عوالم كوانتين تارنتينو.. بأيدي الآخرين

  • مقال
  • 10:13 صباحًا - 6 اكتوبر 2012
  • 1 صورة



تارنتينو

كوانتين تارنتينو.. المخرج المختلف – اعتقد أن هذا اللفظ يناسبه للغاية – بالتأكيد أصبح واحد من أهم الأسماء في عالم صناعة السينما الهوليوودية. تارنتينو في رأيي عبارة عن "خلّاط" أكثر منه مخرج! الرجل منغمس في الثقافة الأمريكية التي يجيئ منها ويفخر بها، ويصنع من خلفياته ورؤيته لأهم ملامح هذه الثقافة الشعبية خليط فريد من نوعه يقدمه لنا بشكل مصور يبهرك أو يتركك بعد كل فيلم وإثر كل تجربة في حالة من الانفعال (أيا ما كان نوعه). أفلام تارنتينو أصبحت بحد ذاتها من علامات الـPop Culture الذي نتحدث عنه وأفلام كـ Reservoir Dogs و Pulp Fiction و Kill Bill صارت بحد ذاتها أيقونات سينمائية تشكل هذه الثقافة ويشار إليها ويقتبس منها بل وتحدد وتشكل ملامح لهذه الثقافة. الرجل بشكل ما يستطيع أن يقدم رؤيته المجنونة والغريبة وفي نفس الوقت يحصد اهتمام المشاهد العادي. اسم تارنتينو ربما يكون الأكثر شعبية بين مخرجي السينما الكبار المعاصرين والذين يذهب الناس لمشاهدة أفلامهم لمجرد أن الفيلم يحمل توقيعه كمخرج!
أنا كاتب المقال وجدت كما وجد الكثيرون غيري بالتأكيد أن العوالم التي يصنعها تارنتينو في أفلامه تكتسب بشكل ما صبغة وبصمة خاصة بالرجل صارت ليست فقط علامة مسجلة لأفلامه، بل أيضاً صار هنالك الإحساس الذي يجعلك تصف لأحدهم فيلم ما بأنه كأفلام تارنتينو! وصف يكفي لنقل معنى ما خفي وشعور عام عن تجربة مشاهدتك لفيلم ما بشكل بليغ الوصف لأي شخص يعرف أيضاً تارنتينو وشاهد أفلامه. هذا جعلني أراجع خزانة أفلامي وأختار لكم منها بعض من الأفلام التي لم يشارك فيها تارنتينو لكنها بالتأكيد تأتي من عباءته ومن ذات ملامح مدرسته التي يبرع فيها. والتالي بعض من هذه التجارب والتي أراها قائمة تستحق المشاهدة لكل محبي هذا المخرج الفلتة.

Lock, Stock and Two Smoking Barrels
المخرج جاي ريتشي في رأيي هو النسخة الإنجليزية لتارنتينو! الرجل أفلامه بها ذات الإحساس الذي يجعلني أصف فيلم لأحدهم أنه كأفلام جاي ريتشي!! عوالم الرجل خاصة وذات مذاق مبدع وقريبة بشكل مريب من عوالم تارنتينو، لكنها أكثر اقترابا للواقع وبعداً عن الرؤى الفانتازية التي يحبذها تارنتينو. ربما كون ريتشي بريطاني يجعله ملتزما بجنون بريطاني محافظ بشكل ما! ريتشي يجعلك في أفلامك تستشعر تارنتينو في طريقته للمازجة وحبك الحبكات السردية لأفلامه بطريقة تجعلك تقفز بين مشاهد عديدة وفي سياقات زمانية ومكانية مختلفة لتكون النهاية هي الكاشفة بطريقة مبدعة للحبكة أو اللحظة الختامية للسرد. أغلب أفلام الرجل تتناول الجانب المظلم للعصابات ولكنها تتناوله بشكل طريف وممتع للغاية يفوق في رأيي تارنتينو نفسه!! هذا الرجل تارنتينو أكثر من تارنتينو إن جاز التعبير في هذا الملعب!
ثنائية أفلام Sherlock Holmes الأخيرة بالرغم من أن لها عالم خاص لتناول الجريمة إلا أنها حملت صبغة ريتشي/تارنتينو أيضاً. لكن أفلام كـ RocknRolla و Revolver و Snatch و Lock, Stock and Two Smoking Barrels أعلنت ذلك صراحة ودون مواربة وأعلنت كذلك عن مولد مخرج لامع. الفيلم الأخير تحديداً من أطرف وأقوى الأفلام التي استمتع بها شخصياً. الطابع الكاريكتوري للجريمة يجعلك متقافز على كرسيك من هول الاستمتاع بالحبكة التي جاءت بتوازن عبقري يبقي على الممازجة في الحبكة وبين الاستمتاع بمغامرات طريفة تقوم على المفارقات والصدف القدرية. الفيلم قدم لنا لأول مرة نجمين لهما نكهتهما الخاصة لأفلام الأكشن بروح الكوميديا واستطاعا الاستمرار بشكل مقنع في هذه النوعية الفريدة من الافلام، جيسون ستاثام والذي بدأ حياته في الحقيقة نصاب شوارع كما أدى في اللقطة الأولى للفيلم !!! و فيني جونزوالذي بدأ يومه الأول في التصوير لأول فيلم له بعد خروجه مباشرة من الحبس بسبب اعتدائه بالضرب على أحد جيرانه في الحقيقة!!! الفيلم من عينة الأفلام التي لا تحكى وإنما يجب أن تحضره لتحصد هذه المتعة بنفسك.

