أباطرة الإخراج في السينما الأمريكية (2) : جيمس كاميرون

  • مقال
  • 04:47 مساءً - 8 يناير 2013
  • 1 صورة



المخرج جيمس كاميرون

عودة بعد توقف إضطراري لسلسلة أباطرة صناعة السينما. والعودة اليوم مع احد فرسان الخيال الذي احترف إخراج التحف الفنية التي تجمع وجهي الصناعة اللذين من الصعب الجمع بينهما بهذا الإتقان، من وجه نرى تحف فنية وبصرية ربما يمثل كلا منهاً علامة أيقونية فارقة في الصناعة وما ينظر إليه من يأتون بعده. ومن وجه آخر نرى مشروع تجاري ناجح يصرف الملايين ليجني أضعاف هذه الأرقام تجارياً ويحقق التخمة المتوقعة في جيوب صانعي الفيلم. موعدنا اليوم مع فخر الصناعة الكندية المخرج الأسطوري جيمس كاميرون.

جيمس كاميرون ولد في أونيتاريو الكندية في العام 1954. نشأ في كندا وانتقل وأسرته إلى كاليفورنيا في العام 1971 وهو في السابعة عشر من عمره. بمحاولات متواضعة لإكمال الدراسة والتخصص في الفيزياء بدأ في أمريكا. هذه المحاولات وإن لم تستمر وانتقل لدراسة الأدب الإنجليزي إلا أنها أصابته بعشق العلوم وأشكالها. أثناء شبابه هذا اشتغل كسائق للشاحنات يقضي أوقات فراغه في القراءة عن العلوم المختلفة وكل ما يتعلق بالخدع والمؤثرات البصرية حتى أبحاث وأوراق الطلاب الجامعيين من المكتبات العامة والجامعية. في العام 1977 شاهد الشاب كاميرون التاج المتوج على رأس أفلام الخيال العلمي لجيله وما تلاه من أجيال ورائعة جورج لوكاس Star Wars، قرر وقتها كاميرون التوقف عن عمله ودخول عالم السينما مهما كان الثمن. البداية كانت أنه قرأ كتاب السيناريو للمؤلف سيد فيلد ورأى أن بإمكانه فعل الكثير فيما يتعلق بدمج الفن البصري بالعلوم المختلفة. وكتب فيلم قصير يدعى Xenogenesis. أجر كاميرا استوديو بالقليل من الأموال التي يملكها. وكطالب علم وصنعة مخلص وقبل أن يصور إنتاجه هو وصديقين له، قام كاميرون بتفكيك الكاميرا لقطع حتى يعرف كيف تعمل الكاميرا فعلياً وأمضى يومه الأول فقط في فهمها وإعادة تجميعها مجدداً!

بشكل ما وجد طريقه إلى استوديوهات روجر كورمان أسطى المهنة الأول الذي ساهم في تلقين المهنة كما قلنا مسبقا للعديد من الأباطرة أمثال كوبولا و سكورسيزي وحتى نجوم التمثيل ك روبرت دي نيرو و جاك نيكلسون. كاميرون عمل في استوديوهات الرجل كصانع للنماذج والمجسمات. بالرغم من أفلام المقاولات والفئة B التي ينتجها كورمان إلا أن كاميرون عمل بأقصى طاقته ليبرع في ما يعمل ويطور من إمكاناته. في 1980 عمل كمخرج فني لفيلم Battle Beyond the Stars. في العام التالي كان مسؤول المؤثرات البصرية وشارك في إخراج بعض اللقطات في فيلم Escape from New York وفي نفس العام عمل كمصمم في Galaxy of Terror.

