النيل فى غناء المصريين: لسه بيجرى ويعافر ولسه قلبه لم يتعب من المشاوير

  • مقال
  • 03:26 مساءً - 28 يونيو 2010
  • 1 صورة



محمد عبدالوهاب غنى للنهر الخالد

كنت ملكا يهب الحياة (النيل نجاشى حليوه أسمر/ عجب للونه دهب ومرمر- محمد عبدالوهاب). أبدأ حرا، وانتهى حرا، أسير مستقيما متى أشاء، وأتلوى كيفما أشاء. أهدأ، فتنعمون بالحياة، وأغضب وأفيض، فتغرقون فى الحياة. كنت «عريسا» أبديا، كل عام تزفون إلىَّ إحدى عرائسكم (يا عروسة النيل يا حته من السما/ ياللى صورتك جوه قلبى ملحمة- محمد منير)، ترمون جمالها فى ثناياى، وتهللون، وتدقون الطبول انتظارا لعطاياى، فأمنحكم «عيد الوفاء»، والخصب لربوعكم.

كنت كاتم أسراركم، تبوحون بمشاعركم على كفى، وتدونون أفكاركم المهتزة على صفحة مياهى الفسيحة (سمرا يا أم عيون وساع والتنورة نيلية- فيروز)، فتتبلور وتترقرق، وتكسبون معارككم، فأبتسم. كنت ملجأكم الأكبر، وحامل رسائلكم، تهربون إلىّ لتزرعون أشجار أحزانكم على جانبى (كان ماشى على شط النيل/ من قلبه بيقول الآه- أحمد منيب)، تسكبون دموعكم «المالحة» على خدى «العذب» (أروح لمين أشكيله همى وجروحى/ قوله يا نيل حبيبه كان زى وردة/ قطفوها وسابوا الشوك ف جروحى- سيد مكاوى)، تشتكون، تتوسلون، ترعدون، تتوعدون، تشعلون نيرانكم فى أطراف جلبابى، فأطفئها، وألطف جروحكم، وتعودون إلى أعشاشكم بميلاد جديد (أشوف شعورك مفرودين تحت القمر/ النيل بيغسل كل أحزان البشر- عمرو دياب).

مسافر أنا منذ خلقت (مسافر زاده الخيال/ والسحر والعطر والظلال/ ظمآن والكأس فى يديه والحب والفن والجمال-عبدالوهاب)، تسقينى السماء ماء قاسيا، أصفيه، أنقيه (يا نيل أنا واللى أحبه نشبهك فى صفاك- أم كلثوم)، وأجريه بين أصفركم وأسودكم فيخضران وينبتان بساتين الظل والفرحة والكسوة (نورت يا قطن النيل/ يا حلاوة عليك يا جميل- سيد درويش) والاستمرار.

أنا شاهد عليكم، أشاهدكم منذ آلاف السنين (من أى عهد فى القرى تتدفق/ وبأى كف فى المدائن تغدق- أم كلثوم)، كنتم تعرفون قيمتى وتنسبون لى نفيسكم (يا شباب النيل يا عماد الجيل/ سلاما شباب النيل فى كل موقف- أم كلثوم)، كنت أسعد بمركب يحمل حبيبين (محلاك يا نيل أسمر وجميل/ حواليك برواز أخضر هزاز/ جواه حبيبين- جلال حرب)،

رغم إنه كان يشق لحم جبهتى، كنت أمد يدى لأقرب لهما القمر(عطشان يا اسمرانى أحبه/ املالى القنانى محبة/ يا نيل يا أسمرانى/ يا أعز الحبايب يا أسمر- نجاة)، علهما يكتشفان جوهر الحب البرىء، كنت أحتفل بمركب صياد يسعى إلى الرزق «الحلال»، كنت ابتهل للخالق، وأنادى أسماكى لتجتمع فى مربعات شبكته راضية،

