فيلم الطريق الدائري , وإشكالية العمل الأول

  • مقال
  • 02:02 مساءً - 5 يونيو 2011
  • 1 صورة



كيف يمكن لنا أن ندرب ذائقتنا السينمائية حتي تستوعب طبيعة التجربة الأولي لأي مخرج والتي دائماً تحمل عدد من الملاحظات أحياناً قد لا يتقبلها المخرجين الشباب عند مناقشة أفلامهم أمام الجمهور , وكيف نستطيع الفصل بين تقييم موهبة المخرج وبين عمله الأولي الذي ربما لا يبرز من خلاله كل قدرات المخرج , مثله مثل كل التجارب الأخري في أي مجال .
هذا السؤال يطرح عادة عند مشاهدة العمل الأول لأي مخرج شاب , ورغم أن الأعمال المستقلة الروائية الطويلة في مصر مازال عددها محدوداً ويسهل متابعتها جميعاً , لكن يبدو أننا علي اعتاب طوفان مستقل قادم أكثر خصوبة وحرية وأكثر تجدداً في الموضوعات التي طفت حديثاً علي الواقع المجتمعي في مصر بعد الثورة , إذا فلنعتبر ان السينما المستقلة في مصر ستودع مرحلة الموضوعات المتعارف عليها قبل الثورة والتي عمدت الي مهاجمة النظام السابق بشكل صريح وستنتقل الي مرحلة أخري أكثر ثراء , اي فترة قيام الثورة وما تبعها من انقلاب وتغيير جذري للمجتمع المحلي وأثر هذا التغيير علي المجتمع الدولي .
شاهدت في اسبوع واحد ثلاثة أفلام مستقلة , ميكروفون و هليوبوليس للمخرج أحمد عبدالله و الطريق الدائري للمخرج تامر عزت , كل عمل منهم يجبرك علي استخدام معيار يتناسب وبصمة كل مخرج , هليوبوليس وميكروفون يحملان سمة مشتركة غير كونهم لمخرج واحد , حيث يصنفان مخرجهم كواحد من اهم مخرجين الفيلم التسجيلي في جيل السينما المستقلة , أكثر منه مخرج روائي عادي , ويمكن إعتبار فيلم ميكرفون نقطة ارتكاز هامة للسينما المستقلة التي بدأت سريعاً بتغيير المفاهيم التي أحاطتها بها شركات الانتاج السينمائي الكبري كي تسجنها وفق مفهوم واحد لا تحيد عنه , وهي أنها أفلاماً ذات بعد إجتماعي وواقعي خاص جداً تخلو من أي عامل من عوامل الجذب التجاري , فجاء ميكروفون يحاول كسر هذه القاعدة المتحجرة في عقول شركات الانتاج , الخصم الاول للسينما المستقلة الجديدة , مزج العمل بين ادوات الفيلم التسجيلي والروائي لكن هذا الاسلوب قد لا يكون جديداً فيما يسمي بأفلام الديكيودراما التي يذوب الفرق فيها بين التسجيلي والروائي لكن فيلم ميكروفون اتخذ أهميته كونه جعل العنصر الروائي في احداث الفيلم مجرد ضيف شرف غير مرئي ذائب في الاحداث السريعة وبين لهاث المخرج لسرد أكبر قدر من النماذج مما احدث حالة من الارتباك عند المشاهدين , لكن رغم زخم الاحداث وتعدد الشخصيات وتنوع الموضوعات كانت كلها تدور حول محور واحد وهو البحث عن الحرية والأمل وأكثر ما كسره فيلم ميكروفون في الصورة المتعارف عليها لما يسمي واقعية الافلام المستقلة, كان ميكرفون فيلم موسيقي غنائي يقدم نوعاً مختلف وجديد للانتاج الحر , ويضيف نوعاً أخر للافلام المستقلة هو الفيلم الغنائي الديكيودرامي وقد قدم الفيلم التسجيلي بنكهه روائية خفيفة , ويأتي المخرج تامر عزت ليضيف هو