يوسف شاهين: النسخ المُرممة

برنامج لعرض 20 فيلم مُرمم من أهم أعمال المخرج يوسف شاهين بيتم عرضها في نسختها الجديدة لأول مرة على مدار عشرة أيام من 12 لـ 22 سبتمبر.
  • المدة:
  • 12 سبتمبر 2018 - 22 سبتمبر 2018

صور

  [21 صورة]
المزيد

أخبار متعلقة

  [21 خبر]
  • فعاليّة شاهين: صراعيّ الـ"وادي" والـ"ميناء".....

    • 6 سنوات
  • في صباح اليوم اﻷخير من فعالية "النسخ الشاهينية المرمَّمة"، عرض فيلم صراع في الوادي (۱۹٥٤)، وفي أُمسية يومه السابق صراع في الميناء (۱۹٥٦)، ويعتبر الكثيرون الفيلمين هم أهم أفلام يوسف...اقرأ المزيد شاهين الفنيّة، قبل صناعته للفيلم الذي غيّر دفة مسيرته الفنيّة كمخرج وصناع أفلام "باب الحديد" (۱۹٥۸).. ورغم أن الفيلمان في النظرة اﻷوّلية لهُما -بقراءة ملخص قصصهما- هم متقاربان إلى حدٍ كبير، إلا أن الاختلافات بينهما كثيرة. صحيح أننا نتحدث عن الصراع الطبقي اﻷزلي في المجتمعات، وصحيح أن هناك (جريمة قتل) تحرّك اﻷحداث هنا وهناك، إلا أن صراع عن صراع يختلف. بالنسبة لي، صراع في الميناء/الفيلم الثاني هو الفيلم اﻷقوى واﻷكثر تميزًا، ليس فقط ﻷنه اﻷكثر نضجًا من حيث القصة التي تبدو قد تحررت من نقاط سلبية بالفيلم اﻷول سأتناولها بشيء من التفصيل في قادم الكلمات، لكن أيضًا ﻷنه اﻷكثر صعوبة في التصوير باختيار استخدام اللقطات الطولية (One Shots) في المشاهد الحوارية التي تنفعل بها الشخصيات (هناك لقطة طولية في هذا الفيلم تبدأ في الساعة والثالثة عشر دقيقة، وتستغرق ۱٥۹ ثانيةً هي من أفضل اللقطات الطولية التي رأيتها في أفلام السينما المصرية)، إضافةً لطبيعة البحر ذاته الذي من المؤكد أن تصوير مشاهد داخل محيطه تكون أخطر وأكثر صعوبة (أقول فقط أنه عامل إضافي يُصعب من مهام رحلة تصوير الفيلم، لا أنّ شيئًا كهذا له اهتمام بعيد عن سياق استخدامه في الحكاية). . . . . صراع في الوادي يتحدث عن قرية بجنوب الوادي يأمل أهلها يومًا ما بإنتاج قصب يقارع قصب الباشا الملك، ويفوز بالمركز اﻷول في الجودة، وهذا شيء تقوم بفعله شركة القصب سنويًا (تصنيف وقياس جودة المحاصيل)، وبمقتضى ذلك تقوم بشراء كل إنتاج القصب أوّل الجودة في حين أن صاحب المركز الثاني أو الثالث يلقى مكانةً أقل. وعندما يحدث للقرية أن يفوز قصبها، وتتحول أجواءها لعيد من شدة فرحها، يقوم الباشا بعَمَل حيلة ﻹيقاع أهل القرية ببعضهم حتى يُفشل نجاحهم الزراعي ويُفسِد محصولهم، وتركز القصة على الشخصيتين "أحمد" و"آمال" (عمر الشريف وفاتن حمامة)، ابن العائلة الفقيرة من هنا، وابنة الباشا من هناك، اللذان يجمعهما علاقة غرامية نتيجة صداقتهُما منذ الصغر. لنرى كيف سيواجه "أحمد" متاعب الباشا وصاحبهُ الدنيء "رياض" (فريد شوقي) الذي يستغل مطالب الباشا طمعًا في ابنته، خاصةً عندما يُقتَل أبو "أحمد" نتيجةً عن هذا التلاعب. بينما قصة صراع في الميناء مختلفة قليلًا، فهي تبدأ بعودة الابن الضال "رجب" إلى الميناء المكان الذي عاش وتعلم وتربى فيه، يعود بعد ثلاث سنوات قضاها بعيدًا عنه متنقلًا في البواخر حتى يوفر المال له وﻷمه. وحين يرجع موطنه يجد الكثير من التغيُّرات طرأت عن الميناء عما اعتاد عليه حينما هاجر، أول هذه اﻷشياء هي "حميدة" ابنه خالته التي سافر أصلًا لها، حتى يجمع ما هو مناسب لزواجها، فهو يجدها أكثر جمالًا، ويجد نفسه تتملكه الغيرة عليها من أهل الميناء. واﻷمور تنفجر في وجههُ عندما يعلم أن صديقه المُقرّب "ممدوح" (أحمد رمزي) قد استغل غيابه ليتقرّب منها وليسمح لنفسه بالوقوع في غرامها. اﻷمر الذي يجعل "رجب" في قمة غضبه وعنفوانه ﻷنه لا يتصوّر أن يتجوز شخصٌ ما ابنه خالته سواه. الصراع، أيّة صراع نتحدث عنه هنا؟ الفكرة أو التيمة الرئيسية في الفيلمين هو صراع الطبقات، وهي من أشهر التيمات التي تناولتها السينما المصرية، وغير المصرية. والصراع هنا يأخذ عدة أشكال يتعدى بها المفهوم اﻷوّلي الدارج لصراع الطبقة الغنية والفقيرة (صراع من يملك المال، ومن يتمنى امتلاكه)، فهُناك -في "صراع في الميناء"- صراع فكري بين شخصية "حميدة" وذاتها في الاستماع لمناداة "ممدوح" الغرامية لها، كأنّها تتسائل هل يستلزم عليّ العيش والجواز من شخص من طبقتي، ولا ممكن أبص لفوق؟ تقول لها أمها "لو كنتي ناوية تبصي علّيوي، يبقى عليه العوض فيكي وفي تربيتي ليكي، ده اللي يبُص لفوق تتعوج رقبته، جرالِك ايه، فوقي لنفسك". هناك صراع عاطفي بين "رجب" و"ممدوح" في الفوز بقلب الفتاة التي يتشاجران عليها. هُناك صراع "فعلي" يحدث بين عمال الميناء وبين مالك الشركة. أما في "صراع في الوادي"، ففكرة الصراع هُنا واضحة للعيان بين الشاب المنحدر من عائلة فقيرة والفتاة بنت الباشا، صراع في جوّانياته بين التقاليد التي تربى عليها (اﻷخذ بالثأر، الابتعاد عن عائلة الظالمين)، وبين الحب الذي يغيّر العادات ويُحرّك العواطف فيه، ربما لهذا السبب قَصَد شاهين أن يميل ناحية الميلودرامية المُطلقة في نهاية أحداث هذا الفيلم حينما يقوم "عمر الشريف" بعمل مشهده الشهير بالبُكاء مع وجود موسيقى ميلودرامية حادّة تعلو فجأةً، وهذا قد يكون أمر منطقي لمن يُتابع اﻷفلام المصرية القديمة التي أخدت الكثير من المسرح وأصبح معظمها يميل لميلودرامية اﻷداء، والقصص ذاتها. الاختلافات.. أما الاختلافات، أو باﻷحرى نقاط تميُّز كل فيلم عن اﻵخر هي في العلاقة بين شخصيات الفيلم والقصة، فنجد في "الوادي" أن القصة هي ما تُحرّك الشخصيات؛ فتبدأ القصة على لسان "أحمد" الذي يحكي رغبة أهل القرية ومُناهم أن يومًا ما، حلمهم يتحقق بأن يصل قصبهم للمستوى اﻷول. والقصة بذلك هي ما تفرد أجنحتها على العمل، أو باﻷصح هي ما تريد حكي نفسها.. وشخصيات الفيلم تقوم بالتحريك وفقًا لهذه القصة. بينما في "الميناء"، الشخصيات هي كل شيء؛ فالشخصيتين التي جسدهما "عمر الشريف" و"فاتن حمامة" تمتلكان كاريزما خاصة، وطابع فعلي وشعوري خاص، وهذا يتضح على أدائهم الشعبي المنفتح الذي يغلب عليه اﻷريحيّة والـ"انفعالية" حين يغضبوا. ونحن نتابع القصة من واقع متابعتنا لهاتان الشخصيتان وما تفعلانه (وعلاقتهما ببعض)، أي أن القصة تحكي عنهما باﻷساس، عن صراعهما "الغرامي" لا عن صراع جمعي يشترك فيه كل أهل الميناء كما حدث في الفيلم اﻷول، هذا على الرغم من محاولة القصة المزج بين قصة الثنائي هذا من ناحية، وقصة معاناة أهل الميناء ورغبتهم بتحسن اﻷوضاع وربما التمرُّد على مديرهم من ناحية أخرى، التي تبدو هنا مُشابهةً لبعض تفاصيل القصة بفيلم إيليا كازان الشهير (On the Waterfront) الصادر قبل سنتين من إنتاج "صراع في الميناء". لذا، ففي "الميناء" الفيلم أمتع وأكثر إثارة ﻷن التورّط مع الشخصيات حاصل بقوّة على عكس القصة التقليدية الشهيرة في "الوادي" عن صراع الطبقات والتعدي على القانون من