بين حبه للسياسة وحبه للفن لا فرق كبير.. فكل من يعرف الفنان الكبير صلاح السعدنى عن قرب يعرف عشقه الشديد للسياسة لكن بقدر حبه لها فهو لا يمارسها، لأنه يؤمن بأن الفنان لابد أن يكون مشاركا فيها لأنه جزء من المجتمع، فى هذا الحوار تحدث «السعدنى» بصراحته المعتادة عن كل القضايا السياسية الداخلية والخارجية التى تشغل المواطن العربى.
■ هل هناك علاقة بين الفن والسياسة؟
- السياسة حاليا دخلت فى كل شىء عكس زمان أيام الإمبراطوريتين الروسية والرومانية عندما كانت السياسة تمارس داخل القصور فقط، اليوم الزمن اختلف والسياسة أصبحت فى رغيف العيش اللى الناس واقفة عليه طوابير، وبيضربوا بعض فى الشارع.. مش سياسة وزارة الخارجية، كما أن السياسة موجودة على المقاهى وفى الكرة، فكل شىء له علاقة بالسياسة والفن ما هو إلا انعكاس للواقع، وفيلم « بداية ونهاية» للمخرج صلاح أبو سيف مثلا كان يرصد الفقر فى مصر فى فترة الثلاثينيات والأربعينيات، ولكن ما يحدث اليوم أسوأ بكثير، وهذا ما رصده المخرج خالد يوسففى فيلمه « حين ميسرة» فحوارى القاهرة لم يعد فيها ولاد بلد يتميزون بالشهامة والجدعنة بل امتلأت بالبلطجية دون إحساس بالخجل، ورغم الفقر الشديد الذى رصده صلاح أبوسيف فى فيلمه، فإنه أظهر أن مصر كانت جميلة أما اليوم فتشعر أن القضايا الاجتماعية بسبب السياسة أصبحت كارثة، مصر فى كارثة حقيقية والفن يرصد هذا.
■ وهل يقتصر دور الفن على الرصد فقط؟
- الفن جزء من أحداث الواقع، ولكن ليس عنصراً فاعلاً فى المجتمع ولا يعالج المشاكل التى يطرحها، فهذا ليس دوره. هو يتنبأ بالكوارث وأولى الأمر عليهم اقتراح حلول.
■ ولكن الرقابة تكون أحيانا عائقا أمام بعض القضايا الجريئة التى يطرحها الفن؟
- بالعكس الرقابة كانت فى عهد على أبو شادى جيدة، وظهرت أفلام قدمت الرئيس حسنى مبارك نفسه، ولم يعترض أحد فهناك حرية كبيرة تعيشها السينما حاليا، ومثلا « طباخ الريس» فيلم جيد وعال جدا وكان المقصود بشخصية الرئيس هو حسنى مبارك، والدليل على ذلك أن الرئيس فى الفيلم قال: «أنا أحكم ٧٠ مليوناً»، أما الشىء الأكثر روعة فهو أن الرقابة وافقت على الفيلم، وأنا أشكرها على ذلك، لأنه كان من المستحيل أن يقدم ذلك فى عهد جمال عبدالناصر.
■ وهل ترى فرقا كبيرا بين فترة حكم عبدالناصر والحكم الحالى؟
- الظروف فى ظل الحكمين كانت مختلفة، عبدالناصر جاء بعد استعمار استمر أكثر من ٧٠ سنة، وكانت مصر وقتها فى مرحلة سيئة وحال المواطن كان سيئاً جدا، ومعظم خطب عبدالناصر كان عن العزة والكرامة لأن المواطن كاد يفتقدهما، وأذكر أننى كنت فى مدرسة فى الجيزة، وكان حال التلاميذ سيئاً جدا «كانوا بييجوا حافيين» وحكومات ما قبل الثورة كانت تقدم كل عام مشاريع لمجلس النواب لمكافحة الحفاة،
وأذكر أيضا أنهم عملوا مشروع النقطة الرابعة لدعم المجتمعات الفقيرة من الحكومة الأمريكية، وكانوا يوزعون صنادل من البلاستيك أول مرة تدخل مصر ثمن الواحد ٤٠ قرشا على أن يدفع التلميذ ٢٠ قرشا والمشروع يدفع ٢٠ قرشا، ويوم التسليم فوجئت بأن التلاميذ الذين لديهم أحذية، ومنهم أنا اشتروا الصنادل والحفاة لم يشتروها، فذهبت إلى البيت باكيا، لأننى شعرت بأنهم مظلومون، هكذا كانت مصر على بعد خطوات من ميدان الجيزة، فما بال المصريين فى النجوع والقرى، مصر كانت فى حالة منيلة، وعبدالناصر كان يعمل هو ونظامه لصالح الفلاحين والغلابة والصنايعية والصيادين وحل الكثير من المشاكل، لكننى رغم ذلك أختلف مع نظام حكمه، أما الحكم الحالى فهو فى يد حكومة رجال الأعمال، والحقيقة أن الحزب الوطنى عامل شغل فى البلد: كبارى ومشاريع وحاجات جميلة لكن أين ذهبت العوائد؟ أكيد مش للشعب المصرى.
