يسري نصر الله في معهد السينما (4) : عن هيتشكوك ومفهوم العمق في السينما التجارية

  • مقال
  • 07:22 مساءً - 14 ابريل 2011
  • 2 صورتين



صورة 1 / 2:
يسري نصر الله
صورة 2 / 2:
الأسطورة ألفريد هيتشكوك

يتابع معكم موقع السينما.كوم المُحاضرة الأسبوعية للمخرج الكبير يسري نصر الله في معهد السينما :

اعتذر يُسري في البداية عن أنه لم يُحَضِّر جيداً لمحاضرة هذا الأسبوع ،وذلك بسبب الأحداث التي شهدها ميدان التحرير خلال الأيام السابقة ، بالإضافة لكونهسيضطر لإنهاء المُحاضرة في منتصفها بسبب مشاركته في أحد المؤتمرات السياسية حولالمعتقلين خلال الفترة الماضية .

وانقسمت مُحاضرة هذا الأسبوع في مُجملها إلى جزئين :
الأول منهم تناول فيه فيلم هيتشكوك الذي عرضه في الأسبوع الماضي "Strangerson A Train" ،مؤكداً مرة أخرى على كونه مَنْجَم لتعلُّم السينما ، ومُحَلِّلاً لما يراه فيه منجماليّات .

يرى يُسري أن (الطاقة) التي استخدمها هيتشكوك لخلق فيلمه كانت دائماً هي الصّراعوالتضاد بين (إثنين) ، وهي تيمة بصرية وسردية موجودة على مدار العمل : رجلين غريبينيلتقيان ، الإثنان يريدان قتل شخص ما ، أحدهما يحبّ امرأة ويريد أن يهرب من أخرى ،وتنقلب الخطّة بعد ذلك ليصبح أحدهما يُطارد الآخر ، وبصرياً .. فإنّ تقابل قضبانالقطار ، أو مباراة التنس ، أو الأحذية المتقابلة ، نهاية بالصراع البدني العظيمفي نهاية العمل ، "دائماً هُناك اثنان !" .

الأمر الآخر الذي يرى يُسري أنه يجعل من فيلم هيتشكوك أعظم حتى مما قد يبدو هوتلاعبه بمفهوم "البطل الطيب" و"البطل الشرير" ، قصة الفيلم عنغريبين يلتقيان في قطار .. أحدهما بطل تنس مشهور يريد أن يُطَلِّق زوجته ويتزوج منابنه سيناتور والآخر هو شخص غني ولكنه تعيس في حياته ويعاني من عقد نفسية ويريد قتلوالده ، وتبعاً لمحاولة خلق (جريمة كاملة) يعرض الأخير على الأول قتل زوجته فيمقابل قتل الآخر لوالده ، ومع غياب الدوافع فإن الجريمة لن يُكتشف صاحبها ، ويبدأفي تنفيذ خطته بالفعل .. وبعد قتل الزوجة يتراجع الآخر عن إتمام المُهمّة وقتلالأب ، (الشرير) المفترض هنا هو القاتل .. ولكنه مع ذلك الأكثر جاذبية والأكثر خفةفي الدم والأقوى في الشخصيّة ، في مقابل الآخر (الطيب المفترض) وهو شخص سلبي .. يُريدالتخلّص من مشاكله دون أي مجهود .. يُريد قتل زوجته دون أن يشترك في ذلك ، ومعتقدم الأحداث يظهر الأمر الأعمق بشأن (الشرير الضحيَّة) و(الطيّب الوصولي) ، وهوتفكيك عميق للشخصيّات يتجاوز بها ما نراه أمامنا .