الطبقات العليا بدافع الطمع والجشع على حساب الطبقات الدنيا، ومن هُنا تكمن قوة "صراع في الميناء"؛ أنه فيلم يمكن التواصل معه بسهولة في أي وقت ﻷن صراعاته بين "الشخصيات"، ويُمكنها الحدوث في أي وقت وفي أي بقعة مكانية بالعالَم. بينما قد يجد البعض "صراع في الوادي" أنه لا يُشاهد أكثر من مرة أو مرّتين، رغم أنهما ستكونان مرتين رائعتين ﻷن الفيلم قوي للغاية. أبرز تلك الاختلافات بين الفيلمين يمكن في طبيعة الشخصيتين البطلتين المختلفتان قلبًا وقالبًا عن بعض. فعمر الشريف وفاتن حمامة استطاعا تغيير جلدهُما والانتقال من شخصية ﻷخرى في مدة قليلة بين الفيلمين. . . . . أما بذكري في وقت سابق في المقالة عن النقاط السلبية الحاصلة في "الوادي" والتي استطاع "الميناء" تجاوزها، فهي أن ثنائية الفقر/الغنى (التي هي قوام الحكايتين) تأخذ عدة معاني في قصة "الميناء"، بينما تتسم بالنمطيّة والبُعد الواحد في "الوادي"؛ فـ"رجب" في "الميناء" كان يؤمن أن عزة النفس والشرف والكرامة هو الغنى الحقيقي، لذلك القصة لا تتطرّق ﻷي جوانب ماديّة حينما يتصارع مع "ممدوح" (رغم أنه صراع ماديّ باﻷساس)، فالشخصية هُنا تعطي معنى وبُعد إضافي لمصطلح (الغنى) بالقصة، بينما هي في "صراع في الوادي" لا تتعدى مجرد الصراع الطبقي المعروف للجميع، لذا، بضعة تفصيلات في القصة كانت أكثر ذكاءً في أن تستحوذ على اهتمام المُشاهد في الفيلم الثاني عنها في الفيلم اﻷول. ويجب اﻹشارة هُنا أن "صراع في الميناء" قام بتأليفه أربعة أشخاص من بينهم "شاهين" ذاته، بينما "الوادي" ألّفه شخصان فقط، هم "علي الزرقاني" و"حلمي حليم". سواءً أحببت صراع الميناء أكثر أم الوادي، لا يمكن اﻹنكار أن الفيلمان يتمتعان بنقاط قوة عديدة تجعلهما من أفضل اﻷفلام التي ناقشت فكرة صراع الطبقات في السينما المصرية، مع أفلام مثل "رد قلبي"، "اﻷسطى حسن"، "حتى لا يطير الدخان"، وبالتأكيد رائعة صلاح أبو سيف "بداية ونهاية".


  • فعالية شاهين: المهاجر وسيمفونية الرحيل.

    • 6 سنوات
  • من الساذج النظر إلى ما يرويه شاهين أو بالأحرى ما يقتبسه يوسف شاهين من التاريخ الإنساني على أنه تأريخ للأحداث، أو حتى صياغة ذاتية مختفظة بالقوام القصصي الرئيسي، فنهج القص الشاهيني...اقرأ المزيد -كما هو واضح للعيان- لا يلتزم بحقيقة تاريخية، ولكنه يسعى وراء حقيقة فلسفية، ينتزعها من روح الشخصية التي يجسدها بنظرته الخاصة، المختلفة والجريئة، العميقة والعفوية، وهذه النظرة لا تتحلى أبدًا بالصدق، ولكنها لا تعمد الكذب، أو بتعبير أدق لا تسعى لتزييف التاريخ، أو حتى إعادة النظر إلى صفحاته بصورة مغايرة، لغرض سياسي او اجتماعي يمس الشخصية نفسها، ولكنها -نظرة يوسف شاهين- تطمح إلى التصوير الذاتي للحكايات الثرية، وخصوصًا تلك التي تتحلى بطابع ملحمي، أو تتبرج بصورة بصرية بديعة، على أن هذه الصورة ستصبح مجرد شكل مظهري، روحه نفخها شاهين من روحه، وبثها أفكاره وخواطره وتساؤلاته، وحرك شخصيته في مكانها وزمانها، وفي أجواء وطابع عام يشبه الطابع الخاص بهذا الزمن وهذا المكان، ولكن القصة نفسها لا تتحرك كما تحركت القصة في تراثها، والشخصيات لا تتحدث بنفس العبارات التي انطلقت منها في صراعها الحقيقي الأصلي من التاريخ الإنساني ككل، والديني بشكل خاص في حال الحديث عن فيلم المهاجر، أي ان يوسف شاهين يحتفظ بالزمان والمكان والشكل البصري العام، مع