نحن أمام فيلم من أهم أفلام السينما المصرية، ليس ﻹنه ضمن قائمة أفضل 100 فيلم بالسينما المصرية، ولا ﻹنه مأخوذ عن رواية الكاتب الكبير (نجيب محفوظ) الذي شاركه المؤلف (ممدوح الليثي) في كتابة السيناريو والحوار له، ولا لمخرجه عبقري الصورة سعيد مرزوق؛ ولكن لأسباب أخرى عديدة أرى أهمها في تناولها قضية الفساد في النظام بهذه الطريقة، وربط الفساد بقضية أخرى أكثر حساسية وهي الانحراف الجنسي مؤكدا على أن الجميع ينظر لهذه القضايا بأنها أقل عقوبة وخطورة من القتل، وهو عكس الحقيقة تمامًا. تبدأ الأحداث بجريمة قتل عادية، ومجموعة من مشاهد التحقيق البوليسية المعتادة في مثل هذه الأفلام، حيث مقتل ممثلة تٌدعى سناء (سهير رمزي) في ظروف غامضة، فيتولى رئيس المباحث (عمر الحريري) التحقيق في ملابسات الحادث، الذي يكشف عن علاقتها بالعديد من الشخصيات الهامة ذات المناصب العليا بالدولة، وما وراء تلك العلاقات المشبوهة من فساد نظامي ومؤسسي، وهو ما قد يؤخذ على السيناريو الذي استخدم نفس الطريقة التي تقدم بها أفلام التحقيقات البوليسية المعروفة، حيث قاتل مجهول يظل مبهم للجميع وطوال الأحداث تثار الشبهات حول الجميع، وفي أخر الفيلم وبعد تحقيق طويل ومشاهد لا داعي لها وشخصيات يزج بها للإطالة ليس أكثر يتم الكشف عن شخصيته وعلاقته بالقتيل فتقديم تفاصيل عن شخصية الطالبة التي تضطر إلى بيع شرفها مقابل المال، أو العلاقة الغير مشروعة بين المقاول وزوجة الطبيب كلها مشاهد وتفاصيل قد لا تخل بالمضمون إذا تم الاستغناء عنها. ولكن إذا نظرنا إلى المحور الرئيسي للعمل ومحاولة التغلغل داخل المجتمع المصري، وتقديم تقريرا عن انحرافات الأفراد بشكل صريح وواضح وخاصة تلك الفترة التي أعقبت الانفتاح الاقتصادي، وكشف جرائم الأفراد داخل منظمات ومؤسسات الدولة، وتأثير ذلك على المجتمع سنلاحظ أن محفوظ حاول الابتعاد عن تناول القضية بطريقة مهمشة كما قٌدمت في العديد من الأعمال الفنية الأخرى التي تناولت نفس الموضوع مثل (السادة المرتشون)، و(أهل القمة) وغيرها من الأعمال الأخرى التي حاولت كشف الفساد الحكومي برؤى فنية كثيرة. ولكن هنا وجه الفيلم أصابع الاتهام لجميع الفئات المختلفة بالمجتمع بدء من رجل السياسة متمثلا في (كمال الشناوي)، ومرورا بناظر المدرسة التربوي (عماد حمدي) وتسريبه للامتحانات، ومدير الجمعية التعاونية (توفيق الدقن) والمتاجرة بالسلع الغذائية الضرورية في السوق السوداء،،،، وانتهاءً بالشاب (عادل أدهم) الذي يبيع جسده مقابل المال لتعذره في إيجاد عمل يعول به نفسه، كل ذلك وأكثر من وجه فاسد مربوطا بالأخطر والأشد فاتكا لينتهي بمشهد يؤكد على أن الفساد طليق حر لم ولن ينتهي بالقبض على هؤلاء الجناة. ومن هنا تأتي عبقرية سعيد مرزوق الفنية والإبداعية في تقديم مثل هذه القضية الهامة، مستخدما خاصية الفلاش باك في أغلب اللقطات والذي استطاع وبحرفية شديدة أن يجمع أكثر من صورة جمالية بفيلم واحد حيث اختيار وإدارة مجموعة كبيرة من عمالقة الفن والتمثيل، وتقديم مشاهد قد يقال عنها ضعيفة نوعا ما للإطالة؛ ولكن بصورة قوية ومبهرة، وأماكن تصوير بديكورات مثالية، مضافا إلى كل ذلك أهم تأثيراته من عناصر التشويق والإثارة، والبعد عن الطرق المبتذلة في تقديم المشاهد الجنسية أو الاعتماد على أثارة غرائز الجمهور في مخاطبته إياه وقد تسبب فيلم (المذنبون) مع عرضه في أول محاكمة لموظفي الرقابة الفنية بمصر بأمر من الرئيس السادات لموافقتهم على عرض هذا الفيلم، حيث أحال رئيس الرقابة على المصنفات الفنية وقتها، ومجموعة من موظفين الرقابة للتحقيق وأعقبه لجنة تأديب، مما تسبب في أزمة كبيرة لم تمر بها الرقابة من قبل، وبعد تلك الواقعة تم إصدار العديد من التصريحات والقوانين الخاصة بإصدار مثل هذه الأعمال والموافقة عليها في النهاية الفيلم يعتبر من أفضل الأفلام التي تناولت قضية فساد نظام ويستحق أن يشاد به.