السينما نافذة العالم للتعرف على الواقع والخيال فالمشاهد التي تخرج منها تصنع ملاحم وبطولات في عقول وقلوب البشر فالسينما قصيدة تحمل سطورها ارواح تائهة تبحث عن مرفأ الانسانية فلقد جلبت هذه الصناعة السحر والجمال والنقاء الى عالم الابداع المصور والمتحرك ولقيت بأعجاب واهتمام الملايين في كل الاتجاهات الاربعة ......
فالقضية 23 ( الاهانة ) خرج من هذه النافذة وصنع خلفية لفهم ماهية الابعاد الخفية في مجتمع ضاق بالحرب والدم فهو الفيلم الذي تحول لقضية اثارت جدلا واسعا فمنذ صدوره اعتلى منبر الحرف والكلمة من حيث القصة تلاه صعوده الى العالمية من خلال المادة التي يحملها The Insult فيلم مجنون متوحش وحزين وقاسي وغني بالمشاهد الجريئة وثري بالقيم والمبادىء وان حملت وجها تأريخيا لكنها باقية وتتبلور وفق النهج والمسار برؤية معاصرة فحكاية الفيلم تمزج القضية الفلسطينية بالحرب الاهلية اللبنانية فالارتباط بينهما يحاصر الزمن والمكان في زاوية لا تحتمل سوى طرفين كل واحد منهما يفهم التأريخ حسب موقعه وترتيب الاحداث فياسر اللاجىء الفلسطيني مر بتجارب قاسية في حياته والقدر يضعه امام طوني المسيحي الذي ينتمي لاحدى اقوى التيارات اللبنانية السياسية والتي تعرف بالقوات اللبنانية هو ايضا مر بتجربة مؤلمة وبشعة في طفولته ابان فيضان الدم في السبعينيات من القرن المنصرم والقتال الاهلي بين الفصائل اللبنانية والفلسطينية والتي اتخذت طابع الجبهة والحركة فبين الطائفة والمعتقد والدين واليسار والحرية والكرامة والمقاومة انقلبت موزاين الحياة في سويسرا الشرق وخلفت ورائها الحطام والدمار في الانسان والبنيان ......
فالحرب هو قضية L'insulte لكن التحول الحاصل هنا والذي يمكن مقارنته بالافلام التي صنعتها السينما اللبنانية يكمن ان جميعها خاضت الحرب بمشاهد الرصاص والدخان على عكس هذا الفيلم الذي اتخذ الحرف والكلمة وسائل لمحاكاة قصص وحكايا الحرب فرغم انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية وانتهاء فصول وبداية اخرى للقضية الفلسطينية لكن يبقى الالم والوجع حاضرا في احداث الفيلم وبكميات كبيرة تدمع عين المشاهد وترهق قلبه بالماضي الذي التف حول المأساة وهذا ما جعل الفيلم يتصدر واجهة المهرجانات العالمية من حيث الجوائز والممثلين الذين قاموا بتأدية ادوار البطولة فيه اثبتوا جدارتهم في التعاطي والتعامل مع الواقع الخالي من رواسب وشوائب الخيال من خلال نافذة جريئة تتخطى الخطوط الحمر حيث انني سبق وكتبت مقالا فنيا عنوانه السينما اللبنانية هي الانعم والتونسية والمغربية والجزائرية هي الاروع والارقى نشر في عدة صحف ورقية ومواقع الكترونية حيث فسرت وحللت اسباب وعوامل نهوض وتفوق السينما اللبنانية ومعها الجزائرية والمغربية وها انا اعود واكتب ان السينما اللبنانية هي الانعم كونها ترصد الوجه العبثي للحرب مليء بالمشاعر والاحاسيس بداية بأعمال مارون بغدادي وصولا الى نادين لبكي وزياد دويري .....
فقضية 23 L'insulte The Insult فيلم كبير ورائع وناجح ومتميز ويعتبر مادة سينمائية حية لا تقل عن الوثائقية يمكن اعتمادها كمصدر حقيقي في معرفة تأريخ الحرب الاهلية اللبنانية 1975 -1990 ويستحق ان يصنف ضمن الاعمال الخالدة في السينما العالمية فحضوره في قائمة الاوسكار 2018 ضمن فئة احسن فيلم اجنبي ما هو الا ثمرة جهد فكري وفلسفي عميق له جذور لأنه اجتاح العقل والقلب بموجات من الحزن والقهر مخلفة ورائها نشوة الروح المتلهفة لغد ومستقبل مليء بصخب المحبة والسلام فهو كتاب شهي محصن ضد الملل صنع بوسائل حديثة وطبع على شكل فيلم سينمائي كي يغذي فكرة انسانية مجردة من التصالح مع الذات ( الذات ) التي تحمل عبء الكراهية والحقد ضد فسيفساء الجسد بالمقابل ( الذات ) التي تعطي الامل وترسم الطريق وتلقي بفرص النجاة للخروج من الازمة التي تعيشها حضارة البشر .....
ايفان علي عثمان
شاعر وكاتب - اقليم كوردستان العراق - دهوك