قليلة هى تلك الافلام التى تأخذنا الى عالم نراه للمرة الاولى على الرغم من اننا نحياه فى كل يوم ، الكثير منا يمر على تلك الاماكن ولكنه لم يراها بعين الفنان الذى نقل لنا ذلك الشجن المؤثر فى حدوتة بسيطة عن يوم واحد فى حياة مجموعة من البشر يرتبط وجودهم اللحظى بمنطقة مصر الجديدة ، لنرى من خلال ذلك اليوم مدى افتقادنا جميعاً لذلك الوطن الجميل الذى ربما نحلم به دائماً بل ونتغنى بأنه كان هنا موجوداً بيننا ولكننا نفتقده او فقدناه بأنفسنا فى رحلة تحطيم الجمال وصناعة قبح حضارى يغلف حياتنا اليومية . غزل (احمد عبد الله السيد ) نسيج سيناريو الفيلم بمهارة شديدة من خلال عدة نقاط هى : أولاً:- من خلال موضوع الفيلم حيث ذلك الحلم الجميل الذى رحل عن مصر المتسامحة التى كانت تحوى الجميع دون تفرقة ما بين جنس ولون وهوحدث حقيقى مازالت اثاره النادرة باقية على ارض الواقع ولكن فى استحياء شديد فلقد كانت مصر بوجه عام ومنطقة مصر الجديدة بوجه خاص عبارة عن كوزموبوليتان حضارى شديد التميز حيث الوجود لعدد كبير من الاجناس والاعراق المختلفة التى تتفاعل مع بعضها البعض ومع مصر والمصريين بشكل لا مثيل له حيث التسامح والتعاون المشترك بين الجميع دون افضلية لاحداهما على الاخرى ، ذلك الحلم الذى رحل وانتهى مع بداية تطبيق ايدولوجيات فكرية متخلفة استطاع اصحابها من القادة ان يخلقوا اجيالا من الجهل والتسطح والتشدد ، ولعل من اجمل مشاهد الفيلم ذلك الذى يحكى فيه الباحث الجامعى ( خالد ابو النجا) مع مدام فيرا (عايدة عبد العزيز) عن مصر الجديدة ماذا كانت وماذا اصبحت وكيف تحولت ذكريات ومشاهد لحياة حضارية متقدمة الى مجموعة مشوهة من المحلات التجارية ، نفس الامر الذى تصر فيه فيرا على الا يخبر احد انها يهودية على الرغم من مصريتها فالكل يعرفها الان على انها خوجاية وكفى فى ملمح شديد الذكاء من صناع الفيلم ان الاقليات الموجودة فى مصر ماهم الا مصريين ايضاً ولكن مع انتهاء زمن التسامح المصرى المشهور اصبح هناك مصريين اقلية فى مصر . ثانياً : - اختيار شخصيات الفيلم التائهة الباحثة عن مرفأ للنجاة من شبة حياة ، فالكل يبحث عن وطن خاص يحيا بداخله ويتفاعل معه للوصول الى معنى لتلك الحياة ، فالسفر جزء اساسى للشخصيات فالدكتور ( هانى عادل ) يريد بيع الشقة التى تمثل تاريخ كامل فهى موجودة منذ عام 1929 ليهاجر الى كندا لاحقاً بأمه وأخيه اللذان سبقاه الى هناك ربما فى محاولة للهروب من مجتمع متشدد اصبح يرفض الاخر بشكل او بأخر ، نفس الامر مع عاملة الاستقبال فى الفندق ( حنان مطاوع ) التى تشاهد القنوات الفرنسية طوال الوقت لتخفف من واقع فشلها فى الحصول على فرصة السفر الى فرنسا – الحلم الضائع – على الرغم من تركها لمنزل اهلها فى طنطا واصرارها على توصيل مبالغ نقدية – مصرية – لهم كل شهر وكأنها مرسلة من الغربة ومع ذلك فهى جبانة حتى فى تحقيق احلام بسيطة فهى ترتعد بشدة من محاولة شراء علبة سجائر بل وتتأثر بشريط لاحد الدعاة الجدد يديره سائق التاكسى ، على العكس منها تماما صديقتها ( سمية جوينى ) التى لاتتوارى عن شراء الحشيش وتدخينه ولديها شخصية قوية فى التصدى لكل تلك المحاولات التى يحاول المجتمع ان يفعلها معها فهى قوية ولكنها اختارت الهروب من الواقع ايضاً بحثاً عن وطن اخر يفهمها ، نفس الامر مع الباحث الجامعى ( خالد ابو النجا ) الباحث عن تراث بشرى وحضارى ورصده عبر الكاميرا لتوثيق تاريخ مصرى جميل - سينتهى قريباً - وهو ما يؤكدة مجموعة المشاهد الوثائقية التى يجريها مع اشخاص حقيقين يؤكدون على انتهاء مصر الجديدة التى لم تعد كما كانت قديماً ، شخصية اخرى هى عسكرى الحراسة ( محمد بريقع ) تلك الشخصية الصامتة التى تقوم بحراسة احد الاسوار فى شارع جانبى ولا يجد تسلية لقضاء فراغ الوقت القاتل الا عن طريق الراديو الترانزستور الصغير والذى يتصادف ان معظم اغانيه قديمة – عبد الوهاب ، فيروز - تتحدث عن وطن وهى لعبة شديدة الذكاء من السيناريو حيث ان العسكرى المجند يحلم دائماً بالعودة الى بيته – الوطن - ، الحبيبان( أيه سليمان ) ( عاطف يوسف ) والبحث عن شقة المستقبل والجرى وراء فارق الاسعار فى الاجهزة الكهربائية لبناء شقة العمر – الوطن الجديد - . ثالثاً : - المكان فى هذا الفيلم يعتبر هو البطل الاول فوظيفته الاساسية هنا هى تحريك الاحداث واستمرار عملية السرد السينمائى فى عملية التنقل بين الشخصيات المختلفة للفيلم والاحداث التى يمروا بها فشوارع مصر الجديدة هى اساس هذا العمل لذلك جاءت العلاقات بين اماكن الفيلم المختلفة علاقات متداخلة فنحن تقريبا نرى معظم الاحداث تدور ما بين شوارع وميادين وكل هذة الاماكن المتجاورة تتداخل فيما بينها لتصل الى درجة الانصهار فى الشارع ، فحتى شخصيتى الحبيبان رغم ابتعادهم بشكل كبير عن موقع الاحداث الا انهم يصلون فى النهاية الى مصب نهر الاحداث وهو شوارع مصر الجديدة ، وهناك عملية انتماء للمكان كما فى شخصية فيرا – اليهودية – والشخصيات الواقعية والعسكرى الذى اصبح انتمائه للمكان الذى يقضى يوماً بأكمله بداخله ( كشك الحراسة ) فهو يأكل ويشرب ويعيش حلم ذكريات موطنه الخاص داخل هذا الكشك بل ويؤدى صلاته – كمسلم - بجوار هذا الكشك وفى اتجاة سور الكنيسة فى لقطة قريبة شديدة التميز اوجزت فقالت كل شئ بعيداً عن شعارات جوفاء للوحدة الوطنية ، وهكذا يدور بنا فيلم هليوبوليس فى عالم من الواقع الممتع الذى نبحث عنه ونتمناه حقيقة بعيداً عن الوهم والاحلام واقع نراه يومياً ويمر عليه الكثير منا كل يوم ولكننا لم ناتفت ابداً الى هذا العالم وتلك الشوارع والبيوت التى يمكن ان تكون هى البطل فى سينما جديدة متميزة تبحث عن الفن والمعنى والقيمة الحقيقية لكلمة سينما مبتعده عن تفاهات مصورة سينمائياً لاشخاص فقدوا صلتهم بالواقع الحقيقى لبلد يبحث عن من يقدمه بصدق للعالم من خلال فيلم بسيط يصل الى القلوب بسهولة دون اية عوائق او مشكلات ، فشكراً لصناع فيلم هليوبوليس على هذة النغمة السينمائية الجميلة .
Review Title | Username | Was this review helpful? | Published on |
---|---|---|---|
Heliopolis | محمد ألطيب | 0/0 | 25 July 2008 |