يسري نصر الله في معهد السينما (2) : الخطوة الأولى لصناعة فيلم جيد هي الشعور بملكيّته

  • مقال
  • 01:29 صباحًا - 31 مارس 2011
  • 3 صور



صورة 1 / 3:
المخرج الكبير يسري نصر الله
صورة 2 / 3:
المخرج العظيم أورسون ويلز في لقطة من فيلمه "لمسة الشر"
صورة 3 / 3:
بيتي ديفز وآن باكستر في لقطة من "كل شيء عن إيف"

يقومُ المخرج الكبير يُسري نصر اللهحالياً بإعطاء مُحاضرات أسبوعية للطلاب في معهد السينما ، حيث قَبِلَ التدريس هناك بعد شعوره بتغيّرات الجذرية وإصلاحية يشهدها المعهد يفضل حركة طلابه بعد ثورة 25 يناير ، مما أشعر مُخرج تُحفتي " المدينة" و" باب الشمس" بإمكانية العمل في مناخ يُساعده على ذلك .

وسيتابع معكم موقع السينما.كوم بشكل أسبوعي أهم ما في مُحاضرة يسري نصر الله :

كان مفترض في تلكَ المُحاضرة أن يعرض نصر الله هذا الأسبوع فيلم "Nosferatu" ،من إخراج الألماني المُعَلّم إف دبليو مورناو عام 1922 ، ولكنه تراجع عن ذلك لأنه "فيلمصعب سينمائياً" بحسب تعبيره ، حيث قال لطلابه أن الفيلم يحمل لغة وصنعة كانتفائقة وفارقة جداً بالنسبة لوقتها ، ولكن إدراك ذلك بعد قرابة مائة عام من إنتاجالفيلم هو شيء يحتاج للكثير من المشاهدة والتحليل واستيعاب اللغة السينمائية ،ولذلك فضَّل تأجيل نوسفراتو قليلاً ، وقال أنه يفكّر في عرض آخر لنفس المُخرج لايقل أهمية ولكنه أوضح في لغته ، وهو تحفته "Sunrise" الذي يعتبره الكثيرين أفضلفيلم صامت في تاريخ السينما .

وبدلاً من ذلك عرض فيلماً كاملاً والنقاش بشأنه ، فضَّل يسري نصر الله في تلكالمحاضرة أن يُحَلّل بعض المشاهد الهامة في تاريخ السينما بشكل فني ، ليبرز عناصرإخراجية مُعَيَّنة يراها مثالية في المشاهد التي اختارها .

وكانت النّقطة الأولى التي يتناولها هي تأكيداً لما ذكره في المُحاضرة الأولى عن"الرؤية" ، يجب أن تمتلك رؤية كليّة اتجاه ما تقدّمه ، وحين يحدث ذلكتبدأ مرحلة "الديكوباج" وهي تحويل الصورة الكاملة الموجودة في ذهنك إلىلقطات مُتتابعة تشكّل وحدة المشهد السينمائي ، كل لقطة .. كل كادر بما يحتويه يجبأن يُبرز تلك الرؤية ، لذلك فإذا كُنت مخرجاً جيداً يجب أن لا تترك أي شيء يخرج عنسيطرتك أو تصنعه الظروف .

واتخذ يسري لذلك مثالاً ، وهو مشهد الافتتاحيّة لفيلم أورسون ويلز "لمسةالشّر – Touch of Evil" الذي قدّمه عام 1958 ، المشهد يعد من أبرز المشاهد السينمائية في التاريخ ..ونموذجاً لما يفعله شغف فنان عظيم بالسينما ، حيث قدّم ويلز مَشهده في "لقطةواحدة" شديدة التعقيد :

[http://www.youtube.com/watch?v=Yg8MqjoFvy4]

يُعَلّق نصرالله على المشهد قائلاً بأن "الإخراج هو فن تجاوز الصعاب" ، كيف تحوّلالمُستحيل إلى ممكن ، وهو ما يحدث هنا حيث "يخترع" الرجل أدوات لكي ينفذ مشهداً بهذا التعقيد قبل خمسين عاماً من الآن ، ولكن ما يهمه هنا هو "الرؤية" التي امتلكها أورسونويلز وجعلته يصنع في ثلاث دقائق ونصف فقط افتتاحية مثالية لفيلمٍ كهذا : مثيرة لذهنالمشاهد .. حيث يُفتتح برجل يُحضّر قنبلة ويلصقها بإحدى العربات وينتهي بانفجارها، تعرض شخصيات العمل الرئيسة ، تُمَهّد جيداً لحبكته كفيلم جريمة يدور حول"الفاعل ودوافعه" ، يُؤَسّس للعالم المُخيف الموجود على الحدود والذي يتناولهويلز في أحداث فيلمه .

