن المخرجة تقول إنها ستظل هكذا إلى أن تموت فى هدوء وهو ماحدث بالفعل بعدها بحوالى عام.


سيدة المشاعر

اعتقد أن لقب (المرأة الحديدية) لم يشير هنا فقط إلى مارجريت تاتشر كأول أمرة تتقلد منصب رئيس وزراء بريطانيا حاملة هذا المنصب بكل ما فيه على عاتقها لمدة قاربت 12 عاما وإنما وضع ذلك اللقب ليشير إلى صناع هذا العمل بأكمله بدء من المتألقة دائما (ميريل ستريب) التي أكدت بجدارة استحقاقها لجميع الجوائز التي حصلت عليها لتقديم مثل هذا الدور وكيف استطاعت أن تسكن شخصية وحياة تاتشر بهذا الشكل حيث صرامتها وثقتها وقوة شخصيتها وسيطرتها على الأمور حتى أنها تحدثت مثلها وكانت تعبيرات وجهه أقرب إلى تاتشر الحقيقية...اقرأ المزيد وهكذا سلوكياتها ومظهرها وغطرستها في الكثير من المواقف ونجاحها في اتقان لكنتها وصوتها المعروف واعتقد أن ميريل ستريب أضافت إلى تاتشر بعض من إثارتها وقوتها وشجاعتها المعروفة عنها في جميع أفلامها....ثم يأتي الدور الكبير للسيناريست (آبي مورجان) الذي تجلى ببراعة في وضع سيناريو على درجة عالية من الإتقان لشخصية سياسية حياتها مليئة بالأحداث والصراعات وكيف تمكن من اختيار ما يقدمه للجمهور وما يستحق أن يسلط عليه الأضواء .....لم يظهر الفيلم الجانب السياسي في حياة تاتشر فقط وإنما قدم آبي مورجان خط عريض وجانب عميق لحياتها الشخصية مع ابنتها وخاصة زوجها دينيس وتأثيره العميق في حياتها السياسية واعتراضه الدائم على مثاليتها وكيف أثر وفاته فيها ليظل شبحه يطاردها طوال حياتها عارضا كل هذا من خلال الفلاش باك ومشاهد تنتقل فيها مابين دراما عن شخصية سياسية بحتة بانجازاتها ومضمونها وبين دراما اجتماعية عن بعد إنساني يحكي قصة حياة امرأة زوجة وأم ووزيرة وسياسية ...وإذا استحق ماكيير العمل جائزة الأوسكار عن مكياج ميرسل ستريب وكيف حول من ستريب إلى تاتشر بهذه الدقة والدرجة الغريبة و اعتقد أن الفضل الأول والأخير يرجع إلى ستريب نفسها وقدرتها على الغطس داخل حياة تاتشر بهذه الدرجة.....لا يقلل كل هذا من الدور الإخراجي الكبير للمخرجة (فيلدا لويد) وكيف قدمت هذا العمل بكل ما فيه بهذه العبقرية المتناهية واختيارها الجيد للأبطال العمل وخاصة ستريب والممثلة الكسندرا روتش التي أدت مرحلة الشباب لتاتشر ودور (دينيس) والممثل جيم بردوبينت الذي تألق في هذا العمل....تحية لصناع هذا العمل