ويُضيف يُسري أن الشخصيات العميقة دائماً ما يمكن الاختلاف في تفسير تصرفاتهاودوافعها ، لأن هذا ما يحدث في الحياة بالفعل ، مُتخذاً بذلك مثالاً .. وهو خلافكبير بينه وبين يوسف شاهين حول شخصية (هاملت) ، يوسف كان يرى أن هاملت ليسمُتردداً ولكنه يُريد ألا يُخطئ ولأن قراره بقتل عمُّه سيترتب عليه حياتها كلها ..وبالتالي هو سَعْي للحقيقة والحق ، في المقابل فإن هاملت بالنسبة ليسري كان يَسعىمن البداية نحو موته ، وتردده هو تردد شخص مُقبل على الانتحار ، لأنه يدرك أنه معقتل العم فإن حياته ستنتهي ، وبالتالي فإن "كل التساؤلات التي يملكها ليست عنموت الآخرين ، ولكن عن موته هو" ، وأوفيليا هي الوحيدة التي أدركت ذلك .. وأدركتأن هاملت لم يعد لها وأنه ذهب لجنونٍ بلا رجعة يُودي بحياته .. ولذلك قررتالانتحار عقاباً له .ومن تلك النقطة يُؤكد يسري على أهمية (تكوين الشخصيات) في أي عمل فني ، بالتفاصيلنعم .. ولكن الأهم من كل شيء هو أن تكون الشخصيات ذكية ، تتحرَّك وتتفاعل وتفكّروتشعر كما يحدث في الحياة ، لا تملك يقينيات ويمكن الاختلاف في تفسير تصرفاتهالأننا في النهاية لسنا (قطعيَّة) واحدة ، وإذا كان يمكن الخروج بشيء من كل هذا .. فهوأن (الشخصية) هي روح العمل الفني ، امنح شخصيَّتك الروح سَتُمْنَحْ للعمل كاملاًبالضرورة .

بعد ذلك سأل يُسري طُلاّبه عن (العنصر) المشترك في كل الأفلام التي عرضها أوالمشاهد التي أراها لهم في المُحاضرات السابقة ، فيلمين كوميديين لباستر كيتونوبليك إدواردز ، افتتاحية عظيمة لفيلم إثارة من إخراج أورسون ويلز ، ومشهد فائقالجودة في فيلم درامي كـ"All About Eve" ، ونهايةً بعمل غموض ورعب مَشدود حتى آخر نفسي للمُعَلِّمألفريد هيتشكوك .. ما الذي يجمع كُل هذا ؟

"أنّ كلها أعمال تجاريَّة !" .. يُجيب يُسري : "كل الأعمال التيقمت بعرضها لكم هي أعمال جماهيرية ، صُنِعَت لكي يراها الجمهور ويستمتع بها ، ليستأعمال تجريبية أو مُعَقَّدة فنياً ، لم أُحضر هنا بيرجمان أو تاركوفسكي ، بل أعمالاًكوميدية ومثيرة .. استمتعنا ونحن نُشاهدها ، والمُراد من كل هذا أن المهم ليساختيارك لأي نوع من السينما قد تقدمه ، المهم فعلاً هو أن تتقنه ، "تكون عارفانتَ رايح فين وعايز تحكي إيه بحق وحقيقي" ، ويُضيف : "كثيرون يربطونبين تجارية العمل والاستسهال أثناء تنفيذه ، هذا خطأ .. لا تعتادوا على ذلك"وإلا هتبقوا مخرجين سكة عمركم كله" ، اختار ما تريده ، عما إذا كنتتريد أن تصنع فيلماً "يكسّر الدنيا" أو فيلماً تفوز به في "أجدعمهرجان" ، ولكن اتقن فعلاً ما تفعله ، هيتشكوك أو كيتون أو ويلز جلسا بالشهورلكي يحضرا هذا المشهد أو ذاك ، وبهذا تُخلق السينما الجيّدة .. سواء كانت تُجاريّةأو لا" .

في الجزء الثاني من المُحاضرة قام يُسري بمشاهدة تمرينات قام بها ثلاثة من طلابه ،حيث طلب منهم صنع "لقطة" واحدة ثابتة تحكي موقف ما يتغيَّر بداخلهالإيقاع ، ليعرض في هذه المحاضرة كل فيلم من الثلاثة أكثر من مرة ويُلقي بملاحظاتعن الأخطاء التي وقعوا فيها وكيف كان من الممكن تفاديها .



تعليقات