"رؤية" ويلز ، حسب كلام يسري ، جعلته يتخذ "أبسط" الطرق ..وهو صنع المشهد كاملاً في لقطة واحدة ، ولكنه "أعقدها" كذلك .. حيث كانمن الصعب – والصعب جداً – خلق مشهد كهذا في عام إنتاجه ، وحَلَّل بعد ذلك"ديكوباج" اللقطة وكيف يتغيّر حجم اللقطات باستمرار ، وكيف يزرع ويلز"ديناميكية" وحركة مستمرة في مشهده كي ينتقل من حَدَث إلى حَدَث يُمهدبهم فيلمه قبل أن ينهي المشهد بانفجار القنبلة .

المشهد الثاني الذي تناوله يسري بالتحليل هو مشهد من فيلم "كل شيء عن إيف – All About Eve" ، والذي يدور حول صراع بينممثلتين في أجواء هوليوود ، وأكد يسري على أن أكثر ما يبهره في الفيلم هو اختيارمخرجه "جوزيف مانكويز" عدم رؤيتنا لهم يمثّلون كي يصبح لدينا يقيناًدائماً بأن كلتاهما ممثلة عظيمة دون أن ننحاذ لإحداهن ، خصوصاً مع الأداء الرائعلممثلتيه الحقيقيتين بيتي ديفز – التي نالت الأوسكار عن دورها في الفيلم – وأن باكستر– التي رشّحت للجائزة أمامها - .

اختار يسري مشهد التحضير للحفلة ، كي يُدَرّس من خلاله أسس "فن إدارةالممثل" بالنسبة للمخرج :

[http://www.youtube.com/watch?v=vnr3AMCmJ3A]

قال يسري أن المحور والمُلفت في المشهد بعيداً عن المُمَثّلين هو "بلّورةالشيكولاتة" ، وكيف أنها جزءً أساسياً من إدارة مانكويز لبيتي ديفز فيه ،وأضاف موضحاً : التوتر هو النقطة الأساسية التي تخلق "روح" المشهد .. امرأةخائفة من السن ومن العجز ومن خيانة حبيبها الأصغر سناً لها ، كل هذا يمكن اختصارهفي "عايزة تاكل شيكولاتة ومش قادرة عشان خوفها من كل ده" ! ، تلكالطريقة في إدارة الممثل أفضل كثيراً من أن تخبره " عايزك تتوَتّر" .. فقط قُلله "انتَ عايز تاكل شيكولاتة ومش قادر" ، كل حركته وانفعالاته ستصبحأكثر تلقائية حين يَكون تركيزه في نقطة أساسية كهذه تُكَوّن روح الشخصية كتفصيلةالشيكولاتة في فيلم إيف .

بعد ذلك قَدَّم له أحد الطلبة سيناريو رآه أغلبية الحضور "مُتَوَسّطالقيمة" ، ولكنه رفض هذا الحكم .. وأكد أنه يراه به بعض التفاصيل والنقاطالتي قد تصنع فيلماً قيّماً حتى لو كان السيناريو كما يراه البعض مُتَوَسّط ، وطلبمن أحد الطلبة قراءته .. وبعد أن انتهى منه طلب منه قراءته مرة ثانية مُضيفاً"عايزك تحبُّه" ، وحين انتهى في المرة الثانية شرح مخرج المدينة موقفه :"الخطوة الأولى لصناعة الفيلم هي ملكيته ، أن تشعر أن هذا الورق يخصّك وأنهجزءً منك ، اوجد التفاصيل التي تتماس معك ، حب الشخصية وتخيَّلها ، تخيّل أنكبجانبها ، تشاهد عجزها أو حزنها وتريد أن تساعدها ، لا يمكن لك أن تصنع فيلماً دونأن تحبّه أولاً ، ولا يمكن أن تحوّل السيناريو والكلمات المكتوبة على ورق إلىأرواح تتحرّك على الشاشة دون أن تصدقها أولاً ، لا تتعالى على الكلام وفكَّر في الأشخاص واصبغهمبمشاعرك ورؤيتك ، فهذا هو ما سيراه الناس ، وسيُعَرَّف الفيلم في النهاية أنه منإخراجك .. ملكك" .

وروى تجربته الشخصية بشأن ذلك ، حين قدم فيلم " صبيان وبنات" عام 1995 وهو عملتسجيلي عن حياة أسرة في منطقة شعبية ، صوّره للمرة الأولى وجعلهم يتحدثون عنحياتهم ، ولكن من داخله كان غاضباً وغير مرتاحاً ، لم يحب أبطاله – حتى في عملتسجيلي – بشكل كافي ، وحين شاهد ما صوره في المونتاج أدرك أن هذا فيلماً سيئاًلأنه لا يمكن صنع فيلم جيد عن أشخاص لا يحبهم ، فقرر أن يعيد تصويره وأن يقتربمنهم أكثر ويتناول أشياء أكثر اتصالاً بهم ، وحين قام بمونتاج الفيلم مرة ثانية ..يراه الآن فيلماً جيداً ، والفارق فقط كان في مشاعره أثناء صناعته .. امتلك الفيلم وجعله يعبّر عنه بقدر ما يعبّر عن شخوصه وأبطاله .



تعليقات