■ كيف تعشق عبدالناصر وتختلف مع نظام حكمه؟
- أعشق عبدالناصر لأن أيامه كان فيها خير وأمل فى المستقبل فرغم الظروف السيئة التى كان يعيشها المواطن كان يتزوج ويدخل الجامعة، وكان جيل الشباب عنده أمل ومستعداً أن ينهش الجبال بسنانه والناس كانت عايشة فى زهوة، وعبدالناصر كان «جدع» ويترفع عن الصغائر، ولا يخرج ولا يدخل فهو متفرغ للحكم ولا يعرف ستات، والشباب كان لديه حلم كبير وكنا متخيلين أننا سنكون أفضل دولة فى العالم، أما شباب اليوم فهو بلا حلم، بسبب الظروف التى يعانيها فهو يرمى نفسه فى البحر حتى يهرب من مصر، ولهذا عشقت عبدالناصر على المستوى الشخصى، لكنه كان يعيبه أنه لا يؤمن بالديمقراطية ونظامه السياسى كان شديد السوء، ولكنه على المستويين الاقتصادى والاجتماعى كان جميلا.
■ هل فعلا ما نحن فيه من غياب ديمقراطى هو نتاج ثورة ٢٣ يوليو؟
- عبدالناصر كانت فى يده فرصة عبقرية لإنقاذ هذا البلد فهو كان معشوق القلوب تلتف حوله الملايين التى تعتبره مخلصاً ومنقذاً ومن وجهة نظرهم هو «نبى الفقراء».
■ وما رأيك فى فترة حكم السادات؟
- السادات ماليش دعوة بيه كأنه ما عداش.
■ ومبارك؟
- فى يدى مبارك فرصة ذهبية لأن عبدالناصر والسادات زى ما قال السادات «آخر اثنين فراعنة فى تاريخ مصر»، خرجا شايلين أرواحهما على أيديهما ليلة ٢٣ يوليو و٧٠ ألف عسكرى إنجليزى فى القناة، وكان الملك وأسرة محمد على موجودين وكان ممكن يتدبحوا، ومبارك لم يكن معهما فى هذه الليلة، وتولى الحكم بعد حرب أكتوبر العظيمة، وأبلى بلاء حسنا، ولكن ليس له فضل على خير مصر، وهو تانى حاكم فى تاريخ مصر فى عدد السنين بعد محمد على فى العصر الحديث.
■ لماذا لم تمارس السياسة رغم عشقك لها؟
- بعدما مات السادات دعانى الحزب الوطنى عام ١٩٨٤ لترشيح نفسى فى انتخابات مجلس الشعب، وأثناء تفكيرى فى الموضوع حذرنى شقيقى محمود السعدنى، وقاللى خليك فى الفن، ومن وقتها وأنا أهوى السياسة لكننى لا أمارسها، فالفنان لابد أن يكون مدركا للمجتمع «إحنا مش مسلواتية» الفن أكبر كتيبة ممكن تخدم الوطن لتأثيرها القوى على الناس.
■ كيف استفدت من محمود السعدنى؟
- أنا تربيت سياسيا على يديه ويدى أساتذته إحسان عبدالقدوس ومحمد عودة و كامل الشناوىوغيرهم، فقد كنت أجلس معهم وأنا مازلت طفلا وتأثرت بهم، ومن محمود ورثت حب عبدالناصر وأمى غرزت فى حب عبدالناصر والنادى الأهلى وسعد زغلول ومصطفى النحاس فقد كانت تكلمنى عنهم كثيرا وتفهمنى رغم أنها كانت لا تقرأ ولا تكتب.