خلق الحالة المسايرة للمضمون الشكلي، ثم يخلق مضمونًا قصصيًا وتعبيريًا خاصًا به، وبنظرته المغايرة، أي أن عملية الصناعة السينمائية هنا لا تعد تزييفًا أو تغيرًا أو تشويهًا، بقدر ما هي رواية لأحلام سينمائي محنك، عن قصة أثارته وحركت فنه. وهنا تأتي المعضلة الوصفية، أي تأتي الحيرة في اختيار المسمى الحقيقي لهذا العمل، هل يقول يوسف شاهين أنه رؤية ذاتية لقصة نبي، جسدها في شكل إنساني بحت حتى يخلص نفسه من أي قدسية قد تعيقه من رسم أحلامه بحرية؟ أم يصفها بأنها مجرد قصة مقتبسة من التراث الإنساني لا علاقة لها بأي رمز مقدس؟ في الحقيقة أمر المعضلة انتهى بتبني الوصفين، وصياغة كلا منهما في المناخ الاجتماعي والثقافي المناسب لكل وصف منهما، ففي بداية الفيلم تظهر فقرتين كلاميتين، واحدة بالعربية، والأخرى بالفرنسية، العربية تصف الفيلم بأنه مجرد اقتباس من تراث الإنسان؛ أما الفرنسية فوصفته -الفيلم- بأنه تجسيد لقصة حياة النبي "يوسف" ووالده "يعقوب". وبعيدًا عن أنه مستهل متناقض ومتساهل في التعامل مع الجمهور، إلا أننا نستطيع أن نقول أن شاهين أمسك العصا من منتصفها كما يقول المثل الشعبي، فهو من ناحية حكى ما كان يرغب في أن يحكيه، وبالطريقة التي راقت له، وأوضح غرضه الفني أمام الجمهور الفرنسي، وربما كسب احترامهم وتقديرهم نظرًا لأنه تعرض لتابوه (تجسيد الأنبياء)، ومن ناحية أخرى أخمد قليلًا من نيران الغضب التي قد تشتعل ضده في المجتمع العربي بأن تظاهر ببعد فيلمه عن تجسيد الانبياء. وبعيدًا عن المظهر العام للفيلم ، وتعرضه الفني لتابوه، يمكننا استقراء متسع كبير من المفاهيم الإنسانية، ومن الصراعات النفسية، في حالة سينمائية مميزة ومعبرة عن الكثير، وهي حالة وليدة للحكاية الأصلية، والصورة البصرية العامة لتصويرها، وما يكسوها من شريط صوت وموسيقى، إلى جانب طبعًا الطابع الذاتي في التكوين والسرد. هذه المفاهيم والخواطر الكامنة في جوف الحالة الخاصة تطرقت إلى شتى المشاعر والتجارب، فهو فيلم عن الرحيل في المقام الأول، أو على الأقل هذا المفهوم في حد ذاته - أي مفهوم الرحيل- جاء في الصدارة، أي جاء في العنونة، ليكن اسم الفيلم "المهاجر"، لا "رام" مثلا، أي أن الفيلم لم يعر لاسم الشخصية -والتي من المفترض أنه بصدد التطرف إلى حياتها- نفس الاهتمام الذي أعاره للحالة، أو بالأحرى كناية من كنايات "رام"، بيد أنه -الفيلم- اختار لفظًا وصفيًا للحالة أو للحدث الذي ستخوض فيه المشاعر والصراعات الرئيسية، ولم يختر وصفًا يشير إلى المكانة والمنزلة التي حظى بها "رام" في تاريخ الإنسانية، كأن ينعته بلفظ "ابن يعقوب" مثلًا، ناهيكم عن أن اسم "يعقوب" لم يظهر إلا في المقدمة الكلامية للفيلم. وبهذا فأن الفيلم لا يروي قصة إنسان عظيم، بقدر ما هو يروي قصة إنسان فقط، مبالي في مجمل الأحيان باستعراض طبيعة كونه إنسان أكثر من امكانية كونه مصلح وخّير، تجسيد مختلف لطبيعة إنسانيته لا لطبيعة عظمته ولا لمكانته ومنزلته، فهو "رام" الإنسان البسيط، الضعيف وسط أخوته، السعيد بين يدي أبيه وحكمة أبيه، الحالم بأن يدب المروج الخضراء في قلب الصحراء، المتردد عندما تثور الشهوة في الأعضاء، والولهان عندما تتموج العاطفة على الألسن والشفاه، أو وعندما يتبرج كلا منهما -الشهوة والعاطفة- في حسن مليح، أو حسناء هيفاء.


  • فعاليّة شاهين: عودة الابن الضال.. المأساة...