في العام نفسه يستمر الظهور المبهر والصدفة الغريبة حيث يشارك في فيلم Piranha II: The Spawning كمخرج للمؤثرات الخاصة. إلا أن خلاف يقع بين المنتج والمخرج يتسبب في تقديم فرصة الإخراج الأولى لكاميرون لهذا الفيلم! هنا لنا وقفة مع أحداث تصوير الفيلم الأول لكاميرون، فالمنتج أوفيديو أسونيتيس بالرغم من اختياره لكاميرون لإخراج الفيلم إلا أن الأمر كان شبه صوري فقام بالتدخل في الكثير من الأمور لدرجة طرده لكاميرون فعلياً بعد أيام من بدء التصوير !! إلا أنه دعاه مجدداً للموقع وسمح له فقط بإخراج الفيلم في موقع التصوير ومنعه من التدخل في المونتاج أو رؤية ما صور إن كان جيداً أم لا!! حتى أنه استغل مرض كاميرون من تسمم غذائي لينفرد بمونتاج الفيلم!! الأمر الذي دفع كاميرون للتسلل لغرفة مونتاج الفيلم في جنح الظلام وتحرير نسخته الخاصة من الفيلم إلا أن الحرس ألقوا القبض على المخرج المسكين وهو يرتكب هذا الفعل الفاضح بتحرير فيلمه وصادروا نسخته الخاصة وقام أسونيتيس بإعادة التحرير ليقدم لنا واحد من أسوأ الأفلام لهذه الفئة بالطبع. الفيلم الذي يقول كاميرون عليه في مقابلة قريبة أنه لا بأس به بالمرة فقط إن شاهدته وأنت على درجة عالية من السُكر!!

قلنا ان كاميرون كان ملازماً لفراش المرض في هذا الفيلم الكارثة، أثناء نومه وهذيانه من الحمى حلم بآلي خفي قادم من المستقبل لقتله! يستيقظ كاميرون ويشرع في كتابة إنطلاقته الحقيقية لعالم السينما وفيلم The Terminator. في العام 1984 فرغ من كتابة سيناريو فيلمه وبدأ رحلة البحث عن ستوديو يتبنى العمل شريطة أن يسمح له هو بإخراجه! كل الاستوديوهات رحبت بالعمل وفكرته المثيرة لكن الجميع رفض المغامرة في ترك العمل لإخراج كاميرون المبتدئ الذي لا يحمل في سيرته الذاتية من إنتاجات إلا الفيلم الكارثي الذي حكينا عنه! في النهاية استطاع أن يعثر على شركة إنتاج بدأت للتو أعمالها وترأسها جال آن هورد والتي عملت في ستوديوهات روجر كورمان وعرفت كاميرون من عمله هناك. جال اشترت السيناريو بشرط كاميرون مقابل دولار واحد واشترطت العمل كمنتج للفيلم. بميزانية لم تتجاوز السبع ملايين استطاع الفيلم أن يجمع في أسبوعه الافتتاحي حوالي أربعة ملايين دولار! ليقفز الرقم مع العرض العالمي إلى 75 مليون.

في العام 85 عمل كاميرون على سيناريو فيلمين هما Aliens و Rambo: First Blood Part II . إلا أن سيناريو رامبو تم تحويله بالكامل على يد البطل سيلفستر ستالون. في العام التالي يبدء كاميرون في تصوير Aliens وهو الجزء الثاني لرائعة رادلي سكوت من 1979 Alien. بالرغم من تشكيك أبطال الفيلم في المخرج الجديد وبديل سكوت مخرج الجزء الأول. وبالرغم من المشاكل أثناء التصوير التي دفعت كاميرون للتخلص من مصور العمل وأحد أبطاله لعدم قدرته على احتواء المشاكل والصراعات. حقق الفيلم بميزانية تقدر بـ18 مليون دولار نجاح تجاري مذهل وصل لحدود الـ115 مليون! الفيلم أعجب النقاد والمشاهدين لدرجة أنه فعلياً العلامة الفارقة في السلسلة وفاق روعة العمل الأصلي بمراحل! في العام 1989 يقدم كاميرون واحد من أهم أفلام الخيال العلمي لهذه الفترة – وأحد الأفلام المفضلة لي لأنه من أوائل الأفلام التي شاهدتها في وقتها وعمري سبع سنوات – وهو فيلم The Abyss. الفيلم لم ينجح تجارياً ومثل كارثة بميزانيته التي عدت من أضخم الميزانيات وقتها على منتجة الفيلم وكل أفلام كاميرون حتى هذا التاريخ جال آن هورد، الفيلم رصد له 49 مليون دولار لكنه جاوز هذا الرقم بعشرين مليون أخرى! ولم يجمع اكثر من 55 مليون فقط! أغلب الفيلم يدور تحت سطح الماء وفي ظل انعدام التكنولوجيا اللازمة وقتها لخلق موقع التصوير هذا رقمياً فقد قام كاميرون بتطوير العديد من الخدع وتعديل العديد من الكاميرات لتلائم التصوير الفعلي تحت الماء! وقام بملأ خزانين ضخمين لمفاعل نووي غير عامل بملايين الجالونات من المياه وقام بتدريب كامل طاقم التصوير على الغطس تحت الماء بشكل احترافي!

