فاز فيلم " الفنان" بأول جائزة أوسكار في التاريخ تمنح لفكرة، حيث أعتقد أن الفكرة بمجرد أن خطرت في بال ميشال هزنافكوس وقبل أن يتم حتى تطويرها لتصل إلى الفيلم الذي شاهدناه، كان يعرف جيداً أنها فكرة فائزة، وأنه بلا شك يصنع فيلماً عظيماً.
يبدأ الفيلم بمشهد جامع للفكرة الأساسية، حيث يتم تعذيب البطل على الكرسي الكهربائي، وهو يصرخ دون توقف من فرط الآلم دون أن يكون هناك صوت، معبراً عن البداية الحقيقية للسينما، حيث لا مؤثرات، لا سيناريوهات طويلة، لا حوار، حتى الموسيقى التصويرية تعزف مقطوعاتها داخل قاعة السينما، إلا أن الأكثر إبهاراً في الفيلم التي بلغت مدة عرضه 97 دقيقة، أنك لا تكتشف إنه فيلم صامت سوى في مشهد النهاية عندما يهتف المنتج عقب رقصة البطلين "عظيم"، ويرجع ذلك للمجهود الكبير الذي بذله صناع الفيلم للاقناع ، التوزيع الجيد للوقت مع سيراء الاحداث في حفاظ رائع على التماسك، الموسيقى المبهرة التى تحدثت كثيراً عندما صمت الممثلون، ويبقى العنصر الأهم أن صناع الفيلم نجحوا في إحياء اللغة البصريةالقديمة، كذلك طريقة التصوير وأداء الممثلين، وحركة الكاميرا والديكور والملابس وكل العناصر بدقة مفرطة، أعادت العصر القديم بين يدينا.
وربما كان التنافس هذا العام بين فيلمي الفنان و هوجو على جائزة الفيلم الأفضل، وكلاهما يحتفي بالسينما، حيث يحتفي الفنان بالفترة ما بين 1894 إلى 1929 حيث ازدهرت السينما الصامتة وصنعت نجوماً في حجم "جورج فيلنتين" الذي لعب دوره النجم الفرنسي المتألق جان دوجاردان، ثم التحول الرهيب للسينما المتكلمة في الفترة ما بين 1929 إلى 1932 و تأثيرها الكبير في أحد النجوم الكبار في صناعة السينما الصامتة آنذاك والتي أدت إلى جلوسه في المنزل عاطلاً مقلساً بلا عمل، ليبدو الحوار الشخصي لبطل الفيلم في خلفية تطور السينما كعمق إنساني يتعاطف معه المشاهد، دون أن يبدي إنبهاره بالتطور..
فيلم الفنان مغامرة ممتعة، تدرك من اللحظة الأولى أن التاريخ سيخلدها لأنها تستحق، ولأن الجهد المبذول فيها يستحق، وأن من صنعوه امتلكوا قدراً كافياً من الجنون تحتاجه الحياة من أجل أن تظل نابضة حقيقية، ممتعة مبهرة.