    • 6 سنوات
  • “آدي اللي كان وآدي القدر وآدي المصير.. نودّع الماضي وحلمه الكبير” "المأساة الموسيقية".. هكذا وجدت بوستر الفيلم يُخبرني أثناء تقليبي في صفحات "مجلة الفيلم" قبل أن أُشاهد الفيلم...اقرأ المزيد ببضعة أيام. لذا فتوقعت أن يكون العمل ملحمي على صعيد الموسيقى، وعلى صعيد استخدام هذه الموسيقى داخل القصة، فمن شاهد أفلام يوسف شاهين يعلم مدى وَلَعه بالموسيقى سواءً التصويرية منها، أو المشاهد الاستعراضية الموسيقية، وهو دائم الربط بينها وبين قصصه التي يحكيها. (مأساة) توحي بالهول والفجاعة والتراچيديا للأمور، و(موسيقى) توحي بالمرح والتعبير والحياة. لذا، لم أعلم تمامًا ما يُمكن أن أنتظره، لكني كنت متحمس بشدة لتناول الوليمة الدرامية هذه أيًا كانت، ﻷني أعلم أن هذا الفيلم يعدُّه الكثيرون من أفضل أفلام شاهين والسينما المصرية، وﻷن تذاكر دخول الفيلم -الذي عرض باليوم التاسع من فعاليّة النسخ المُرمَّمة- كانت قد نفدت كلها قبل يوم ونصف من العرض.. ربما هو بالفعل أكثر فيلم بالفعالية حصد إقبالًا جماهيريًا. لكن ومُبكرًا جدًا، ما جاء بدا مناقضًا تمامًا لما يمكن توقعه؛ فالمشهد الافتتاحي التتري الرائع الذي لا يتعدى الدقيقتان والنصف به تلاعب بتأثير الموسيقى حيث اﻹتيان بمشهد (حزين) يصحبهُ موسيقى (سعيدة)؛ فيبدأ الفيلم والكاميرا تراقب مهرج من خلفه في الظلام الدامس، يصعب تمييز ملامحه أو شيئًا من شخصيته، يقوم بالتبرّج أمام المرآة للعرض الذي سيقدّمه، والمقطوعات اﻷوّلية التي تأتي في موسيقى الدقائق اﻷولى من الفيلم تكون مرحة، لكنها تتحول للطابع التراچيدي.. ثم تنقطع في اللحظة التي يهيم فيها المهرج بالبُكاء (كأنها تحترمه) خمسة عشرة ثانيةً -فيها يظهر اسم "يوسف شاهين" المخرج- وبعدها، تعود الموسيقى المرحة، موسيقى السيرك. بداية عبقرية تُحطم أية توقعات موضوعة، وتُعطينا فكرةً عن الفيلم الذي نحن مُقبلين عليه؛ فيلمًا سيكون مأساويًا في أجواءه وربما في وقعُه نعم، لكن المأساة تحدث في عالمٍ مرحٍ باﻷصل كالسيرك (فرحة عودة الابن الضال - والحزن الذي يأتي به الابن الضال). هُنا لا تكون المزيكا مبهجة، بل يُمكن أن تكون مُحطّمة تُعمّق من الجرح. ينقلنا شاهين بعد هذه الافتتاحية إلى مجريات قصتنا (قهوة ونادي سينما ميت شابورة) لنعلم أن "طُلبة" (شكري سرحان) هو صاحب المكان وصاحب المعصرة (المصنع) الذي لا يطيق أن تتعطل إحدى ماكيناته، ونعلم أنه هو الابن اﻷكبر الذي تقرّر أن يتولى مسؤولية الاعتناء بممتلكات العائلة (الأرض والحظيرة والمصنع ودار السينما والمقهى)، فتَرَك دراسته في الكلية الحربية وتفرّغ لمصالح عائلته. بعدها تنتقل اﻷحداث للحبيبان "إبراهيم" و"تفيدة" في يومهُما الدراسي اﻷخير بالثانوية، وتبدأ الموسيقى بالظهور من جديد في مشهد في منتهى الجمال وأغنية "باي باي" التي تعتبر قصيدة شاعرية للأيام الجميلة المنقضية في تلك المدرسة. الفيلم ربما لا يقتصر على حكي تناقضات حياتيّ الشاب الخارج للتو من الثانوية والراغب بالسفر للخارج لدراسة چيولوچيا القمر وعلم الفضاء (إبراهيم)، والشاب العائد للتو من غُربة أوروبا بعد أن عاش اثني عشر عامًا ذاق فيهم الويلات وأشكال القهر والمُعاناة المختلفة (علي)؛ فنُصِبَ عليه ودخل السجن، وفشل في تكوين الثروة التي حلم بها.. ربما من الظلم إقتصار الفيلم على هذا البُعد، لكنه ما رأيته وأكثر ما أثر بي، ومن هُنا سأحاول الحديث قليلًا عن هذه الثنائية. صحيح أن جانب صراع اﻷخوّة بين طُلبة/اﻷخ الكبير الذي تعب واستحمل رضاءً لعائلته، واﻷخ اﻷصغر/علي الذي عاد لوطنه فارغ اليدين وكان مُنتظر منه أن يصبح مهندسًا كبيرًا وربما مليونيرًا، هذا الجزء من الصراع هو فعلًا ما تدور حوله حبكة الفيلم في اﻷساس؛ فالفيلم يحكي عن مرحلة "عودة" هذا الابن الضال لعائلته، والمشاحنات التي ستنبثق من هذا الفعل في طيات هذه العائلة. لكن بالنسبة لي تعاطفي ذهب ناحية قصة "إبراهيم"، وإن كانت باقي قصص هذه العائلة الكبيرة هامة ومؤثرة، وقوية في كل شيء، لكني أشعر أني بحاجة لمُشاهدة ثانية كي أُجمّع اﻷمور كلها من جديد. حسنًا، دعونا اﻵن نتحدث عن هذه الثنائية؛ الابن اليافع والابن الضال.. هم ليسا أخوة حتى يتم مُقارنتهم من منظور ذات العائلة، لكنهم أقارب من الدرجة اﻷولى (علي هو عم إبراهيم، ﻷن إبراهيم هو ابن "طُلبة") ويشتركان في ذات هاجس الهروب من البلد، لكن المنظور مختلف، فكيف كان الاختلاف؟ إبراهيم المستقبل، وعلي الماضي هناك في الدراما ما يسمى (Anti-Hero) أو نقيض البطل، ودوره غالبًا ما يكون إعطاء معلومات عن سمات وشخصية البطل من خلال كون هذه الشخصية تتميز بمتناقضات الفكر أو الفلسفة الموجودة عند البطل، فيكون دورها إظهار هذه الصفات، فتظهر شخصية الـ"بَطَل" الحقيقية في المواقف التي يستفزها فيه البطل الضد، فتصبح بمثابة "رد فعل". هُنا تحدث ذات الفكرة، نحن نعلم الكثير عن "علي" عبر شخصية مناقضة له في مجريات ووقائع حياته ("إبراهيم" الذي جسده "هشام سليم" حينما كان لا يزال في السادسة أو السابعة عشر)؛ شخصية كل أملها السفر بالخارج ولديها من اﻷحلام والطموحات ما يجعلها تعتبر الضرب والسب واﻹهانة شيئًا مقبولًا إذا كان سيوصلها لرغباتها في النهاية.. شخصية يافعة جائعة لتحقيق خطوات حياتية كبيرة، وربما عظيمة. يقول "عايز أشوف فيه ايه في الناحية التانية". هكذا نرى شخصية "علي" الذي يتميّز بكل ما هو عكس ذلك؛ فهو مكسور الجناح، مُحبَط، تائه، فاقد للشغف أو الرغبة بشيء، مستسلم تمامًا ﻷمواج البحر التي لا تتركه في حاله فور العودة. الصراع اﻵخر يحدث داخل شخصية "إبراهيم" ذاتها، ليس من جهة تمرُّده على اﻷعراف بالسفر للخارج وما يُصاحب ذلك من رفض لمن حوله ومن صديقته "تفيدة" (ماجدة الرومي) فحسب، وهي التي تعلم أنه إذا هجرها ربما لا يعود مجددًا أبدًا، وخاصةً من أبيه "طلبة" الذي يريده أن يدخل المعهد البيطري القريب من بيت العائلة، لكن أيضًا ﻷن إبراهيم كان ينتظر من علي أنه عندما يعود، سيكون عاملًا مساعدًا ﻹقناعه أكثر على السفر، فهو كمن يتخده مثل أعلى ﻷنه حقق ما هو صحيح من وجهة نظره. وفي عائلةً كتلك ووسط محيطًا كهذا، بالتأكيد عودة الابن الضال مكسور الجناح هو أمر مُحبط جدًا لمعنوياته. كيف كانت الموسيقى، أهي مأساويّة حقًا؟ لا، "المأساة" الحاصلة هُنا ليست في مجريات القصة ولا تجربة المُشاهدة حتى (وإن كانت شخصيات القصة في حالة ألم داخلي ومعاناة نفسية دائمة، تحديدًا "فاطمة" التي جسدتها "سهير المرشدي")، وإنما في المحصلات الختامية، مشهد تفجُّر اﻷحداث الختامي، هكذا تقصد أن تقول الكلمة التي تعتلي عنوان الفيلم على الملصق الدعائي رمادي اللون. لذا فبَعد مُشاهدتي للفيلم، أعتبر وضع جملة كتلك لم يكن مناسبًا تمامًا، ﻷنها يمكن أن تُعشّم المتفرج في انتظار شيء تراچيدي هائل بينما اﻷغنية الوحيدة التي تنطبق عليها المقولة هي اﻷغنية اﻷخيرة بالفيلم، أحد أشهر اﻷغنيات التي غنتها "ماجدة الرومي"؛ "مفترق الطرق". . . صحيحٌ أن كلمات اﻷغنيات الاستعراضية الثلاث اﻷولى (باي باي - الساعة - الشارع لنا) كلها تسير في النهج التراچيدي المؤلم التي تُؤرخ ﻷحداث ما بعد نكسة ٦٧، لكن طريقة تقديم تلك اﻷغنيات حُلوَة ومرحة اﻷجواء، وتُحيل الفيلم إلى تصنيف "ميوزيكال/استعراضي" حتى. باختصار؛ الفيلم تراچيديّته تكمن في التفاصيل وفي الحكايات تحت السطح وفي (نهاية أحداثه) بالتأكيد، و"المأساة" هي ما لها الغلبة هُنا نعم، لكن هذا لم يمنع من تقديم الفيلم بشكل بعيد تمامًا عن السياق الميلودرامي هذا. فيلم "عودة الابن الضال" هو فيلم رائع ويستحق المُشاهدة مراتٍ كثيرة ﻷن تفاصيله أكبر من أن تُلتقَط كلها في مُشاهدةٍ واحدةٍ، وهو بالتأكيد من أبرز أعمال يوسف شاهين التي تأتي على الذهن.


  • فعالية شاهين: أنت حبيبي.. عمل غنائي كوميدي...

