تنبهت السينما المصرية فى وقت مبكر جدا إلى ما يمثله عالم تجارة وتعاطى المخدرات من إمكانيات درامية سواء فى جانبه البوليسى أو فى جانب تأثيراته على المدمنين وحياتهم وعائلاتهم.قد لاتصدق مثلا أن الفيلم رقم 14 فى العرض فى تاريخ السينما المصرية يحمل اسم « الكوكايين» من تأليف وإخراج وبطولة رائد الفيلم التجارى « توجو مزراحى» الذى قام أيضا بالتمثيل فى الفيلم تحت اسمه الفنى «أحمد المشرقى» (راجع دليل الأفلام فى القرن العشرين - محمود قاسم وآخرون) ستندهش لأن الفيلم الذى عرض عام 1930 يظهر كارثة إدمان الكوكايين حيث يلجأ صديق البطل الشرير إلى دفع صديقه لإدمان المخدر القاتل لكى يتخلص منه بسبب طمعه فى الحصول على زوجته الجميلة، وسيؤدى الإدمان إلى قتل الرجل لابنه فى مفارقة ميلودرامية ستصاحب طويلا أفلام المخدرات المصرية، كانت مصر قد عرفت انتشار الكوكايين تحديدا فى مطلع العشرينات من القرن العشرين، وكانت الأغنية الأسبق فى التحذير من أخطاره من خلال سيد درويش الذى قدم أغنيته المعروفة «شم الكوكاكيين خلانى مسكين»!
فى الخمسينات قدمت أفلام مهمة تندرج تحت بند سينما المخدرات، وكان أفضل ما فيها نجاحها الجماهيرى خاصة تلك التى اضطلع ببطولتها ملك الترسو فريد شوقى، تحديدا توجد له ثلاث تجارب مهمة هى « حميدو» عام 1953 من إخراج نيازى مصطفى» و« رصيف نمرة 5» 1956 لنفس المخرج الذى وجد ميدانا واسعا لتقديم سينما الحركة الأكثر نضجا.
وهناك فيلم ثالث أقل شهرة من تأليف على الزرقانى هو « الأخ الكبير» 1958 من إخراج ملك الكوميديا فطين عبدالوهاب.
يلاحظ فى هذه الأفلام تقديم توليفة تجارية تقدم كل شئ دون أن يغيب هدف التحذير من الإتجار أو إدمان المخدرات، فى الأخ الكبير تحديدا تقوم هند رستم بإغواء شقيق تاجر المخدرات فريد شوقى لكى يدمن المخدر انتقاما من شقيقه الذى خدعها عاطفيا، الملاحظ أيضا أن فريد شوقى وظف شعبيته الجارفة لخدمة قضية محاربة المخدرات ونجح فى ذلك نجاحا مشهودا لدرجة أن رصيف نمرة 5 أصبح أحد كلاسيكيات السينما المصرية على مر العصور.
ومن أشهر أفلام المخدرات عموما فيلم « سمارة» 1956 الذى كان مسلسلا إذاعيا ناجحا كتبه عبدالمنعم السباعى ونقله إلى السينما المخرج حسن الصيفى، ومازالت بعض عبارات الحوار تتردد على الألسنة رغم أن حبكة الفيلم لاتخلو من السذاجة.
ولكن التحول الأكثر انفتاحاً فى التعبير عن عالم الاتجار والتعاطى بدأ فى السبعينيات بفيلم « ثرثرة فوق النيل» المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة ومن إخراج ممدوح الليثى لقد كان أول فيلم يدور تقريبا داخل غرزة فى عوامة يحملها النيل فى رمز واضح لهؤلاء المثقفين الغائبين عن مجتمعهم، وبعد هذا الفيلم أصبح عاديا تماما أن تظهر لوازم الغرزة مثل أحجار الدخان والجوزة حتى قدم عام 1980 فيلم الباطنية الذى حقق نجاحا مذهلا رغم أنه مجرد ميلودراما من الدرجة الثالثة نضحك اليوم كثيرا ونحن نشاهدها.
واكتشف المنتجون منجم سينما المخدرات فتوالت الأفلام التى تراوحت بين المعالجة الناضجة الجيدة كما فى فيلم « العار» 1982 أحد أجمل وأهم أفلام الثمانينيات أو المعالجة الطموحة التى لم تحقق نجاحا مثل فيلم المدمن الذى كتبه وأخرجه يوسف فرنسيس، والذى قدم فيه أحمد زكى أحد أفضل وأقوى أدواره كممثل، بل إن الكثير من الأفلام لجأت إلى حشر خط مخدرات داخلها التماسا للنجاح الجماهيرى، مثلما شاهدنا فى فيلم « النمر والأ نثى» للمخرج سمير سيف أو فى فيلم « الوحل» للمخرج على عبدالخالق ومن بطولة نبيلة عبيد.
عالم المخدرات يمكن أن يوحى بعمل كبير ملئ بالرموز والأفكار الفلسفية والإنسانية مثلما فعل داود عبدالسيد فى رائعته « أرض الخوف» ولكنه يمكن أيضا أن يقدم بصورة سطحية وساذجة كما حدث فى الباطنية.