بارك المخرج والناشط المصري خالد يوسف للشعب المصري، بانتصار ثورة 25 يناير، وقال إن مصر تغيرت منذ ذلك التاريخ، معتبراً أن أمام أبنائها "مهمة ثقيلة" وأن ساعة العمل دقت، وكان يوسف قد تنبأ بالثورة في أفلامه الأخيرة مثل " حين ميسرة" و" دكان شحاتة"، لكن في العام 2013، ولم يكن يتخيل أن تأتي الثورة بهذه السرعة، أما في فيلمه " هي فوضى" فتنبأ بانتهاء عصر الدولة البوليسية وهو ما حدث، في هذا الحوار تعرفنا أكثر على رأي يوسف في الثورة، وعلى شهادته لما حدث عند المتحف المصري أثناء حريق الحزب الوطني..
* بدايةً نترك لك الكلمة، ماذا تقول عن ثورة شباب 25 يناير؟
- في البداية أبارك لكل الشعب المصري وأبعث تحية لكل الدماء الزكية التي سالت من أجل هذه الثورة، وأطالب بتخليد أسماء الـ600 شهيد في كل ميادين مصر والقاهرة، لأن مصر بدمائهم انتصرت وعبرت لعصر جديد ولا بد من أن نتذكر ذلك طوال الوقت.
وأود أن أقول إننا أمام مهمة ثقيلة ودقت ساعات العمل، فمصر حاليًا تحتاج لجميع مجهود أبنائها وهناك روح جديدة في الشارع وبعث جديد للشعب المصري، فمن يكسر إشارة مرور أو يلقي ورقة في الشارع سيجد من يتصدى له، وأنا متأكد من وجود هذه الروح ولن تكون هناك أدراج مفتوحة في الإدارات الحكومية للرشاوى مرة أخرى وستختفي بإذن الله كل مظاهر الفساد وستُبنى مصر جديدة.
* بماذا كنت تحلم قبل يوم 25 يناير؟
- كنت أحلم مثل كل الذين شاركوا في الثورة، وقلت لن يحدث هذا في عصري ولا عصر أبنائي، أما بعد يوم 25 يناير فكان عندي يقين بانتصار الثورة من بداية ما خرج الشعب المصري إلى الشارع وامتلك إرادته لأنني مؤمن بإرادة الشعوب، وكان لابد أن ينتصر، وقد كان هذا بفضل الله وزال هذا النظام، وأصبحت هناك مصر جديدة جميلة قادمة، والحمد لله كان عندي يقين كامل مثل يقيني بالله بانتصار الثورة.
* متى تأكد لك أنها ثورة حقيقية ولن تقمع؟
- يوم 28 يناير، بدأنا التحرك من ميدان مصطفى محمود واخترقنا شارع البطل أحمد عبد العزيز، وعند كوبري الجلاء راقبت الذين شاركوا معنا وكان واضحًا أنهم ليسوا الذين بدأوها معنا، بل انضم إلينا الكثيرون ولأنني لم أكن أحمل كاميرا صعدت فوق سيارة نصف نقل ورصدت المشهد وكان رهيبًا ووجدت مصر كلها خرجت للثورة.
لم أشعر للحظة بأن الثورة ستقمع، وكنت أقول دائمًا رغم تعاطف الكثيرين مع (الرئيس السابق حسني) مبارك بعد خطابه الثاني إن الثورة سوف تستمر وتنجح وتسقط النظام، حتى يوم الأربعاء الدامي -موقعة الجمل- يقيني لم يهتز.
* الشباب الذي قام بالثورة هو نفسه الذي اتُّهم بأنه شباب لا يعرف معنى المسؤولية وأنهم شباب الإنترنت وفيسبوك والموضة الحديثة فقط؟
- هذا الشباب فتح نوافذ العالم حوله وتشكلت طبقة وسطى انفتحت على ديمقراطيات العالم، والمدهش أن الذي فجر ثورة الشباب هم الطبقة البرجوازية المتوسطة ومعظهم يعمل في جهات مختلفة وليس كما تردد من الشباب العاطل، وكان دافعهم أنهم ليسوا أقل من شباب العالم في الحرية وكنت أول من حذرت من سرقة المتحف المصري.
* بالفعل رأيناك تظهر على قناة العربية وعيناك مليئة بالدموع تستنجد بالجيش لحماية المتحف المصري، ما الذي رأيته وأنت على أرض الواقع هناك؟
- كنت مع حمدين صباحي ووقتها تم الإعلان عن حظر التجول، وبدأنا نشكل مجموعات لتنبيه الناس بنزول الجيش وعدم الاصطدام معه كما فعلت الشرطة، رفعنا شعار "الجيش والشعب إيد واحدة" وعندما شاهدت حريق (مقر) الحزب الوطني (في وسط القاهرة) يزداد استوقفني خيالي بفكرة الخطر عليه وما الذي يمكن أن يصيب المتحف بسبب التصاقه بمبنى الحزب وركضت من ميدان الجلاء حتى المتحف ووجدت بلطجية يسطون على البنك العربي الأفريقي وآخرين يحاولن تسلق سور المتحف المصري.