    • 6 سنوات
  • في نهاية اليوم التاسع من فعاليّة "النُسخ المُرمَّمة"، عرض الفيلم العاشر الطويل في مسيرة "يوسف شاهين"، وهو الفيلم الغنائي-الكوميدي (أنتَ حبيبي)، الذي يُعد أحد أهم الأفلام الغنائية...اقرأ المزيد والاستعراضية في تاريخ السينما المصرية، وهو جماهيريّ وذو شعبيّة كبيرة عند محبي هذا النوع، وقد قيل عنه أشياءٌ كالفيلم الذي صنعه شاهين ولم يصنع لن مثيلًا (فيلم كوميدي خالص)، كما اعتبره البعض من الأفلام التي تُميّز فعلًا هذا الرجل في قدرته على صناعة مختلف نوعيات الأفلام؛ فكما كان (باب الحديد) عملًا طليعيًا بإمتياز على مستوى الموضوع والتمثيل والإخراج، فقد كان (أنتَ حبيبي) فيلم جماهيري قلبًا وقالبًا: فيلمًا مصنوعًا للجماهير، ولكي يقضي المُشاهد ساعتين لطيفتين يضحك ويستمتع، ويقضي فيهُما تجربةً رائعة. يبدأ الفيلم بمشهد عبقري قبل ظهور التترات يُرسي طبيعة (الفيلم الكوميدي) الذي نحن بصدد مُشاهدته؛ فنجد رجال شرطة في حركة سريعة ومضطربة يتسارعون كأنهم على وشك القبض على مجرم خطير.. نذهب بعدها إلى أحد شوارع وسط البلد وقد تم الالتفاف حول رجلٌ يركض هربًا (شخصية "فريد الأطرش") لكي نعلم بعدها بثوانٍ أنه يهرب لأنه "لا يريد أن يتجوز"!، تقبض الشرطة عليه، يأتي أبوه مرددًا "هتتجوز غضبٍ عن عينك وعين أبوك اللي هوّا أنا".. ويُجرّ بالقوة لعُرسه، وهي المرّة رقم أربعة التي يحدث فيها الأمر!. بعدها تظهر التترات في موسيقى كلاسيكية مرحة تضعنا في موود الفيلم الفكاهي، الذي تبدو لنا أجوائه الكوميدية خفيفة الظل تلك قويّة، ونُكاته وأفشاته بها نوعٌ من أصالة ولا تقليديّة الأفكار. بعدها نذهب للجهة الأخرى من القصة؛ "شادية/ياسمين" التي تهيم بالبُكاء مرددةً عبارة "مش عايزة أتجوّز" وشخصية "زينات صدقي" توبّخها بأسلوبها الكوميدي الخاص أن الفتيات في مثل حالتها تكون في قمة السعادة والانشراح. ثلاث دقائق كافية لتعريفُنا نوع الفيلم الذي نحن على وشك قضاء ساعتين ممتعتين أمامه. . . . هذا الفيلم رائع للغاية حقًا، لم أتصوّر أن يُقدّم شاهين عملًا كوميديًا وهيستيريًا في وقعُه، وطزاجة مواقفه كمثل التي قدّمها هُنا.. شاهين يتبنى فكرة الفيلم المصنوع للجماهير في المقام الأول، ويصنع واحدًا من أفلام النخبة في هذا المنطلق، هو شيء مختلف على سينما شاهين الذي تعودنا فيها تقديم جوانب ثقافية وفِكريّة حتى ولو مالت الكفّة لصالح الناحية الجماهيرية على حساب الأفكار التي يريدها شاهين أن تظهر.. هذه حالة خاصة ومميزة وأكثر أفلام شاهين بُعدًا عنه في موضوعها رغم أن الأسلوب هنا واضح عليه البصمة الشاهينية. فيلم معمول بمزاج وروح حلوة.. على صعيد الكوميديا، المواقف فعّالة وسهلة التواصل معها؛ فنحن أمام شخصيتان لا يطيقا بعضهما البعض ولا يتخيّلان كيف يمكنهُما العيش في بيتًا واحدًا سويًا يومًا من الأيام، لكنهما وفي ظل محاولة كلًا منهما إظهار للآخر مقدار ثقل دمه وكرهه له، يتفقان سويًا على "تمثيل" هذه الحكاية حتى يظفران بمبلغ مالي هائل هي ورث العائلة الذي سيكون من نصيبهُما في حالة تمّ الجواز. وتنفجر من هذه الفكرة مواقف ولحظات كوميدية في غاية الجمال على مدار الفيلم؛ سواءً أمام العائلة التي لا يريدانِهُما شم خبر التمثيلية المُحكاة، أو أصدقائهما وعشيق/ة كل شخص منهما اللذان يُقررا الذهاب لرحلة إلى أسوان (هي شهر العسل)، حتى يستطيعا الهروب من فكرة البقاء في بيت واحد، لأنهما لو فَعَلا لقتلا بعضهمُا ! فيلم ميوزيكالي بإمتياز.. وعلى صعيد الموسيقى، الفيلم يحمل أحد أشهر المشاهد الاستعراضية في سينما شاهين المعروف عنه وَلَعه بالمشاهد الموسيقية وبالمزيكا منذ بداية باكورة أعماله