■ وما رأيك فى حركة جماعة الإخوان المسلمين فى الشارع المصرى؟
- هناك تاريخ وراء هذه الجماعة، وأنا لا أعرف ليه تقبل الحكومة تقعد مع شيمون بيريز وماتقعدش مع الإخوان، ليه فيهم إيه؟ المفروض أن اللى غلط منهم أو عليه تهمة يقدم للنيابة والمحكمة تعاقبه بس من غير تلفيق، وعلى الإخوان أن يريحوا أنفسهم، لأنهم جماعة دعوية تهتم بالدعوة لكن طالما أن لديهم رغبة فى ممارسة السياسة والصعود إلى الحكم عليهم إعلان تكوين حزب سياسى، وعلى الدولة أن تساعدهم فما المشكلة، المفروض الدولة تسيبهم يجربوا.. ليه مايكونوش «جزء» من النظام طالما أننا نؤمن بالديمقراطية، أنا اخترعت نظرية اسمها «الشبهية» يعنى إننا بنتشبه بالعالم، مثلا لأن كل دولة عندها اتحاد كرة فإحنا عندنا اتحاد كرة،
ولأن برة فيه ديمقراطية إحنا بننادى بالديمقراطية، عندنا شكل كل حاجة بتحصل برة لكنها بلا أدوار، حتى الأحزاب فى مصر شبهية يعنى مش حقيقية وإلا فما هى الأحزاب الأخرى غير الحزب الوطنى وما هو دورها، وأكبر دليل على عدم وجود ديمقراطية فى مصر هو عدم تداول السلطة فالثقافة العامة هى إن المصريين مش متعودين على ده حتى الأحزاب المعارضة التى تنادى بالديمقراطية وتداول السلطة لا تطبقها وأولاد رئيس حزب الأمة الراحل أحمد الصباحى اتخانقوا على مين يمسك الحزب ونفس الحكاية فى حزب الوفد حصل صراع على السلطة.
■ وما رأيك فى التوريث؟
- مين قال إن هناك توريثاً؟ دى مجرد تصريحات ترددها الأحزاب المعارضة، مصر ليست ملكية حتى تورث، وجمال مبارك لم يعلن أنه سيرشح نفسه، إذا لم يكن من حق جمال أن يحصل على شىء لمجرد أنه ابن مبارك، فليس من حق أحد أن يمنعه من الحصول على ما هو حقه دستوريا وقانونيا لمجرد أنه ابن حسنى مبارك، جمال داخل حزب ومن الممكن أن يرشحه هذا الحزب مع العلم أن الحزب الوطنى فيه فتحى سرور وهو أستاذ أساتذة القانون الدولى فى العالم وصفوت الشريف وهو واحد من دهاة السياسة المصرية وعلى الدين هلال وقد كان عميداً لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى مصر.
■ كيف ترى انتخابات مجلس «الشعب والرئاسة» خلال الفترة المقبلة؟
- المواطن المصرى لا يثق حاليا إلا فى انتخابات النوادى وهى تعتبر أكثر الانتخابات التى تشهد إقبالا من الناخبين، بعدها تأتى النقابات ولكن بعض النقابات بها تدخل حكومى وتوجيه مقصود وقهرى باستثناء ذلك لا توجد انتخابات سواء «شعب أو شورى أو رئاسة»، وهذا ليس رأيى وحدى إنما هو رأى أكثر من ٩٠% من الشعب المصرى فالعملية الديمقراطية من وجهة نظرى هى مجرد خيال نسمع عنها من زمان ولا نشعر بها.
■ هل ترى أن الأحزاب سيكون لها دور فى الانتخابات المقبلة؟
- لا أرى أى دور لتلك الأحزاب، فالسادات أسسها شكلا ليظهر أمام العالم أنه يؤمن بالديمقراطية، وحتى الآن لم يتم تفعيلها فالسادات لم يؤمن بالديمقراطية فدائما يردد مقولته المشهورة «إن الديمقراطية لها أنياب سأفترس بها من يعترض علىّ» فهو اتحد مع التيار الدينى حتى يضرب «الحزب الناصرى» ثم انقلبت عليه تلك الجماعات وقتلوه، وأنا أخشى من الفوضى التى تحدث فى الشارع حاليا، بعد زيادة الاعتصامات فالناس مخنوقة وكادت أن تنفجر، وأرجو من قيادات الدولة أن تحل الاعتصامات قبل الفوضى.