In Bruges
فيلم جريمة يحمل طابع الكوميديا السوداء. اللعبة المفضلة لتارنتينو يصنعها هنا باقتدار المخرج الشاب مارتن ماكدونا والذي اراه بعد مشاهدتي لتريلر فيلمه القادم Seven Psychopaths في طريقه ليكون تلميذ نجيب في مدرسة تارنتينو.. In Bruges فيلم فريد من نوعه بالفعل وعمل متقن الصنع لدرجة ثقيلة العيار! الفيلم الذي يحكي عن الصراع النفسي لقاتل مأجور يقوم بدوره كولن فاريل بعد قتله لصبي صغير عن طريق الخطأ. يجذب الرجل شعور من الندم نحو التفكير بالانتحار والتخلي عن حياته وشعور فطري وعفوي برغبته بالاستمرار دون سبب محدد في الحياة مع جلد ذاته بطريقته الخاصة. الحبكة تستمر بتعقيد إضافي في ظهور قاتل مأجور آخر قادم للتخلص منه. الإطار هنا به العديد من سطور الحوار المصممة بذكاء وحرفية تشابه حوارات تارنتينو وكتاباته. الفيلم ثقيل العيار من ناحية اندماجك في أحداثه وطريقة سرده وربما سيجده الكثيرون منكم فيلم صعب أو سخيف لكنه تجربة سينمائية ستعجب أي متابع لتارنتينو بالتأكيد.

Sin City
روبيرت رودريغز في الواقع هو الصديق المقرب لتارنتينو. بالتالي كان من المنطقي أن يتشاركا الرؤية والعمل على مشاريع مشتركة كثيرة لعل أهمها المشروع الغريب في فيلمي Grindhouse و Planet Terror. إلا أن رائحة تارنتينو تفوح بقوة من رائعة رودريغز القادمة من عوالم الكوميكس Sin City. الفيلم نقل "غريب" متقن الصنع لعالم أغرب للجريمة والعنف من أوراق الكوميكس لشاشات السينما. بالنسبة لي أعتقد أن هذا الفيلم و Watchmen هما النقل الأكثر إثارة للأهمية للكوميكس والذان ظهر بهما إحساس حقيقي بقرب الإنتاج الفني لعالم الكوميكس عنه عن عالم الواقع.
شارك رودريغز في اخراج هذا الفيلم واحد من أساتذة فن الكوميكس وهو فرانك ميلر والذي قدم لنا كوميكس 300 أيضاُ. بالتالي كان الأمر قوة حقيقية في عالم تجارب الكوميكس السينمائية إلا أن السحر الحقيقي للفيلم يأتي من مدرسة تارنتينو. علينا ان نعرف أن تارنتينو ترك بصمة حقيقية في الفيلم بإخراجه لمشهد محوري به وشارك بالرأي كذلك! كما أنه قدم لشخصية الفتاة العنيفة ميهو السيف الذي استخدمته في الفيلم من محفوظاته الخاصة حيث أنه احتفظ بالسيوف التي ظهرت في فيلمه Kill Bill: Vol.1 في جراج منزله! الممازجة مرة أخرى في الحبكة والشخصيات الأيقونية والفريدة من نوعها والتي تظهر في قصص منفردة/متصلة ببعضها هي السمة الأساسية التي أنجحت الفيلم وجعلته أحد أهم التجارب الخارجة من قبعة الحاوي تارنتينو بيد آخرين.

Hit & Run
الممثل داكس شابرديكتب ويمثل ويخرج هذا الفيلم يشاركه البطولة النسائية صديقته في الحقيقة كريستين بيل. الفيلم كوميدي باقتدار يقوم على المفارقات الطريفة التي يقع فيها الثنائي حينما يهربان من عصابة قديمة تطارد شخصية داكس بسبب عملية سطو قديمة لتكتشف الصديقة أن صديقها في برنامج حماية الشهود. الفيلم لا يقوم كثيرا باللعب على الممازجة كما يحب تارنتينو لكنه يقوم على حشو الكثير والكثير من علامات وإشارات ثقافة الـPop الأمريكية لعل أوضحها أن إسم البطل هو تشارلي برونسون النجم الأمريكي المعروف! هذا الأمر والشخصيات التي من الممكن إخراج أي منها من الفيلم وإقامة فيلم كامل ومستقل عنها أمور يفهمها ويألفها عشاق تارنتينو.

إن تارنتينو كواحد من أهم صانعي السينما الأمريكية حالياً يلعب لعبته الخاصة بمفرداته وقواعده الخاصة. ربما في مقال آخر أقوم بتحليل اقترابات الرجل وعناصر لعبته وعوالمه، لكن يجب أن أشير أننا كجمهور نستمتع بهذا الأمر ونتطلع إليه بشكل خاص وبمتابعة صادقة. وأعتقد أن الأجيال التي نشأت بمشاهدة أفلام الرجل ستقدم الكثير من صناع السينما المتأثرين بعبقرية الرجل الفريدة من نوعها والذين سيظهر في أعمالهم باستمرار بصمة الرجل الكفيلة بجعل أي تجربة عمل فني يستحق المتابعة.



تعليقات