السينمائية في فيلم (بابا أمين) الذي جعل "فاتن حمامة" تغني فيه، وتقريبًا كل أفلام شاهين إما بها مشاهد "موسيقية" كتلك (منهم على سبيل المثال عودة الابن الضال، اليوم السادس، المصير، و"إسكندرية كمان وكمان" بالتأكيد)، أو أن يكون فيها اهتمام هائل بالموسيقى التصويرية... هُنا المشاهد المُقدَّمة بـ"أنتَ حبيبي" تصنّف الفيلم فعلًا لفيلم ميوزيكالي على عكس ما رأيته في "ودّعت حبك" الذي به مقتطفات موسيقية لكنها ليست مؤثرة في صلب الموضوع، ولا تحيلهُ لهذا الچونر. ويضمّ "أنتَ حبيبي" أحد أشهر الأغنيات التي قدّمها كلًا من "شادية" و"فريد الأطرش" على الشاشة، كـ(زينة والله زينة) و(أحلفلك ماتصدّقشي) الذي جمعتهُما سويًا، و(مايكونش ده اللي اسمه الهوى) التي غنتها شادية وحدها، و(مرّة يغنيني) من الأطرش وحيدًا، و(يا مقبّل يوم وليلة) التي تراقصت فيه "هند رُستم" في عربة الدرجة الثالثة من القطار وسط الفلاحات والفلاحين بينما الأطرش كان يُطرب الناس بصوته.. لكن أشهر تلك الأغنيات هي بالتأكيد (يا سلام على حبّي وحبّك) التي كانت من المفاجآت السارّة عليّ أن أشاهدها على الشاشة الكبيرة، وهو مشهد موسيقي - كوميدي لطيف للغاية نرى فيه شادية وفريد الأطرش يغنون سويًا الأغنية التي تُأكد كلماتها لعائلتهُما أنهُما هائمين غرامًا وعشقًا، بينما يقومان بمضايقة بعضهما البعض أثناء الغناء. ثلاث ملاحظات.. *من العجيب بالنظر إلى ما قدّمه "شاهين" في (ودّعت حبّك) الذي جمع شادية وفريد الأطرش في ذات العام أيضًا (۱۹٥٧) رؤية مدى التطور والنضج وأيضًا الاختلاف بين الفيلمين، الذي لا أعلم هل قُدّم الثاني (أنتَ حبيبي) نتيجةً لعدم جماهيرية الأول أم ماذا؟، لكن المؤكد منه أن شاهين غيّر كثيرًا من الأشياء في الفيلم الثاني التي كانت يُمكن استغلالها بشكلٍ أفضل في الأول؛ أول هذه الأشياء هي (صناعة فيلم ممتع في المُشاهدة) وقد تحقق الأمر بفضل ظرافة الأجواء وبراعة تصميم مشاهد الكوميديا التي كانت القصة التي كتبها "أبو السعود الإبياري" نصيبٌ كبيرٌ فيها، الأمر الذي كان ضبابيًا وبه قدرًا من الكآبة في الفيلم الأول. بالإضافة لبراعة "تصوير" المشاهد الموسيقية، التي كان أبرزها مشهد أغنية (يا مقبّل يوم وليلة). *الكيمياء هُنا منسجمة ومتوافقة إلى حدٍ كبير بين شادية وفريد الأطرش، ومُلاحَظ جدًا استمتاعهُما بالوقت الذي يمثلانه سويًا فيه كأنهمُا في نزهة خلوية لا أمام الكاميرا يُصوّران فيلم. أيضًا شخصية "زاهر" (عبد المنعم إبراهيـم) كان لها دورًا محوريًا في إعطاء المشاهد الكوميدية تأثيرها، فهو الشخص الأبله الذي يظهر على وجهة الاندهاش والمُفاجئة، وهو أشبه بدور المُشاهِد الذي يريد فهم مجريات القصة، وإليه تُحكى تفاصيل الـ(حكاية التمثيلية). أيضًا شخصيات كـ"زينات صدقي" في دور أم ياسمين و"ميمي شكيب" في دور بهيجة هانِم/أُم فريد، كان لهُما إضافة هامة على كوميديا النصف الأول من الفيلم. *لكن ما أزعجني حقًا هو تكرار معضلة (الوقوع في الحب) التي حصُلت بذات الطريقة تقريبًا في "ودّعت حبك"، وهي هُنا تغيب عنها المبررات وتأتي بصورة مفتعلة وساذجة؛ فياسمين (شادية) تجد نفسها قد سُحِرَت فعلًا بعيون هذا الرجل التي كانت لا تطيقه منذ وقتٍ قليل وترغب بأن يتزوّجها، وهي ثغرة يمكن ألا يتماشى معها البعض.. كأن شادية قد قرأت سطرًا في السيناريو يقول أن شخصيتها تتحول من هذا إلى ذاك، وفَعَلت كما هو مكتوب! . . . . . . في النهاية "أنتَ حبيبي" عملًا رائعًا وخلّابًا وساحرًا في صنفي الموسيقى الغنائية والكوميديا.. وهو فيلمٌ باقٍ ويُمكن مُشاهدته مرات كثيرة دون الإملال منه رغم صدوره منذ أكثر من ستون سنة.


المزيد

تعليقات