من ضمن النظريات أو وجهات النظر فيما يتعلق بتعريف الفن، أو بالأخص : تعريف (ايه هيا السينما؟)، انها تعبير عن الواقع وكونها بمثابة مرآة للمجتمع.. النظرية دي بتشوف إن أي عمل فني الغرض الأساسي والأسمى ليه إحداث (تغيير) ما في نفس المتلقي عن طريق إلتزامها بنقل قضايا المجتمع بإعتبار المجتمع ده الأساس في أي نزعات/أفكار/ميول بتحدث في ذات الفنان.. بتنظر للفيلم السينمائي وتسأل : قد ايه عبر الفنان فيه عن البيئة اللي جاية منها؟.. قد ايه تم التعبير هنا عن الثقافة والروح والقضايا اللي تشغل شخوص المجتمع ده ؟
الفيلم اللبناني (القضية رقم 23) بيضع الجملة دي في محور هدفه الكبير، وبيعمل فوكَس رهيب على كلمة (قد ايه؟) عشان ينقل حاجة صادمة ومُباشرة وتقيلة في وجه المُشاهد.. ببساطة الفيلم ناقل قاذورات الحياة بكل ذرة مصداقية فيها بدون حياء، وبيضرب بجملة (الرقابة) ضرب الحائط عشان يقدم حاجة مش زي أي حاجة إتعملت يمكن في تاريخ كل الأفلام العربية اللي جت قبله.. وبشكل يجعل فيلم (حادثة النايـل هيلتون) يقف على إستحياء جنبه.
عشان أديكم فكرة عن الموضوع أكتر، فـ الفيلم فيه مُقابلة بين رئيس الجمهورية اللبنانية ومواطن لبناني مظلوم (من وجهه نظره).. ولما الكلام يشتد ما بينهم والرئيس لسانه ينزلق ويلاقي نفسه بيقول (بس أنا الرئيس!) بنوع من التكبُّر، المواطن بيرد ويقول (رئيس يعني موظف عند الشعب، يعني شغال عندنا، معندكش حق فـ اللي بتعمله) كتعبير ان مافيش فرق بين المناصب وإن (سُحقاً للشكليات) ! .. هل حد ممكن يشوف حاجة زي كده فـ فيلم روائي في يومنا هذا ؟!!
السيناريو هنا فعلاً ممتاز، حرب حرفية بين الأيدلوجيات والمؤسسات الفكرية وقضية (بماذا تؤمن؟) و(ايه اللي صحيح؟).. الفيلم فيلم سيناريو و(موضوع) بالأصل، مع ذلك التعبير باللغة السينمائية بتاعته كانت مميزة جداً.. مثلاً فيه إستخدام ملحوظ للون البرتقالني والأصفر في النصف الأول انعكس بالألوان الهادية في النص التاني.. كمان الكاميرا في كل المشاهد اللي ظهرت بالمحكمة كانت متحركة في كل الجوانب حول الشخصيات بصورة خادمة جداً إيقاع الحكاية شديد السرعة وحركيّة الأحداث وإضطرابها.. التمثيل حدث ولا حرج، أداء قوي وممتاز من كل الممثلين، الكاستينج هنا عظيم إلى أبعد حد.. فيه طاقة ملموسة أوي وتعبير واضح عن حالة غضب في ذات المخرج .. نوع الغضب الجيد ده، اللي يخليك تقول (اللعنة على العالم، سأفعل ما يحلو لي).
..فيلم (مهم) للمُشاهدة قبل ما يكون السبب أي حاجة تانية، وده لا يعني إنه بيرتكز على قضيته بشكل مُفرط، لأ.. أعتقد هيعمل ضجة حلوة الأيام القليلة القادمة لما يتشهر أكتر لأنه من نوع الأفلام دي اللي صعب تشوفه من غير ما تعقّب عليه أو تُعطي رأيك فـ قضيته، أنا حقيقي مستغرب إني بشوف فيلم زي ده في السينما وانه متمنعش من الرقابة عندنا، عشان كده متوقع انه يتمنع في أي وقت.