أيها الفنانون العرب.. إدعوا الله ألا تموتوا فى مصر

  • مقال
  • 01:23 مساءً - 23 مايو 2012
  • 1 صورة



وردة

هناك تخبط فى مصر.. البلد غير مستقر.. أول إنتخابات رئاسية ــ قد تكون نزيهة ــ على الأبواب.. صناعة السينما شبه متوقفة.. مبيعات الألبومات وصلت إلى مرحلة العدم.. نسبة البطالة فى إزدياد مستمر.. الأسعار فى زيادة مستمرة.. حالات الطلاق إرتفعت معدلاتها.. حجز قاعة أفراح وصل إلى عشرة ألاف جنيهاَ.. مصاريف الولادة فى حدها الأدنى أربعة ألاف جنيه.. المشاكل بين الأزواج مرتين يومياً بعد الإفطار وقبل العشاء.... السجائر بأربعة عشرة جنيهاً إن وجدت.. المرتب ينتهى فى اليوم العاشر من الشهر.. الأصدقاء يتهربون من بعضهم البعض.. القلة تنافق.. البعض يكذب.. الكل حيران.. الإخوان المسلمين يبحثون عن فرصة.. المرشحون يلهثون خلف كرسى.. كل منا متعصب لمرشحه.. و وردة ماتت..
لا تندهش.. شخصياً لا أجد علاقة بين وردة وكل ما سبق.. فلا هى سبب ما نحن فيه.. ولا هى من شحنت الأجواء بين الأزواج.. ولا هى متهمة فى قضايا أموال.. ولا هى مالكة لشركة تبغ.. ولا هى شريكة فى جريمة قتل ثوار.. ولا هى ساعدت على تهريب مساجين.. ولا هى ساعدت الإخوان على الوصول إلى البرلمان.. ولا هى من أتت بالجنزورى.. ولا هى من قامت بالثورة.. وأنا لست أنا.. وأنت لست أنت.. وسمعنى سلام ذئاب الجبل..
إذن !!! لماذا فعلنا ذلك بها؟.. من فضلك قل شيئاً يشفى غليلى.. "طب" أقسم بالله لم أفهم صورة النعش الطائر على شوكة الونش فى البداية.. وعندما فهمتها لم أصدقها.. هل لك أن تقول لى لماذا أهملنا أمانة الله المتمثلة فى جسد بلا حراك وبلا روح؟.. ألهذا الحد عميت عقولنا ولم تخشع قلوبنا وفشلنا فى صون أمانة الله لساعات قليلة؟.. يا بشر يا مؤمنون إن الله رحيم بعباده.. ألستم بشر؟.. ألستم مؤمنون؟
كل ما جال بخاطرى منذ مشاهدة الصورة تلك.. أننا بالفعل فى زمن "ودع هواك وانسانى عمر اللى راح ما هايرجع تانى".. فقد أصبح الموت بالنسبة لنا مجرد "مشوار لحد الترب" ولم يعد له قدسيته.. لم يعد للخشوع مكاناً فى قلوبنا ولا للإنسانية ملاذاً فى عصرنا.. "فلان مات.. الله يرحمه.. مين مسك مكانه"..
أما المصيبة الأكبر من مصيبة قرار إدارى غير عاقل من مسئول قرية البضائع.. هى مصيبة الفنانين الذين لم يحضر أكثرهم إلى الجنازة.. الله أعلم إن بعض الظن إثم.. قد يكون بعضهم مرتبطاً بمواعيد.. وقد يكون النوم "كبس عليهم".. لكن فى الوقت ذاته أجد نفسى تحدثنى قائلة أن ما حدث شيئاً طبيعياً.. فلا هى ستغنى مجدداً.. ولا هى مالكة لشركة إنتاج سيديرها أحد أبنائها فيما بعد.. ولا هى ولا هى.. "بخ.. خلاص.. حكاية وخلصت"..
لكن من المتوقع أن يجن جنونى يوم السبت القادم عندما يظهر كل من لم يحضر الجنازة فى مسجد الحامدية الشاذلية وقد كست عيونهم الدموع.. لكن للعلم.. بعض من سيذهب إلى هناك سيظهر لهدفاً ما.. وعموماً إن بعض الظن إثم كمان مرة "علشان ماحدش يزعل"..
أيها السادة.. يبدو أن هوليوود الشرق تفتح زراعيها لكل من يبحث عن النجومية ثم ترفعهم على أقرب "ونش" بعد أن تذهب أرواحهم.. هل تتذكرون جنازة عبدالحليم حافظ؟ إذا لم تكن شاهدتها أنصحك باليوتيوب.. فقد حضر الجنازة ما يقرب من مليون مصرى على رأسهم رئيس الوزراء فى ذلك الوقت.. ألم تكن (وردة) مصرية أيضاً أم أننى "أُهرتل"؟.. ولنفترض أنها ليست مصرية.. ألم تموت على أرض مصر يا مسئولى مصر؟.. إن موتها على أرض الكنانة وحده كفيلاً بأن نستوعب إشارة القدر.. لقد كان من المفترض أن تقام جنازة شعبية لها حتى فى ظل الظروف الراهنة.. وإن لم تكن لـ (وردة) الإنسانة والفنانة.. فلتكن رسالة لكل الفنانين العرب لنثبت للجميع أن مصر كبيرة تحترم الكبار..
أعتقد أن المسئولون خشوا من الإستجوابات التى قد تلاحقهم فى مجلس الشعب.. وهذا أمراً طبيعياً أيضاً.. فإذا كان أحد النواب طالب بعدم عرض مسرحية " مدرسة المشاغبين" التى تعرض منذ ثلاثين عاماً على التليفزيون "وكلنا حافظنها صم" لأنها تخدش الحياء وتهين المدرسين.. فمن الطبيعى أن أحد النواب قد يستجوب رئيس الوزراء أو وزير الداخلية إذا قررا إقامة جنازة شعبية لفنانة "اعوذ بالله".. لأن الفن حرام.. والغناء حرام.. لكن فى الوقت نفسه الكذب مش حرام لو لهدف سياسى قومى.. وعمليات التجميل مش حرام برضه لو فى الأحبال الصوتية "بس من ناحية المناخير".. ولله الأمر من قبل ومن بعد..
أعتقد أنه وبعد مشهد الجنازة المهيب على شوكتى الونش.. سيفكر كل فنان عربى مقيم فى مصر فى العودة إلى بلاده فوراً ما أن يشعر بالمرض.. "حتى لو جاله زكام مش حاجة تانية.. هى موته مش أكتر آه.. بس مايتشلش على ونش"..
حزنت كثيراً لهذا المشهد ولا أزال.. وعندما شاهدت النعش الطائر تذكرت أننى كنت أستمع إلى (وردة) منذ ما يقرب الثلاثين عاماً.. رغم أننى لم أعرف اسمها إلا بعد بسنوات لصغر عمرى أنذاك.. فقد كان والدى دائماً ما يفتتح يوم الجمعة فى العاشرة صباحاً بصوت محمود الطبلاوى.. ثم يتبع ذلك حديث الشعراوى بعد الصلاة.. ثم وردة.. ثم وردة حتى صلاة العصر..
الله يرحمك يا وردة.. ويغفر لنا
الله يرحمك يا بابا..
"آه نسيت".. أيها الفنانون العرب.. إدعوا الله ألا تموتوا فى مصر.. لأن مصر راحت تجيب ورقة بوسطة.

وصلات



تعليقات