الأخر نوعاً ليس جديداً علي السينما التجارية لكنه كان بعيداً نوعاً ما عما تقدمة السينما الحرة , وهي مشاهد الاغراء والأكشن التي قدمها تامر في فيلمه الأول الطريق الدائري , بذلك وبرغم إختلافنا حول تقييم مستوي هذه الأفلام التي بالطبع ستتطور موهبة وخبرات مخرجيها مع الوقت , كسر جيل المستقلين الفكرة التي بناها تجار السينما عن أن الفيلم المستقل محدود المشاهدة لعدم وجود مقومات تجارية تحفز شركات الانتاج لعمل مثل هذه النوعية قليلة التكلفة وعرضها في السينما , لم يبقي سوي الفيلم الكوميدي في سلسلة الانواع الفيلمية الذي ننتظره من صناع السينما المستقلة لينافسوا بحق الي جانب الافلام التجارية فالسينما المستقلة مازالت تحمل في طياتها أكثر مما يتوقعه المنتجيين اللذين ظلوا محتكرين سوق السينما المصرية لسنوات كانت معظمها سنوات انهيار وانحدار لتاريخ صناعة السينما في مصر , اما افلام المغامرات و الخيال العلمي فالسينما التجارية فاشلة منذ زمن في انتاج مثل هذه الانواع , بل والمشاهد يكتفي بمتابعتها من خلال الافلام الامريكية التي لا يضاهيها اي انتاج اخر .
فيلم الطريق الدائري الذي عرض ضمن مسابقة الأفلام العربية في الدورة السابقة لمهرجان القاهرة السينمائي العام الماضي ,و أختتم فعاليات إحتفالية جمعية الفيلم مؤخراً, هو العمل الروائي الطويل الاول لمخرجه تامر عزت بعد عدة تجارب قصيرة وتسجيلية , جمع تامر عزت في هذا الفيلم بين اليات السوق التجاري وسمات الفيلم المستقل , وإن كانت عثرات التجربة الأولي كثيرة في هذا العمل الا انها تبشر بمخرج قادم صاحب رؤية يحتاج فقط لثقل موهبتة من خلال تكثيف خبراته مع الوقت , يروي الفيلم قصة صحفي يحاول كشف قضية فساد لاحدي شركات انتاج الاجهزة الطبية والتي يمتلكها واحد من كبار رجال الاعمال في مصر المدعومين من جانب الحكومة والذي يورد قطع الغيار والمستلزمات الطبية للمستشفيات الحكومية , فيكتشف عصام الصحفي ان هذه المنتجات غير مطابقة للمواصفات الصحيحة بل انها تحمل ايضاً مواد سامة تؤثر سلباً علي صحة المرضي , في نفس الوقت يحاول عصام ( نضال الشافعي ) الحصول علي قرض ليعالج ابنته التي تعاني من فشل كلوي , لكنه يخفق في ايجاد حل لشراء كلية بديلة لابنته , فيحاول صاحب شركة الادوات الطبية الايقاع بعصام ومحاصرته مستخدماً إمرأه لغوايته , يلقيها في طريقه وبعد ان يقع عصام في شرك أميرة ( فيدرا) يقوم رجل الاعمال بتهديدة اما الفضيحة او التراجع عن كشف الحقيقة للرأي العام , في نفس الوقت الذي يحاول فيه عصام ملاحقة القضية وكشف فساد رجل الاعمال الذي يقتل كل يوم ملايين المرضي بأجهزته السامة , يحاول عصام انقاذ إبنته بالحصول علي كلية بديلة من طفل أخر يستخدمه والده من اجل الحصول علي المال , وقد مر الفيلم سريعاً علي هذا الحدث وكأن الاتجار بالاطفال من قبل ابائهم شيء مشروع لا يستعدي التوقف عنده بل يكفي الاشارة اليه , حيث حصل الاب علي مبلغ كبير من الصحفي مقابل ان ينتزع عن ابنه كليته