رسائل البحر .. عندما تتلخص الحياة في فيلم !

"يحي" الإنسان "الحي" الذي يبحث عن "الحياة" الحقيقية، ويجد سهولة في التواصل مع روحه، بينما تتلعثم كلماته عندما يتحدث مع الناس، فيفضل الصمت، رغم احتياجه للكلام معهم.

ولأنه حقيقي يفضل الذهاب إلى شقته البسيطة في الإسكندرية على السفر إلى أمريكا، ويفضل الصيد على مهنة الطب، ويفضّل الوحدة على الحياة مع الأطباء والمرضى والممرضات، ولا يهتم لتهديدات صاحب العمارة الذي يصطاد "بالديناميت" في مقابل الحفاظ على ذكرياته التي يشعر معها بالأمان.

يسكر لأول مرة !، ويتصاحب مع "قابيل" الذي يجمع بين القوة وشعوره بالعجز، غير أن لقابيل قوة أخرى تتمثل في هربه من غرفة العمليات وتفضيله للموت على أن يعيش بلا ذاكرة. قوة أخرى نراها عندما يقبل المخاطرة أخيراً خوفاً على أخته "بيسة" فيخبرها جاهداً بكل ما يتذكر -أسماء أصدقائه وأشقاءه-.

تمر الأحداث ويشعر "يحي" بالحب تجاه "كارلا" فيطير فرحاً إلى البحر الذي يغضب ولا يجود عليه بالرزق كما كان من قبل، فلا يجد ما يأكله. وتشتد النوّة، ولا يفهم "يحي" السر، فيزداد غضبه ويصيح: "جتلك وأنا شبعان وادتني رزقي ، دلوقتي جايلك وأنا جعان وبتبخل عليّا ..ده ظلم ولا فوضى ؟"، فيسقط مغشياً عليه ثم يستيقظ ليجد الأحوال قد عادت هادئة كما كانت ويجد نفسه كما هو لم يمت من الجوع بعد. أخيراً يتكلم البحر من خلال رسالة صغيرة تُضيف إلى حياته لغزاً جديداً لا يستطيع فك رموزه من خلال لغات الأرض.

ثم تمر ثلاث دقائق بعد مشهد "النوّة" ليجد نفسه قريباً جداً من الموت، لكنه ينجو ، وينجو مرة أخرى عندما يفاجأ بأول الإجابات من خلال "كارلا"، التي فضّلت الغواية المادية والشذوذ عن الفطرة على الحب، فيتركها ويرحل.

لغز آخر كان متمثلاً في العزف الآتي من الشُرفة البعيدة. فيتلقى بسبب شغفه به إهانة في الحبس، ثم وقوف بالساعات تحت المطر الغزير . ثم يلتقى بـ "نور" التي فضلت أن يستغلها الكثيرون سنين طويلة لخوفها من الفقر ، لكنها أخيراً تنتصر للحب وتقع في غرام البطل، ويأتي المشهد الأخير وهُما سوياً على قارب وسط البحر، حيث يتسائل البطل عن المغزى، فتجيب نور بفلسفة غير متوقعة: "مش مهم ، ممكن تبقى رسالة بحّار لأهله .. أو قصيدة شعر .. وممكن تبقى صلاة راهب. الحاجة الوحيدة المؤكدة إنها رسالة من البحر ليك".

ينتصر "داوود السيد" مرة أخرى لحب الصورة الذي بداخله من خلال مشهد "النوة" و "الأبنية القديمة" بالإسكندرية الذي يأخذ وقتاً أكثر من اللازم أحيان كثيرة، ونسمع مرة أخرى موسيقى هادئة أشبه بموسيقى "الكيت كات". ثم يثبت فريق التمثيل براعته وتفوقه على نفسه مرة أخرى من خلال هذا العمل الفني الذي وإن لم يفهمه الكثيرون لكنه يحتفظ بحقه في كونه تحفة فنية مختلفة.