وكان هناك بعض شباب الثورة يحاولون منع هؤلاء من دخول المتحف لكن العدد كان قليلاً جدًّا وطلبت منهم الصمود حتى أذهب إلى أقرب وحدة للجيش وكانت أقرب وحدة عند مبنى الإذاعة والتلفزيون وتكلمت مع العميد محمد سعيد وقلت له بالحرف "لو مصر ولعت الناس هتبنيها من تاني، لكن المتحف المصري لو نهب مش هنقدر نعوضه"، فاستجاب وتكلم مع القيادة العامة للقوات المسلحة، وفكرت في لحظة ما الصعود للتلفزيون المصري وطلب إذاعة تنبيه للخطر على المتحف إلى حين وصول الدبابات إلى وذهبت إلى مكتب عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون وفوجئ بي في مكتبه وكان معه بعض العاملين وشرحت له خطورة الموقف وطلبت منه الظهور على الهواء وأن أطلب من الناس النزول لحماية المتحف، ارتبك المناوي وقال لي: "لن أستطيع"، فقلت له: "إنها لحظة تاريخية"، وأقسمت له بأنني لن أتكلم عن النظام أو إسقاطه حتى لا أسبب له حرجا، فقال لي أقصى ما أستطيع أن أقدمه لك هو أن تتصل من مكتبي وكأنك تتصل من الخارج وترسل استغاثتك، وخرجت على الهواء وحذرت من الخطر وبعدما نزلت من التلفزيون المصري فكرت لحظة في أن الناس يمكن ألا تتابع التلفزيون المصري وذهبت إلى راندة أبو العزم في قناة العربية وشرحت لها الموقف وظهرت فورًا على الهواء وطلبت منها تكرار النداء حتى ينتبه الناس، ومن وجهة نظري الشباب الذي ظهر لحماية المتحف لا يقلون عظمة عن أبطال حرب أكتوبر فلا بد أن يكافأ هؤلاء وأتمنى ذلك مهما طال العمر.
* هل ترى أن الفن كان وقودًا لثورة 25 يناير؟
- الشباب الذين خرجوا للثورة لم يشكل وجدانهم من فراغ، وعلى مدار ثلاثين عامًا كانا هناك روايات الأدباء، وقصائد الشعر، والأفلام والموسيقى إضافة إلى الاطلاع الطبيعي عبر الإنترنت على العالم في زمن تحكمه العولمة.
* صرحت من قبل أن ثورة 25 يناير أهم من ثورة 23 يوليو 1952، فلماذا؟
- فعلاً، ثورة 1952 قامت بطريقة مختلفة عن ثورة هؤلاء الشباب، فالأولى كانت من خلال طليعة من ضباط الجيش وانضم لها الشعب بعد ذلك، لكن الثانية قام بها الشباب، ومن هنا أثبت الشعب المصري ومن قبله الشعب التونسي أن العصر المقبل للشعوب وليس عصر العسكر ولا الزعامات، فهؤلاء الشباب غيروا وجه الحياة في مصر بل والعالم الثالث، وجعلوها تنضم إلى عصور التقدم والحرية والعدالة الإجتماعية، وعصور لا يوجد فيها قهر وظلم ولا عنف.
كما أن عظمة هذه الثورة عن ثورة 23 يوليو أنها جعلت الشعوب هي الحارسة عليها عكس ثورة يوليو التي ارتد عليها رجال الثورة المضادة في السبعينات والثمانينات، لكن ثورة هؤلاء الشباب لن يستطيع أحد الالتفاف حولها لأن الشعب الذي خرج لها هو الذي سيحميها ولن تستطيع أي ثورة مضادة أن تلتف حولها.
* من خلال أفلامك "هي فوضى" و"دكان شحاتة" قدمت الثورة، ومنها ثورة الجياع، فهل ترى أن أفلامك كانت هي الوقود الذي أشعلها؟
- لا أدعى هذا الشرف، فأنا قدمت فئة من قناعاتي في استخدام الفن لإظهار الفساد المتفشي في البلد، وأنا معارض حاولت أن أشكل الوجدان ولو بجزء صغير إلا أحدًا لا يستطيع أن يجزم بأنه خلق وجدان هؤلاء الشباب صانعي الثورة المجيدة.
* وكيف ترى مصر بعد نجاح الثورة؟
- مصر ستعيش أزهى عصورها فى الفترة المقبلة، وسيحصل كل فرد مصري على حقه الشرعي من ثروة البلد، وسينتعش الاقتصاد فى جميع مجالاته، سواء بالنسبة للصناعة والتجارة أو الزراعة، كذلك سيتغير شكل الدراما التلفزيونية وشكل السينما من حيث الموضوعات والقضايا التى ستُطرح.
* وهل ترى أن الأعمال التي كانت في مرحلة الإعداد لها قبل الثورة ستصلح بعدها؟
- السيناريوهات التى كتبت قبل قيام ثورة الشباب العظيمة ثورة 25 يناير لابد من إعادة النظر فيها، فالموقف الآن أصبح مختلفًا من حيث نظرة المواطن المصري للبلد ونظرة الشباب بالنسبة لمصر تغيرت أيضًا، حيث أصبحت نظرة توحى بالأمل والتفاؤل على عكس نظرتهم قبل الثورة التى كانت تعبر عن اليأس وعدم التفاؤل.