■ هل أنت من المؤيدين لترشيح البرادعى؟
- البرادعى لم يعلن ترشيح نفسه إنما يريد تغيير المناخ العام، وهو مطلب ٨٠ مليون مصرى بما فيهم الرئيس حسنى مبارك، الذى دعا منذ خمس سنوات إلى تغيير الانتخابات الرئاسية ليكون الترشيح من عدة جهات وتمت إحالته إلى مجلس الشعب، ولكن للأسف عندما تحول إلى قانون أصبح مقيدا أكثر من الاستفتاء رغم أن مبارك كان فى نيته إقامة انتخابات سليمة ولكن هناك آراء تؤكد أن الحزب الوطنى أفسد مطلبه.
■ هل استبشرت بقدوم أوباما مثل كل العرب؟
- أوباما أول زنجى استطاع أن يصل بجهده إلى أن يكون رئيس أكبر دولة فى العالم، لا قريبه مأمور قسم ولاله واسطة فى التليفزيون، والميزة فى أمريكا إن ماعندهمش البطل الحاكم أبوالشعب، الحاكم عندهم مواطن يمارس دوراً معيناً عايش حياته يخرج ويتفسح ويلعب باسكت ويبوس ستات وياخد إجازة ويرقص ويسكر فى أماكن عامة يعنى لازم دماغه تكون رايقة عشان يعرف يحكم إنما عندنا الأمر مختلف عندنا «بيعكموا» مش بيحكموا، وأوباما شخص يستاهل ومختلف عن كل الرؤساء الأمريكيين وأنا أستمع إليه كأننى أجلس فى حضرة كرم مطاوع و محمود مرسى و الفريد فرج وفاروق حسنى فهو شخص مثقف وقارئ جيد للتاريخ، والحضارة الإسلامية عظيمة وأيام ما كانت الدولة الإسلامية تبنى مجدها وإمبراطوريتها كان نصف الأوروبيين فى غيبوبة عايشين على الشجر فى جاهلية وكانت الكنيسة بتحكمهم بالجزمة وتعطيهم مفاتيح الجنة نحن أصحاب حضارة ودين وثقافة تخلينا قوة عبقرية فى العالم إنما هو جزء من مؤسسة اقتصادية وسياسية تحكم العالم.
■ لكن العرب يؤخرون أنفسهم بالصراعات الداخلية وأبرز مثال على ذلك ما يحدث بين فتح وحماس؟
- أنا حزين مما يحدث، بينهما شىء لم يحدث فى التاريخ، ناس لسه فى مرحلة الجهاد الوطنى بيتخانقوا على كراسى دولة ليست موجودة بيتخانقوا على إيه، المعونات الشحاتة اللى جاية من العالم شىء مخز أنا كنت عضوا فى منظمة التحرير وكلهم أصدقائى، وأفهم أن الخلافات تحدث فى الرفاهية عندما تكون هناك دولة وقدس حقيقية والخلاف بين أنصار أحمد ياسين وأنصار أبوعمار دى خناقة عربية معتادة من الخيابة اللى عيشاها الأمة العربية كلها، هذه كارثة ومأساة تصل إلى المهزلة، والأمة العربية لا تجتمع على رأى، صلاح جاهين قال: «ياللى إنتى لا أمة ولا أم فيه أم ساعة الألم ماتعرفش تضم»، دى مش أمة دى كارثة وللأسف أنا ابن هذه الكارثة وأنا مدرك أنها كارثة، يا رب نزل نقطة على ولاد الكلب اللى قارفين الأمة العربية حتى لو كانوا من الأمة العربية.
■ ما رأيك فى قضية مياه النيل وخروج مصر والسودان من الاتفاقية الأخيرة التى عقدتها دول حوض النيل؟
- أنا ببكى ليل نهار على أننا لا نستطيع أن نتخذ قرارا مع تنزانيا وأوغندا ورواندا وإثيوبيا ومش عارفين نتعامل معاهم، فالرئيس عبدالناصر كانت علاقته جيدة بالدول الأفريقية، أما حاليا فنحن فقدنا دورنا فى أفريقيا منذ موت عبدالناصر ونبحث عن العلاقات القديمة فلو فعلت تلك الدول ما فعلته وقت حكم عبدالناصر لاعتقلهم جميعا، فإسرائيل منذ خمس سنوات تعقد اتفاقيات فى إثيوبيا وتبنى لهم سدوداً ونحن فى غيبوبة، فين وزراء الخارجية وأين دور سفرائنا فى تلك الدول.