وهذا التناقض بين استماتة الصحفي في الكشف عن قضية الفساد التي قد يدفع حياته ثمنا له وبين تواطئه مع هذا الاب الذي يستخدم جسد ابنه للحصول علي المال قام بتتويجه الفيلم في نهاية الصراع حيث تراجع الصحفي عن كشف فساد رجل الاعمال نظير مبلغ زهيد من المال لا يتساوي مع حجم القضية التي كشفها , لكن المبلغ في المقابل يحل من وجهة نظرة مشكلة ابنته وينقذ حياتها , فقد حول الفيلم شخصية الصحفي المندفع نحو كشف الحقيقة الي مجرم يهدد ويضرب ويبتز حتي ينجو بإبنته , وإن تقبلنا إختياره فلن نتعاطف معه خصوصاً أن المال الذي حصل عليه مقابل صمته وتسليمه ادلة الادانة للجاني لم يسعف ابنته , لكن الفيلم فاجأنا بمحاولة قامت بها عشيقة الاب في انقاذ الابنة واستكمل الاب المبلغ المطلوب من مصدر أخر , فلماذا استسلم في البداية ومن اين ظهر هذا الحل السحري الذي غفل عنه فقط ليخون ضميره المهني مقابل ضعفه الأبوي , أسئلة لم يجب عليها سيناريو الفيلم المتضارب الاحداث , المتباطيء الايقاع في بعض المشاهد , وفي مشاهد أخري يقفز بنا متعجلاً الي حدث جديد لم يؤهلنا له السيناريو الذي طغت عليه لغة المباشرة مما أضعف من تفاعل المشاهد مع احداث الفيلم وكأنه يقرأ مقالاً صحافياً عن حادثة ما , مما أفسد عامل التوتر والرغبة عند المتلقي في متابعة القصة التي انكشفت كل خيوطها في بداية الفيلم وأصبحت الاحداث تقليدية وفاترة يتوقعها المشاهد ويمل احيانا من تباطئها ويدهش لقفزاتها احيانا اخري , ونضف الي تقليدية السرد ومباشرته تجرد معظم الممثلين من توحدهم مع الشخصيات الا بالمظهر الخارجي فقط , حتي اننا نستشعرهم احيانا يتخلصون من ثقل الحوار الخالي من اي انفعال , خصوصاً في العلاقة الفاترة للصحفي عصام بزوجته ياسمين ( سامية أسعد ) التي لم نجد لها مبرر منطقي سوي مرض ابنته , أما أميرة المرأه التي حاولت اغوائه فهي الشخصية الأكثر توازناً وتقليدية في نفس الوقت , لكنها الاكثر حفاظاً علي تماسك أدائها بين المشاهد وتوازن انفعالاتها بين كل حدث وأخر , لم تقدم الممثلة فيدرا جديداً بهذه الشخصية لكن علي الاقل لم ينهار أدائها مثل باقي شخصيات الفيلم , كما أفرط الفيلم من مشاهد الاغراء التي تجمع بين عصام الصحفي وأميرة دون أن يتمكن السيناريو الذي كتبه تامر ايضاً من مزجها مع الموضوع حتي أنها ظهرت بشكل عشوائي ومكثف لدرجه جعلتها تفقد مصداقيتها داخل الاحداث وأصبحت مثل الكثير من الافلام التجارية التي تغازل شباك التذاكر .
تبقي إشكالية تقييم العمل الأول قائمة , لكن لنستقبلها علي أنها تجربة أوليه لمخرجها يعرفنا فيها علي قدراته ويحاول اكتشاف أبعاداً أكثر لإمكانياته التي لم يضع يده عليها بعد , فالتجربة الأولي ليست سيئة بل ضعيفة وغير متوازنة تضاف فيما بعد الي خبرات صاحبها وتظل قابلة للتجويد والتطور , ويكفي أننا أيقننا أن السينما المستقلة لا تملك شكل أو اسلوب محدد بل انها مثل كل أنواع الفنون متعددة الرؤي متنوعة الأساليب والموضوعات .



تعليقات