انطفأت جميع نجوم التسعينات في هوليوود بنهاية تلك الحقبة أو بعد انتهائها بقليل، فلم يعد نيكولاس كيدج أو كيفن كوستنر أو ريتشارد جير أو ميل جيبسون أو جون ترافولتا أو حتى توم هانكس، عامل جذب جماهيري لأي فيلم يتصدرونه بعد انتهاء حقبتهم الذهبية بقليل .. ولكن ما ميّز توم هانكس عن باقي أبناء جيله هو أنه نجح على الأقل في الحفاظ على جزء لا بأس به من بريقه التسعيناتي، كما أنه استطاع الاستمرار في تقديم أفلام جيدة توازن بين النجاح الجماهيري والنقدي على حد سواء، ولم يتأثر أو يتشتت بما استقر عليه مؤشره في بورصة النجومية، حتى جاء دوره بفيلم "كابتن فيليبس" - الذي ساتحدث عنه بتلك المراجعة - ليمثّل في رأيي نقلة نوعية في مشواره الرائع، سوف تعيد إليه جزء اضخم من بريقه التسعيناتى، وتضمن عودته للمنافسة بشراسة على جائزة اوسكار افضل ممثل لهذا العام، سواء من خلال هذا الدور او عن دوره بفيلم "انقاذ السيد بانكس" الذى سيعرض نهاية الشهر القادم ويجسد فيه شخصية "والت ديزنى"، وقد حاز الفيلم اثناء عرضه فى مهرجان لندن على اثناء واشادة كبيرة من النقاد لا تقل عن الاشادة بفيلمنا اليوم "كابتن فيليبس" ولا بأداء هانكس.
عن قصة حقيقية تعرض لها طاقم السفينة الاميريكية "مارسك الاباما" من هجوم لقراصنة صوماليين بعد يوم من ابحارها من ميناء "صلالة" فى دولة عمان، فى طريقها لتوصيل مساعدات غذائية ونفطية لدول افريقية فقيرة منها الصومال، وهنا بالطبع يأتى بالاذهان الفيلم المصرى الكوميدى "أمير البحار" الذى تناول نفس الفكرة ولكن بأسلوب هزلى خفيف، وهناك ايضا الفيلم الدنماركى "اختطاف" من انتاج العام الماضى الذى يناقش نفس الموضوع باسلوب جاد، فلقد اصبح الموضوع تيمة سينمائية بعد ان اصبحت هجمات القراصنة الصوماليين على السفن القريبة من سواحلهم ظاهرة يتحدث عنها العالم كله خلال السنوات القليلة الماضية، وبها من القصص الكثير مما يمكن تحويله الى افلام شيّقة نظراً لما بالفكرة من اثارة وما خلفها من دراما وبؤس، وهو ما حاول مخرج فيلم "كابتن فيليبس" اظهاره بمشاهد قليلة داخل القرية الصومالية الفقيرة الجائعة التى تمثّل احد مصانع القراصنة.
يبدأ الفيلم بداية بطيئة وهادئة ليستعرض جانب من حياة القبطان الامريكى ريتشارد فيليبس، فى مشهد يسير فيه بالسيارة مع زوجتة يتناقشان فيه فى بعض امورهم الاسرية فيما يخص مشاكل اطفالهم الدراسية والاجتماعية واشياء بسيطة من هذا القبيل، ولكن على بساطتها نفهم من تلك المناقشة اننا امام رجل جاد ومنضبط، يحب زوجته وعمله وبالطبع اطفاله، وهو جزء لا بأس به لنعرفه عن تاريخ بطلنا، فهو شخص عادى مثله مثل الجميع ليس ورائه اشياء غير تقليدية وربما يكون هذا خدم الشخصية وزاد من تعاطفنا معها .. يودّع زوجته ذاهباً لعمله بالسفينة "مارسيك الاباما" ليودّع ايقاع الفيلم معه البطىء والهدوء وينطلق فى رحلة الاثارة وخطف الانفاس، اعتمد فى ذلك مخرج العمل "بول جرينجراس" على الكاميرا المهتزة التى تنقل التوتر للمشاهد مدعومة بتوتر الاحداث ذاتها، او العكس هو الصحيح.
مع نجاح القراصنة فى اقتحام السفينة، قد تجد نفسك تسأل "هل الموضوع بهذه البساطة؟"، وربما تقترح كثير من الحيل السهلة والبديهية التى كانت سوف تحول دون وقوع السفينة فى قبضة القراصنة والتى تجعلك فى حيرة كيف انها فاتت على قبطان السفينة وطاقمه، ولكنك فى النهاية ستتوقف عن التفكير وستغويك سرعة الايقاع وتوتر الاوضاع لتتابع الاحداث من جديد، خاصة وانت تعلم انها قصة حقيقية.
كان باستطاعة القراصنة الانسحاب من البداية بمكاسب لا بأس بها، ولكن طمعهم او ربما ضغوطات من زعيمهم و احيانا عدم ثقة بالطرف الامريكى او ايا كانت الاسباب فجميعها يؤدى لحقيقة واحدة وهى ان "دخول القرصان مش زى خروجه". سوف تحاول احياناً التغلب على بوادر احساس بالتعاطف مع شخصيات القراصنة او بعضهم، ولكن المؤكد هو انك اذا لم تجد عينيك تندى فى مشهد هياج توم هانكس على القراصنة داخل "قارب الانقاذ" قبل ان يقوموا بتكبيل ذراعيه، ومشهد اخر له فى نهاية الفيلم مع الطبيبة .. فاعلم انه قد اصابك تبلّد فى الاحساس.
كابتن فيليبس تجربة سينمائية شيّقة، نصفها محشو بالخلطة الهوليودية التجارية المعروفة، والنصف الآخر يثير تأملات جادة حول ضعف النفس البشرية والظلم الاجتماعى وعبثية علاقة الجغرافيا بالديموغرافيا، انه تجربة تستحق المشاهدة ولكن لا بأس ان فاتك عرضه فى دور السينما.
الفيلم كان مقرر تصويره بمصر قرب مدينة شرم الشيخ، ولكن نظراً للاوضاع الامنية المتردية بالاضافة للمعوقات الروتينية وصعوبة الحصول على تصاريح للتصوير وكل تلك المنفرات التى تواجه صناع السينما العالميين ان ارادوا التصوير بمصر، تم نقل تصويره الى المغرب، ولكن لازال يكفينا شرفاً انه "فى السنة اللى طفّشنا فيها كابتن فيليبس، أنتجنا أمير البحار"!