حين تقرأ الأسماء التي تطالعك في فريق العمل تجد أسماءً لها وزنها وتأثيرها: أحمد حلمي (أنجح فناني جيله في السينما) عمرو سلامة (المخرج الشاب صاحب الرؤى المختلفة والأفكار المميزة ولمسة الإخراج المميزة) ياسمين رئيس (الممثلة الموهوبة والصاعدة بقوة - نجمة فتاة المصنع وصاحبة جائزة أفضل ممثلة) نور عثمان (الفتاة الصغيرة التي خلبت لب الجميع ببساطة أداءها وروعة استعراضها على خشبة المسرح في فن المونولوج الشعبي الضاحك في برنامج المواهب العربية)
هنا فقط يرتفع سقف الطموحات إلى حد غير مسبوق، سيكون حتمًا فيلمًا غير مسبوق فيه تكنيك عالٍ وصورة مبهرة وأداء تمثيلي راقٍ جدًا. نعرف أحمد حلمي والكيمياء التي بينه وبين الممثلين الصغار .. سترتجف أوصالك هلعًا ورغبةً وتشوق .
عندما تدخل إلى قاعة السينما.. لن تخذلك الصورة.. لكنها لم تكن طفرة في حد ذاتها بالنسبة للمخرج .. زوايا الكاميرا لم تكن بذلك التميز الذي كان حاضرًا في أفلام [زي النهاردة] و [أسماء] و [لا مؤاخذة]. لكنك تنتظر .. أحمد حلمي لم يفقد موهبته .. أجاد وأتقن تحول الباندا إلى إنسان بصورة مقنعة إلى حد كبير .. ولكن .. لم تكن شخصيته (علاء) مرسومة بذلك العمق .. هناك ذلك المجهود المبذول من الممثل لإعطاء هذه الشخصية بعدًا ما .. لكنه مجهود مفضوح .. فالسيناريو الركيك لم يعط جوانب حياة الشخصية بصورة كافية. كذلك شخصية (علا - ياسمين) رغم ظرفها ولطافتها.. بدا دخولها في الفيلم مقحمًا وتقليديًّا.. كمان أن شخصيتها لم تكن مفهومة بشكل كامل و علاقتها بالبطل لم تكن واضحة وتحولها من إزدراء البطل إلى الإعجاب به فالوقوع في حبه لم يتمرحل بصورة متدرجة واضخة تجعلك تتفاعل معها. الأخت الصغرى (نور عثمان) الفتاة صاحبة الأمنية، لم نقترب منها بما فيه الكفاية لنفهم سر حبها لدب الباندا وتعلقها به وكرهها لأخيها وفشله.. فقط هي تتمنى أمنية عجيبة فتتحقق و يسوقنا الفيلم بعدها لتنتهي المعضلة بـأمنية أخرى مفاجئة أيضًا لأننا لا نفهم الشخصية بكل أبعادها. الأبوان الكسولان (بيومي فؤاد - دلال عبد العزيز) لم يتركا أثرًا حقيقيًّا في الفيلم ولم يقدما حتى الوجبة الكوميدية المطلوبة والتي كان بالإمكان توظيف كسلهما المتناهي لخدمتها. رغم كل لحظات الضحك والمواقف اللطيفة في الفيلم .. تضحك وفي حلقك غصة.. أنت محبط .. نعم أنت محبط .. بعد أن ارتفع سقف طموحاتك إلى أعلى مستوى .. إذا بها تهبط هبوطًا اضطراريًا فادحًا ومريعًا.. حتى ولو كان مستوى الهبوط هو إلى مستوى أرفع وأرقى من عشرات الأفلام التي طفحت على الشاشة في الآونة الأخيرة ..
هناك مشاهد رائعة في الفيلم بالطبع كمشاهد تدرب الباندا على التصرف كإنسان ومشهد فتح مخزن العرائس، والمسرحية، ومشاهد مدينة الملاهي بين علا والباندا الإنسان ومشاهد العلاج بالكهرباء ومشاهد الهروب من مصح المجانين.. (إدوارد) بدوره الصغير كان حضوره مميزًا وأداءه في ظرف مقنع وهيئته كانت أكثر تميزًا.. هناك مشاهد محبطة ومشهد واحد مستفز وهو مشهد طيران الباندا بالبالونات لدخول المصح.. سيئ الفكرة والتصوير والتحريك والمعالجة من حيث الغرافيك رديئة ومحاولة التبرير في الحوار عند قوله (ما أنا دبدوب ومحشو أوطن جيتك طاير بالبالونات) كانت أكثر سوءًا..
مشكلة الفيلم الحقيقية هي في تركيب القصة والسيناريو البليد الذي لم يوظف الأفكار الجيدة .. والمشكلة الأخرى هي التوهان فأنت لا تدرك المغزى من الفيلم.. وتتوه هل هو موجه للأطفال؟ لكنك ترى مشاهد كتحرش الطبيب النفسي بالبطلة ومشهد قدومها إليه بفستان أقرب إلى قمصان النوم وترى مشاهد الكلام عن قطع الملابس التحتية في المحل الذي تعمل فيه (علا) فتستنكر أن يكون موجهًا للأطفال . وستحمد الله لو رأيت المشهد المحذوف الذي يتم فيه التحرش بالباندا.. أنه لم يعرض.. الأمر الذي كان سيزيد من حالة التوهان.. هل هو كوميدي؟ لأنك تدخل في فواصل من الملل الدرامي .. هل هو فيلم والسلام؟ ..!! ، لو كان الفيلم موجهًا بصورة كاملة للأطفال وكانت مساحة الدور المتاحة لنور عثمان أكبر ، لكانت المغامرة أكثر منطقية وإقناعًا ولنجح الفيلم على هذا الأساس .
ستقرأ هذا النقد وتتعجب أن التقييم هو (7 من 10) والذي هو في الحقيقة (6.5) وهو خيار غير متاح .. لكن لا تتعجب .. أنا ركزت على أغلب مثالب الفيلم فيلم (صنع في مصر) ليس فيلمًا سيئًا البتة .. هو فيلم جيد؛ ولو كان بطله ممثل يتسلق سلم النجومية وليس (أحمد حلمي) للقي نجاحًا كبيرًا، فلو أن الفيلم كان من بطولة (سامح حسين) أو (رامز جلال) [دون استهانة بمقدراتهما الفنية] للقي استحسانًا من الجمهور وربما كان سيكون الأول أكثر نجاحًا لأنه يملك ظرفًا حركيًا وملمحيًا لا يملكه منافسوه. لكن المكانة اللتي وصل إليها حلمي لا تسمح له بهذا المستوى..
العبء الأكبر أضعه على السيناريو الركيك أحادي الأبعاد ومن بعده على المخرج الذي كان يجب أن يكون حريصًا على مادة الفيلم والخامات التي بين يديه ويخرج منها عملاً بلمسة خاصة وأداء عالٍ وأن يضع معالمًا واضحة لتوجه الفيلم. (أحمد حلمي) لا ألومه على مغامرته، فالفكرة تستحق وهو لم يتعامل مع أنصاف مواهب ، بل مع مجموعة حقيقية من الموهوبين .. لكنهم لم يحالفهم الحظ والتوفيق .. أتمنى أن يكون هذا العمل بمثابة نقطة لتحويل المسار في الاتجاه الصحيح وأن يستمر تعاون (عمرو سلامة) المخرج الرائع و(أحمد حلمي) الممثل البارع ويخرجوا لنا بفيلم يفوق توقعاتنا أو يضاهيها ويمحو خيبات ما (صنع في مصر).