مغامرة ''يسري نصر الله'' الجديدة .. تؤرخ لتغير الشخصية المصرية بعد التحرر من سلطة فاسدة وأمان زائف

  • مقال
  • 08:36 مساءً - 16 يوليو 2011
  • 2 صورتين



صورة 1 / 2:
المخرج الكبير يسري نصر الله
صورة 2 / 2:
المخرج الكبير يسري نصر الله

لم يكن يسري نصر اللهيُريد أن يصنع فيلماً عن الثورة قبل أن يفهم "بحق وحقيقي" ما حَدَث فعلاً ، "الفن يحتاج أحياناً لإجابات ولا أملك في الحقيقة سوى توليد الأسئلة" كما قال منذ عدة أشهر في إحدى محاضراته في معهد السينما ، ولكن ما حدث هو تغيُّر بسيط .. جعله يستطيع مشاركة تلك الأسئلة مع آخرين ، دون أن يُقَيّد نفسه بالتحكُّم بها .

"فوران المشاعر" - بحسب تعبيره - الذي تَمَلّكنا جميعاً بعد ثورتنا ، قد يكفي لصناعة فيلم قصير في " 18 يوم" وليس فيلماً طويلاً ، ولكن في حال تَحَرَّرت فعلياً من سيناريو مَكتوب ، تُحسب فيه تغيُّرات الأفراد على الورق ، وتركت الشخصيات في الواقع .. يتحرَّكون ويتأثرون فعلاً تبعاً للمتغيّرات التي تحدث ونمرّ بها جميعاً ، ألا يكفي ذلك لتصنع فيلماً ؟

أكثر ما يُشغل يُسري هو التغيُّرات التي تطرأ الآن - في تلك الأشهر تحديداً - على الشخصية المصرية بعد تحرُّرها من سُلطةٍ فاسدة ، هُناك مجموعة من النَّاس ، ليسوا بلطجيّة ولا مُجرمين ، ولكن نَمَط حياتهم جعلهم ينتمون لـ"الكبير" ، الذي كان في هذه الحالة هو "حسني مبارك" وحاشيته كلها ، وخروجهم يوم مَوقعة الجمل هو من وجهة نظر يُسري دفاعاً عن هذا العالم الذي وجدوا أنفسهم ينتمون إليه ، ودفاعاً عن "النظام" الذين عاشوا في آمانٍ زائف تحت مظلته ، والسؤال الهام : كيف سيتصرف هؤلاء بعد تحرُّرهم من تِلكَ السُّلطة الديكتاتورية ؟ كيف ستغيُّر فينا الحرية فعلاً بعد عقود طويلة من القهر والخوف ؟

خَمْس شخصيّات رئيسية مرسومة فقط على الورق ، يؤديها " باسم سمرة" و" منة شلبي" و" فيدرا" و" ناهد السباعي" و" سلوى محمد علي" ، بالإضافة إلى شخصيات أخرى حقيقة تجعل الفيلم يقف على الحافة بين الروائي والتسجيلي ، ثم يتم التصوير في الأماكن والأوقات الحقيقية لصنع الأحداث ، وتتفاعل الشخصيات بشكل طبيعي تبعاً لتكوينها وليس بحسب وَرق أو سيناريو مكتوب ، وفي المقابل ، هُناك تتبع للمرشّحين للرئاسة ، وعلاقة أبطال الفيلم بـ(السُّلطة) في فترة بدأ فيها تحرُّرهم من أسطورة "كبير العائلة" ، وبعد ذلك سيكون هُناك فيلماً .. تنتهي أحداثه مع انتخاب رئيس الجمهورية القادم .

"أنا مش عايز أحكي نشرة سياسية طويلة ودمّها تقيل ، أنا عايز أحكي عن البني آدمين ، مش عايز أطرح إجابات ، أنا أصلاً معرفش .. أنا عندي حبّة مشاعر على حبّة أفكار على حبّة أسئلة فكّرت أضربهم في الخلاّط وأطلّع فيلم" .

يَعْرِف يسري أن الأمر لا يخلو من بعض المغامرة ، الكثير منها في الحقيقة ، ولكن هذا ما يرى أن عليه فعله الآن .

بالنسبة لي ، وَصَفت فيلم يسري السابق " جنينة الأسماك" وقت عرضه بأنه فيلم هام ، يؤرخ جيداً لسنواتِ الألفية الأولى ، ويَحْكِي أشياءً ستُنسى ، ترتبط كلها بالخَوف الذي أصبح السّمة الأهم في تكوين الشخصيّة المصرية .

والآن ، لا يبدو فيلم يُسري الجديد ببعيدٍ عن هذا ، لا يعرف هو نفسه كيف ستكون صورته النهائية ، أو المستوى الفني الذي قد يخرج عليه ، ولكن المؤكد الوحيد أيضاً.. أنه فيلم هام وصادق ، يؤرخ بعُمق ووعي مُخرج عظيم ، لفترة استثنائية ومرحلة خاصة من تاريخ هذا البلد ومواطنيه ، تِلكَ الفترة التي بدأ عندها تحرُّرهم من الخوف وشعورهم - للمرة الأولى ربما - بالحريّة.



تعليقات