"جاذبية" هو الفيلم الاخير للمخرج المكسيكى الواعد "الفونسو كوراون" والذى تدور احداثه فى الفضاء او لنقل خارج الغلاف الجوى لكوكب الارض عن مجموعة من رواد الفضاء يتعرضون لخطر ان تصطدم بهم بقايا حطام قمر صناعى روسى ويسعون للنجاة. لنتوقف هنا اذن قبل ان نكمل حرق الفكرة، انا لست خبير فيزيائى او فضائى ولكن الحدث لم يقنعنى، ليس لأنى من اولائك الذين يذهبون لمشاهدة الافلام فقط لاصطياد الاخطاء او الوقوف ع الواحدة ولكن لانه لم يبدو مقنعا بالفعل، انا لا اعلم من اين اتت بقايا القمر الصناعى، هل اتت من اعلى او اتت بشكل مدارى، فالسيد كوارون لم يطلعنا بشكل اعمق عن مصدرها، غير انى عندما طالعت بعض اراء الفيزيائيين عن الفيلم وجدت ايضا اعتراضات علمية لديهم فبعضهم يقول ان سرعة حطام القمر الصناعى كان مبالغ فيها بشدة وهذا لا يحدث فى الواقع والبعض قال ان الحطام ياخذ سرعة مداره فقط. ليس لدى مشكلة ضخمة فى ارسال الفيزياء برمتها الى الجحيم لمدة ساعة ونصف لاستمتع بخيال المخرج وبافتعاله المستمر لمشكلات تواجه بطلته حتى يبقى المشاهد فى قمة اثارته طوال الوقت ويجعله يتوحد معها فى تلك الكارثة المفتعلة التى تواجهها .. ولكن هذا ايضا لم يحدث بشكل قوى، فقد جاء رسم الشخصيات باهتا وسطحيا لدرجة تجعلك امام شخصيات غير حقيقية، مجرد ادوات يخوض بيها رحلة صراع النجاة ليجعلك حبيس التجربة بصورتها السطحية وليس مع من يخوضها ايضا. وقد جاء الحوار ساذجاً، فلا تعلم كيف قضى كلونى مع بولوك مدة 6 أشهر من التدريب فى ناسا آكلين شاربين نايمين مع بعض دون ان يعلم ان كان لها طفلة وماتت سوى ان السيد كوارون لم يجد وسيلة افضل من تلك ليخبر المشاهدين بتاريخ البطلة، وهذا فى علم كتابة السيناريو خطأ كبير، ربما اعتمد على شاعرية الموقف، فرجل وامرأة يسبحان فى الفضاء على انغام ستيفن بيرس وامام عدسة ايمانويل ليبوسكى (مصوّر افلام كشجرة الحياة و إلى العجب) وفى الخلفية تجد مناظر بديعة للكرة الارضية من اعلى أبرزها الصورة الشهيرة لنهر النيل المضىء ليلاً بشكل زهرة مع ظهور جورج كلونى الذى أتى مجددا للفيلم لا تعلم من اين وبخفة ظله المبالغ فيها بشكل غير متناسب مع الموقف، ربما كانت كل هذه العوامل كفيلة بالهاء المشاهد عن انه يتم استغفاله فى هذا المشهد الحوارى، ناهيك اصلا عن الاستسهال فى عدم وجود تاريخ اكثر ابتكارا لشخصية بولوك، لها طفلة ماتت، يالها من مأساة، ولكنها هُرست فى مئات الافلام ويبدو ان الوقت لم يسعفك لايجاد فكرة اكثر ابتكاراً وأقل استجدائاً وابتزازا لعواطف المشاهد .. هل لازلت تريدنى ان اتعاطف؟! .. واستمرارا لمأساة السيناريو يأتى مشهد تضحية كلونى بحياته لأنه وياللأسف فشل بجزء من الثانية فى التقاط حبل الغسيل ذلك الذى يتطوح حول المكوك ليغرق فى الفضاء ويضيف فصلا جديداً فى الافتعال، وليته نفع .. فأنا لا اعلم شىئاً عنه سوى انه ذلك المتحذلق الفضائى الذى يلقى بالنكات الثقيلة ويظهر من اماكن لا تعلمها، انا لم اتعلق به للدرجة الكافية وجاء هلاكه ليجبرنى ان اتعاطف ويزيد من مأساة البطلة الاخرى على طريقة "شوية زازبيز بقى"! .. وتستمر المأساة فى المشهد الكارتونى الذى يأتى فيه كلونى (بعد ان هلك فى الفضاء) ليقتحم على بولوك المكوك بعد يأس الاخيرة من فرص النجاة واستسلامها للموت بعد ان لم تنفع صلواتها ودعواتها وايمانها المفاجىء بالله، فيقوم كلونى بدور "المينتور" أو الناصح الدرامى الكلاسيكى ليخبرها بعض الهراء عن اهمية الامل والحياة وبعد انتهاءه من تلك المحاضرة يختفى لنعلم ان بولوك كانت بتحلم (بلدى اوى يا حسين) فيدب الامل مجددا فى اعماقها وتقرر النجاة عبر مخاطرات فضائية مشكوك فى جدواها فيزيائيا ولا بأس من التطبيش فى أزرار المكوك الصينى دون ان تعلم ماذا يعنى ما هو مكتوب عليها، لتسمع ضحكة بلهاء من متفرج فى المقعد الخلفى بعد تعليق سمج من نوعية "بيفكر بالصينى" .. وفى النهاية .. ستنجو رايان (بولوك) بالطبع. "جاذبية" فيلم جيد من الناحية البصرية وعلى مستوى الفكرة ايضا وان كانت لم تستثمر بشكل ناضج وعميق .. ولا اقصد بالعمق هنا انه كان مطالبا بمناقشة فكرة فلسفية وجودية مثلا، بل مجرد انتهاج مبادىء القصة والسيناريو والحوار وتاريخ الشخصيات وتغيرها والبناء الدرامى للفكرة كان يكفى .. وهو من نوعية الافلام التى لا تصلح للمشاهدة اكثر من مرة واحدة مجرد تجربة بصرية كجهاز السيميوليتور بأى مدينة ملاهى ولن يعيش طويلاً، مازالت له فرص فى ترشيحات الاوسكار لهذا العام نظرا لطزاجة التجربة وربما يكون بالفعل ضمن الفوز فى جميع جوائز التقنية والمؤثرات ولكنها فى نظرى لا تكفى لجعله فيلماً عظيماً كما يردد البعض.