في العام 1991 يأتي الجزء الثاني و Terminator 2: Judgment Day وهو الأكثر نجاحاً في سلسلة الأفلام هذه. كارثة انتاج The Abyss لم تثني الرجل عن رؤيته وقام بصرف 94 مليون في هذا الفيلم. هنا يحدث العكس تماماً ويحقق لفيلم عالمياً رقم قياسي وقتها ويتجاوز حاجز النصف مليار دولار في عوائد شباك التذاكر! في 1994 يستمر كاميرون في هوايته في صرف الدولارات ويقدم True Lies بميزانية 115 مليون! ويستمر بعدها في فيلمه التالي وهو الأكثر شهرة Titanic في 1997 ليصرف حوالي 200 مليون دولار وهو الرقم القياسي في ذاك التاريخ! الفيلم لازال يحقق الأموال حتى اليوم وعوائده تقدر حتى العام الحالي بحوالي 2 مليار دولار!! الغريب أن أنباء الميزانية التاريخية للفيلم قبل عرضه ساهمت في خلق دعاية مؤثرة للفيلم جذبت العديدين لمشاهدة هذا الإنتاج المكلف. الأرقام القياسية تواصلت في ليلة الأوسكار والترشح لـ14 جائزة وتحقيق 11 منها! طبعاً كان منها أوسكار أفضل مخرج لكاميرون وأوسكار آخر للرجل عن تحرير الفيلم.

في 1998 بدء كاميرون شركة انتاج خاصة باسم Earthship Productions وقدم عدد من الأفلام الوثائقية التي دارت في الأغلب تحت الماء! في 2000 كاد كاميرون أن يقدم لنا فيلم عن الرجل العنكبوت سبايدر مان إلا أن المشروع توقف وبدلا عنه قدم مسلسل تلفيزوني للخيال العلمي مع النجمة جيسيكا ألبا ومسلسل Dark Angel. في العام 2005 يعلن كاميرون أنه يعمل على مشروعين أحدهما هو Battle Angel والذي استمده من سلسلة المانجا اليابانية Battle Angel Alita. وأيضاً ما عرف وقتها بالمشروع 880 وكلا المشروعين أعلن أنهما سيكونان من أنتاجات الأبعاد الثلاثة. في 2009 يقدم لنا المشروع 880 وهو ما قدم تحت إسم Avatar. كاميرون قال أنه انتظر منذ العام 1995 لتقديم قصته فقط حتى توجد التكنولوجيا الملائمة لتقديم فكرته! الفيلم يعد علامة فارقة في الإنتاجات السينمائية وكاميرون خلق عالم كامل أبهر الجميع ولو كان لي عليه عدد من الملاحظات أحكيها لكم في مراجعات مستقبلية. ميزانية ضخمة كالعادة قاربت 240 مليون وعوائد أضخم بلغت خلال سنتين فقط ما يقارب 3 مليارات دولار!! رشح كاميرون للأوسكار عن هذا الفيلم إلا أن زوجته السابقة كاثرين بيجويل اقتنصت منه الأوسكار بإخراجها لفيلم The Hurt Locker. في العام 2011 يعمل كمنتج منفذ في فيلم الخيال العلمي Sanctum. ويعلن بعدها انه سيتابع تقديم أجزاء تالية من فيلم Avatar.

كاميرون سيد متوج بالأرقام على عرش سينما الخيال العلمي والمؤثرات الخاصة. بالرغم من قلة إنتاجات الرجل إلا أنه من فرسان هذا الفن بلا منازع. الرجل يعشق الاكتشاف والريادة وما يفعله تقنياً في أفلامه يدرس في مختلف مضامير الإنتاجات البصرية وإن لم يعجبك المنتج الدرامي في أعماله مثلي. الرجل وصل لدرجة إدمان التطوير التقني والاستكشاف والمغامرة لدرجة أنه في مارس 2012 هبط بشكل منفرد في قاع المحيط 10,898 متر في أعمق نقطة على ظهر الأرض وعلى متن غواصة خاصة قام بالمشاركة في تصميمها وتنفيذها!! رحلة مذهلة هي من قياة الشاحنات إلى قيادة الغواصات!! بمثل هذا الرجل تفتح آفاق جديدة في عالم السينما وإمكانات حديثة لنقل أحلام الحالمين.

[http://www.youtube.com/watch?v=B7YcqDPykQI]



تعليقات