كل عام ومصر بخير بمناسبة عيدالقيامة المجيد، ذلك العيد الذي يأتي بعده بإستمرار شم النسيم ليجمع عنصري الآمة في عيد فرعوني الأصل، في حالة فريدة يتميز بها المجتمع المصري، الذي يحاول البعض "سعودته" هذه الأيام.
ولكن السينما المصرية العريقة التي تعدت الـ100 عام من عمرها، تعاملت مع أقباط مصر بطريقة غير منصفة على الإطلاق، لدرجة أن المسيحي تم تهميش دوره ليكون بالكثير صديق البطل، أو أحد جيرانه الأوفياء ليحاكي كلاً منهما في دوره ذلك اللقاء الشهير بين البابا وشيخ الأزهر على الإفطار في رمضان وخلال التهنئة بالأعياد، وعلى الوجوه إبتسامة وما في القلب ..في القلب، إلا في عدد قليل جدا من الأفلام مثل الراهبة، شفيقة القبطية، بحب السيما، واحد صفر.
وقد شهدت ثلاثينيات واربعينيات السينما - البداية الحقيقية للسينما المصرية - عدم وجود حقيقي للاقباط، ربما بفضل عدم وجود تمييز عنصري حقيقي في مصر في هذا التوقيت، وتفجرت أول مشكلة حقيقية عندما تم منع عرض فيلم الشيخ حسن الذي تم إنتاجه عام 1951، بطولة حسين صدقي و ليلى فوزي، والذي يدور حول زواج شيخ مسلم من سيدة مسيحية، تعلن إسلامها في نهاية الفيلم وتنطق الشهادتين وهي تموت تاركة إبنها لخالها القس المسيحي الذي يعيده لوالده، وهو ما أثار غضب الكثير من المسيحيين، ولم يعرض غير بأمر مباشر من الرئيس جمال عبدالناصر عام 1954.
وجاءت فترة الخمسينيات والستينيات المشغولة بالقومية العربية، والأمجاد والدولة الناشئة، ليحتل المسيحي فيها دور صديق البطل المنقذ مثل فيلم أم العروسة، وكذلك التوحد بين عنصري الأمة في أفلام نجيب محفوظالتي تناولت ثورة 19.
وشهدت تلك الفترة إنتاج فيلمي الراهبة، وشفيقة القبطية، وهما من الأفلام القليلة التي كان بطلها مسيحي الديانة.
أما فترة السبعينيات والثمانينيات فاهتمت أولاً بالحرب وشهدت مشاركة مسيحية من خلال أفلام أكتوبر، وهي مشاركة رمزية تشبه ما قبلها، ثم انشغلت في الثمانينيات بحال المجتمع المصري متجاهلة تماماً أي بعد ديني .
ثم جاء عقد التسعيينات ليشهد هجوم الإرهاب على مصر، ما استلزمه من توجيه حكومي لإظهار الود بين طرفي الأمة في مصر، وذلك السلام الذي يسود العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، لنشاهد أفلاماً مثل الإرهابي، و الكلام في الممنوع، وغيرها من الافلام التي شهدت وجود القبطي كطرف غير رئيسي في الفيلم ولكنه على علاقة جيدة بالمسلم.
وأخيراً سينما ما بعد الالفية الثانية والتي شهدت حرراً من تلك الفكرة، لتقدم فيلم بحب السيما، الذي يناقش بعض المعتقدات الدينية في المسيحية كما ينتقد سلطة الأب وديكتاتوريته داخل الأسرة المسيحية، مما أثار حفيظة الكنيسة المصرية، وهجامت الفيلم بشدة، قبل أن تعود السينما لتقديم فيلم واحد صفر الذي يناقش في احد خطوطه الدرامية علاقة بين مسيحية ترغب في الطلاق وتحب شابا آخراً، وكذلك قضية الطلاق في المسيحية لتعاود الكنيسة الهجوم على الفيلم، الذي حقق نجاحاً كبيراً لدرجة حصوله على حوالي 50 جائزة.
وكذلك فيلم حسن ومرقص الذي تناول العلاقة والأزمة المحتقنة بصورة مثالية للغاية في توجيه حكومي شديد السطحية من آجل غقناع الجميع أن الأزمة بسيطة ويمكن تجاوزها بسهولة.
وتستمر السينما في تقديم أدوارها المعتادة للمسيحيين، ذلك الصديق الطيب، والجار المتعاون، بل وتلجأ أحياناً لإحلاله محل اليهودي الذي رحل عن مصر في منتصف الخمسينيات وتجعله تاجرا مرابيا صائغا .. في شخصية كاريكاتيرية لا تليق.
السينما المصرية تستحق وقفة من آجل تصحيح هذا الخطأ المتداول، ويكفي رفض الرقابة لفيلم لامؤاخذة للفنان عمرو سلامة، والذي يتناول فيه علاقة طفل مسيحي بأصدقائه في المدرسة، لجوئه لإنكار ديانته من آجل المزيد من الإندماج في صفوف الأطفال المسلمين، دليلاً على أن المشكلة صعبة الحل.
ولا ننسى النكتة التي أطلقها البعض عقب فيلم "حسن ومرقص"، الذي سبقه فيلم " حسن ومرقص وكوهين"، حيث توقع البعض أن يكون الفيلم القادم "حسن" فقط في فضح رهيب للعنصرية في المجتمع والسينما في مصر
مسيحيو مصر .. مصريون، يستحقون الأفضل... وشالله يا سينما.