بعد عدة أيام فقط، من نزوله فى دور العرض، تلقى فيلم “آخر مآتة”، لأحمد حلمي وخالد مرعي، سيلاً من الآراء السلبية، من النقاد والجمهور، على حد سواء، ومن المتوقع، عدم تحقيق الفيلم لإيرادات ضخمة وإنسحاب الجمهور عنه تدريجاً.
فلماذا كل ذلك؟ وهل خيال مآتة فيلم سئ حقاً، أم ما يحدث هو مجرد نتيجة لسقطات الماضي؟
تكرار الأخطاء السابقة
لقد كانت ردة الفعل هذه متوقعة، من قبل صدور الفيلم حتى، بالنظر إلى تجارب حلمي الأخيرة، وهنالك سببين رئيسيين لذلك:
السبب الأول، اعتماد حلمي على قالب درامي واحد، موجود فى كل أفلامه تقريبا، على اختلاف كتابها ومخرجيها:
شخص ناجح مهنياً، لكنه يمتلك صفة إنسانية سلبية، تؤثر على علاقته بمن حوله، لكنه يتعرض لتجربة، تجعله يغير من نفسه، ويدرك مشكلته، لينتهي الفيلم بموعظة، عن سوء تلك الصفة. هذا القالب المتكرر أصبح كالخلطة، التي هضمها الجمهور وملل منها.
السبب الثاني، هو التسرع فى عملية صناعة الفيلم، من الكتابة، إلى الإنتاج، وما بعد الإنتاج، بشكل يفقد الفيلم، فرص كوميدية عديدة، ويجعل بناء أحداثه، وشخصياته، ونهايته، مبتورة، وغير مشبعة، وهو ما حدث في فيلمي، “على جثتي”، و”لف ودوران”.
وللأسف، فكل هذا الفجوات والأخطاء، تكررت مجدداً فى “خيال مأتة”.
بناء مهزوز وفرص كوميدية مهدرة
قصة الفيلم، تدور حول شخصية “يكن”، العجوز البخيل، الذي يعيش حياة مزدوجة، فهو ظاهرياً، شخص متوسط الغني، يمتلك مقهى. لكنه فى واقع الأمر، سارق ومحتال محترف، شديد الثراء.
عقدة الفيلم، هو بروش أم كلثوم، الذى سرقه "يكن" منها فى السيتينات، ولكي يبيعه، يحتاج إلى نسخة، طبق الأصل منه، صنعها صديقه، ويستنجد بحفيده، الذى يشبهه تماماً فى شبابه، ليقوم بالنصب على صديقه القديم، ويحصل على العقد المزيف.
قصة الفيلم وحدها، نواة لفيلم كوميدي مميز، بما تحمله من مواقف ومفارقات، لكن للأسف، فسيناريو الفيلم، لا يستغل هذه القصة، الإستغلال الكافي.
فبناء العجوز البخيل، يسمح بمواقف كوميدية، أكثر مما ظهر، بالإضافة إلى مفارقة الحياة المزدوجة، لدى "يكن" ورفاقه، التي اكتفى السيناريو، بمشهد واحد فقير، لإظهارها.
الفيلم كما قلنا، يسير على نفس خلطة حلمي المعهودة، “يكن” شخص ناجح “غني”، يمتلك صفة سلبية “البخل والأنانية”، تؤثر على علاقته بمن حوله، “حبيبته، وابنته وحفيده، وأصدقاءه”، لكنه يمر بتجربة، تجعله يغير من نفسه، ويدرك مشكلته، لينتهي الفيلم بموعظة، توضح سوء تلك الصفة، وما حدث فى حياته، عندما استطاع تغيرها.
المشكلة ليست فقط فى تكرار الخلطة، بل فى عدم حبكها، واستغلال القصة، الإستغلال الأمثل.
جاء بناء الشخصيات، مضطرباً، وغير متوازن، فبخلاف شخصية "يكن"، كل الشخصيات الباقية، أحادية، بلا ملامح، وبلا تاريخ، ودوافعها غير واضحة.
كيف عملت "آسيا" مع "يكن"؟ وما سبب تعلقها بها؟ ومتى وقعت فى حب الحفيد؟ ما سبب خيانة "خليل" ل"يكن"؟ وكيف اختفى فجأة من حياته فى الستينات؟ كيف تتطورت رحلة "يكن" مع "الكيان"؟ وما هو "الكيان" أصلا ؟ وكيف يعمل أعضاءه؟ ما هي شخصية بيومي فؤاد؟ بل وما هي شخصية الحفيد، الذى يقوم بدوره أحمد حلمي نفسه، فنحن نراه يستعين بجيرانه وأصدقائه، فى عملية النصب، ألم يكن بمقدار السيناريو إظهار ولو مشهد يبرز علاقتهم به من قبل؟
قيمة فنية وإنتاجية عالية عابها التسرع
سيناريو الفيلم، به الكثير من التحديات الإخراجية، فلدينا هنا، زمنين، زمن السيتنات، والزمن الحاضر، بالإضافة إلى وجود شخصيتين، يلعبهما نفس الممثل، أضف إلى ذلك، إن أحدهما، طاعن فى السن، يحتاج إلى الكثير من الماكياج.
الحق يقال، فإن خالد مرعي، نجح فى كل هذه التحديات، فالتصوير والديكورات والملابس والتلوين، كل هذه العناصر كانت شديدة التميز.
أما أحمد حلمي، فيمكن القول أنه يلعب ثلاث شخصيات، وليس فقط شخصيتين، "يكن"، فى شبابه، "يكن"، فى شيخوخته، و"زيزو"، حفيده.
عمد حلمي إلى التجسيد الآمن، فى شخصية "زيزو"، بينما منح "يكن" صفات، ولزمات، كلامية وحركية، مميزة، فى كل من شباباه، وشيخوخته.
كل هذه التفاصيل، تحسب للمخرج، خالد مرعي، لكن يمكننا القول، أن مرعي، نجح فى مرحلة الإنتاج، وفشل فى مرحلة ما بعد الإنتاج.
مرحلة ما بعد الإنتاج تشمل، المونتاج ومكساج شريط الصوت، وكلا العنصرين، عانا من المشاكل.
الفيلم إيقاعه بطئ، بما لا يتناسب مع إطار أجواء أفلام الإحتيال وألعاب العقل، التي لجأ إليها السيناريو، بالإضافة إلى فشل المونتاج فى ضبط قطعات بعض المفارقات، التي بها فرص كوميدية. أما مكساج الصوت، فعانى من مشكلة، فى دمج صوت الحوار، مع صوتي، المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية، وانخفاض درجة علموه، عنهما.
أما النهاية، فجائت، مبتورة مونتاجية للأسف، مثلها مثل نهاية لف ودروان.
هل “خيال مأتة” بهذا السوء فعلا؟
فى واقع الأمر، فإن الفيلم، ليس سيئاً حقاً، فبرغم ثغراته، يظل أفضل من أخر ثلاث أفلام لحلمي . لكن مشكلته، إنه أتى بعد غياب طويل لحلمي، ارتفعت فيه توقعات وآمال جمهوره، الذي لم يجد غير الخلطة المعتادة، بثغرات كثيرة وكوميديا شحيحة، مما تسبب فى ضياع مجهود، كل من حلمي ومرعي، بشكل قد يجعل، “خيال مآتة”، نهاية شراكتهما السينمائية الناجحة.