"بدلاً من الحب، المال، الشهرة... أعطني الحقيقة" -هنري ديفيد ثورو الفيلم الدرامي "سبوتلايت" يتحدث عن قصة حقيقية حول وحدة تحقيق إخبارية متواجدة منذ عقد السبعينات بأمريكا، يتحروَّن القضايا التي هي من الصعب أن تلاقي ترحيباً وإنتشاراً، ولأهمية ما يفعلونه فإن كامل عملهم يتميز بالسرية التامة.. في قصه الفيلم هم يجرون تحقيقاً حول فضيحة لإحدى الكنائس الكاثوليكية في "بوسطن"، يقوم القساوسة فيها بإعتداءات جنسية بحق أطفال، ليكتشف الفريق أشياءاً تم التستر عليها لعقود طويلة، ويعقدون العزم علي نشر الحقيقة التي...اقرأ المزيد تتعدي كونها قضية في أمريكا فقط، بل هي -كما قيل في الفيلم- تصنف ك"ظاهرة"، لابد وأن يعلمها العالم كله حتي لا نري لها شيئاً مماثلاً في المستقبل. الأعمدة الرئيسية التي يستند عليها الفيلم جميعها متقنة التنفيذ (السيناريو - الحبكة - عامل التشويق - الحوار - الموسيقي التصويرية - التمثيل - الإخراج..) كلها في تناغم وإنسجام يُكمِلون مع بعضهم دائرة الفيلم، وأعتقد أن الفيلم قد ظهر بأفضل صورة يمكن أن يكون عليها. من نقاط القوة التي يتمتع بها الفيلم القصة التشويقية، والتي تستولي علي كامل إنتباهك منذ لقطة البداية -التي تعطيك إنطباعاً قوياً بمدي جدية موضوع القصة- حتي نهاية آخر ثانيه منها.. لن تشعر للحظة بالملل أو ركود وتيرة الأحداث علي مدار كامل الساعتين، خصوصاً وأن هذا فيلماً أحداثه حقيقية، فهذا يعطيك مزيداً من الترقب لما سوف تؤول إليه الأحداث، فتصبح إلي حدٍ كبير"معنياً" بالقضية المعروضة.. ليس ذلك المُشاهِد الذي أعرفه، والذي حينما ينتهي الفيلم يقول: "كان فيلماً جيداً" بتلك السذاجة، دون أن تظهر عليه أي ردة فعل من الفيلم اللعين الذي شاهده تواً!! كان لحاجه طاقم عمل متكامل يعلمون ما يفعلونه شيئاً أساسياً في نوعية الأفلام هذه، ففريق "سبوتلايت" متماسك، والأداء القوي لكل أعضائه يطغي علي مجريات الفيلم، وتسيطر عليهم روح التعاون بينهم وشعورهم بالمسئولية التي أوكِلت علي عاتقهم بإخبار العالم الحقيقة، كما أن السيناريو الرائع أظهر إمكانياتهم الحقيقية. لكن شخصياً من بين شخصيات الفيلم العديدة الجيدة، "مارك رافالو" هو من سحرني أدائه، وتعلقت بشخصيتة أكثر من غيره.. ذلك الفضول المُتمرِّس صاحب الكاريزما، الذي لا يتردد في السؤال حول قضيته حتي لا يكون هناك مجالاً للشك في شيئ، و ذكرني كثيراً بأداء جاك جيلينهال في رائعة ديفيد فينشر "Zodiac"، وهو الذي كان فيه أيضاً. يمكنك أن تتعلم الكثير من فيلم كهذا؛ فهناك أبعاد عديدة مما تستخلصه وتخرج به كمُشاهد من الفيلم، منها: العدالة في محاسبه الجميع دون تفرقه بين وزيراً وغفيراً، ضرورة نشر الحقيقة وعدم التلاعب بها، فعل ماهو صواب، فعل ما تؤمن به حتي ولو عارضك الجميع في ذلك، إذا إكتشفت شيئاً خاطئاً ليس من المفترض أن تخاف من أن تقاومه، الحق دائماً أقوي من الباطل وسيظل كذلك، إذا فعلت شيئاً أتقنه وأبذل أفضل ما لديك فيه..دروس عديدة تجعل هذا العمل هاماً جداً أن يُشاهَد. "سبوتلايت" حصد أوسكار "فيلم العام"، ليس لأسباب فنية وتقنية في الفيلم أكثر من كون الفيلم ذا رسالة غاية في الأهميه وغاية في الخطورة، فالفيلم بالأساس يتمحور حول رسالة قصتة. هذا فيلماً موحِشاً، يعرض لك الحقيقة كما هي، لا يبالي إذا كانت ستصدمك أو ربما تضحك سخريةً لعدم تصديقك ما يجري.. ستظل برهة بعد نهاية الفيلم تتسائل: كيف تحدث هذه الأشياء في عالمنا؟! وكيف هي شكل تلك النفوس التي تظهر للعامه عكس ما تخفيه من سواد يقبع في بطونها؟! ..سيدفعك الفيلم للشك في الجميع من حولك، وربما يجعلك تعيد النظر والتفكير بالطريقة التي نسير -نحن البشر- بها.