يحكى أنه كان هناك ضفدع وعقرب التقيا على ضفاف النهر، طلب العقرب من الضفدع أن ينقله للضفة الأخرى، رفض الضفدع خوفاً من لدغة العقرب، ولكن العقرب ألح ووعد الضفدع أنه لن يلدغه؛ فكيف يلدغ الضفدع وهو راكب على ظهره فكليهما سيغرقان في النهر حينئذ، وبالفعل أثناء عبورهما النهر لدغ العقرب الضفدع وماتا معا، وعلل العقرب ذلك بأنها طبيعته التي فطر عليها فكيف له أن يتغير حتى وإن مات بسبب ذلك!
يهمنا هنا الضفدع الذي يحمل عقربا مميتا مدعيا أن ذلك شيئا ليس خطراً، ذلك هو نفس حال بطلنا والذي يجسد دوره ريان جوسلينج الذي يعمل بوظيفة سائق.. فهو ينقل مجرمين بمعنى أدق يهرب بهم بمهارته الفريدة في القيادة بعد انتهائهم من السرقة، ومعه وبقيادته يتمكنون من الهرب وأن يصبحوا في أمان، لم يعلم الضفدع أنه قد يغرق مع العقرب، ولم يعلم السائق أنه قد يتورط مع المجرمين. ذلك الإسقاط الذي قد تلمحه في مشهد (كلوز) على الجاكيت الذي يصر على ارتداءه السائق والذي يحمل على ظهره -لسخرية القدر- صورة العقرب أيضا، هل هي المصادفة أم إسقاط متعمد؟!
فيلم السائق تبدأ أحداثه بحادث سرقة يقوم فيها البطل بالهروب من مطاردة الشرطة بمهارة فريدة ينجح فيها بإيصال المجرمين إلى بر الأمان، وبعد ذلك نكتشف أن مهنة البطل هي دوبلير لقيادة السيارات ومشاهد المطاردات، مهنة يعرض فيها حياته للخطر ولا يعرفه أحد، فاسمه لن يصبح من المشاهير مثله مثل الظل، وحتى في حياته الشخصية هو شخصية هادئة يدرك بداخله أنه ليس مهماً، حتى أنت كمشاهد سينتهي الفيلم ولن تعرف اسم البطل فهو نكرة، هو نفسه لا يدرك قيمته، رغم أنك ضمن الأحداث تدرك أنه ذو قيمة فريدة في أعين رجال الأعمال الذين يرون فيه سائقاً فريداً من نوعه قد يأتي عليهم بأموال كثيرة إذا تمكن من الاشتراك في سباق للسيارات، ولكن تذكر القاعدة التي تقول احذر ممن لا يملك شيئا يخسره.
يقع السائق في الحب بهدوء مثله مثل باقي ردود أفعاله، لا يصرح بحبه لأيرين ولكن تجد عاطفته جميعها مختزنة في نظراته العميقة تجاه جارته أيرين وإبنها الذي يتواصل معه بشكل عطوف وأبوي طوال الوقت، تتطور الأحداث ويتورط السائق في جريمة، فيتعين عليه إنقاذ نفسه وحماية أيرين وإبنها، الأمر الذي من أجله قد يفعل أي شيء.
الفيلم يقدم لنا أكشن مميز، صحيح أنه مصنف R بسبب العديد من مشاهد العنف والدماء ولكن مشاهد العنف مغلفة بإيقاع هادئ معظم الوقت، قمة التوتر ستشعر بها من دقات ساعة تعلن انتهاء مدة ٥ دقائق وتعلن معها بداية المطاردة وحبس الأنفاس، ذلك الأكشن الذي يقدمه مخرج ثلاثية أفلام Pusher والمتمرس في أفلام الأكشن والعنف المخرج نيكولاس ويندينج ريفن، والذي قدم فيلم السائق وهو الفيلم الأول الذي لم يكتبه نيكولاس وقام بإخراجه فقط، الفيلم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم صدرت في 2005 لكاتب الجريمة الأمريكي الشهير جيمس ساليس، ويجدر الإشارة إلى أن حوار الفيلم المكتوب مكثف ومميز إلى درجة كبيرة.
أداء ريان جوسلينج أكثر من رائع، فبراءة وجهه المبتسم تمنحك شعوراً طبيعياً بالتورط مع البطل الذي لم يسع لإيذاء أي شخص، هو يدافع فقط عن حقه في الحياة وحق أهم الناس لديه في حياة آمنة، الشيء الطبيعي الذي قد يفعله أي شخص، أداء كاري موليجان والتي تجسد شخصية أيرين جاء ناعماً دون أية مبالغات فهي تلك الشخصية التي لا حيلة لها فتتقبل الأحداث التي تقع لها وكأنها معتادة على سوء الحظ في الحياة.الفيلم ترشح لجائزة الأوسكار عن أفضل مونتاج صوت فضلاً عن فوزه بجائزة مهرجان كان السينمائي الدولي عن أفضل إخراج ضمن العديد من الجوائز والترشيحات في عدد من المهرجانات العالمية.