حتى يعود لأحبابه مجبر الخاطر (وتروح بلدك يا غريب/ وتلاقى ع البر حبيب/ مستنى يقولك سلامات هون- محمد قنديل)، لكنكم تتجاهلوننى منذ خمسين عاما، اختلفت صفاتكم، فسرقتم وقتلتم وغششتم ورميتم ذنوبكم فى أحشائى، حتى العشق أهنتموه (هل تذكرين بشط النيل مجلسنا/ نشكو هوانا فنفنى فى شكوانا/ تنساب فى همسات الماء أنتنا/ وتستثير شجون الليل نجوانا- عبد الوهاب)، فتلوثت بعد نقاء،

ونطقت الشهادتين بعد أن فوضت أمرى لخالقى (امتى الزمان يسمح يا جميل/ واسهر معاك على شط النيل-عبدالوهاب)، ومازلت أسير برفقة صديقى الوحيد الباقى، القمر(يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا أسمر/ لولا سمارك جوه العين ما كان تنور/ خيرك علينا مالوش آخر/ ياللى القلوب بتعيش بهواك/ خلتنا نحكى ونتفاخر/ على الوجود كله بذكراك- عبدالحليم حافظ ).

كنت مقبرة لمحتلكم (أنا النيل مقبرة للغزاه/ أنا الشعب نارى تبيد الطغاه/ أنا الموت فى كل شبر إذا/ عدوك يا مصر لاحت خطاه- أم كلثوم)، أغرقهم وأدافع عنكم، أمدكم بالحرية والقوة والعزم لسنوات (الدم يجرى ف ماء النيل/ والنيل بيفتح على سجنى/ والسجن يطرح غلة وتيل/ نجوع ونتعرى ونبنى- الشيخ إمام)، فسجنتموننى بين ضفتين تزيدان من مساحتيهما على حساب روحى ومجراى (حولنا مجرى النيل/ يا سلام على ده تحويل/ حيكون تحويل لحياتنا/ مش بس لنهر النيل- أم كلثوم)،

وتراكمون فوقهما الكتل الخرسانية التى تضغط على شرايينى (أين وادى السحر صداح المعانى/ أين ماء النيل أين الضفتان- عبدالوهاب)، فأصبت بتصلباتكم السياسية (ماشربتش من نيلها- شيرين عبدالوهاب)، وتعبت من حيواناتكم الميتة، ووردكم الأخضر، ومجاريكم السامة (ولا بيوصل ولا بيتوه ولا بيرجع ولا بيغيب/ النيل سؤال ومازال ماجاش عليه الرد- محمد منير).

كنت برج حراستكم، وعمقكم الاستراتيجى (يا مصيبة وجانى من بدرى زى الصاروخ فى ودانى/ ما فيش حاجة اسمه مصرى ولا حاجه اسمه سودانى/ بحر النيل راسه ف ناحية/ رجليه ف الناحية التانية/ فوقانى روح ف داهية/ إذا كان سيبه التحتانى/ سيد درويش)، أحمل لكم كل لحظة خير دول تسع، ولم أعترض على سد عال لأنه أنار لكم الحياة (كان طبيعى نبص للنيل اللى أرواحنا ف إيديه/ ميته ف البحر ضايعة والصحارى ف شوق إليه/ قولنا نبنى سد عالى- عبدالحليم) ، بل حملته راضيا رغم أنه غير مسارى، فأنا لكم، وأنتم لغيرى.

أنا النيل، أنا الوادى، أنا سبب الحضارة (بنيت على التوحيد وهو حقيقة/ نادى بها سقراط والقدماء/ ومشى على وجه الزمان بنورها/ كهان وادى النيل والعرفاء- أم كلثوم) أنا أصل الغناء والبهجة، لكننى اليوم نغمة نشاز فى حياتكم (بلادى بلادى بلادى لك حبى وفؤادى/ مصر يا أم البلاد/ أنت غايتى والمراد/ وعلى كل العباد/ كم لنيلك من أيادى-سيد درويش).

وصلات



تعليقات