عندما سُئل منير مراد في حوار إذاعي عن سر نجاحه قال "أنا معجون بالفن"، ولعل هذه الإجابة كانت الأنسب والأفضل لوصف هذا الفنان العبقري، فبالفعل كان منير مراد معجون بالفن، فهو ملحن، وممثل، وفنان استعراضي، وكاتب سيناريو، ومساعد مخرج.
وعلى الرغم من تلك الموهبة المتفردة خاصة في مجال الموسيقى، حيث قدم حوالي 3000 لحن على مدار مشواره الفني، إلا أنه لم ينل المكانة التي يستحقها سواء في حياته أو حتى بعد مماته.
وفي ذكرى ميلاد الفنان الشامل الذي سبق عصره، نلقي الضوء على أبرز محطات في حياته، سواء كملحن عبقري قدم أعظم الألحان لكبار نجوم عصره، أو كممثل خفيف الظل، أو كإنسان يمتلك قلب من ذهب، ويساعد كل من حوله.
عائلة فنية
نشأ موريس زكي مراد في جو فني جعله يعشق الموسيقى والغناء منذ طفولته، فأسرته تعتبر من رموز الموسيقى والغناء، فوالده زكي مراد كان من أشهر مطربي عصره، وشقيقته الكبرى قيثارة الغناء العربي ليلى مراد، وكان منزل العائلة بمثابة صالون ثقافي وفني، وكثيرا ما كان منير مراد يشاهد كبار الملحنين مثل محمد عبد الوهاب، و زكريا أحمد، و رياض السنباطي في المنزل يلقنون الألحان لشقيقته.
وقد تميز منذ طفولته بتقليد الشخصيات، بدءً من أفراد الأسرة وحتى كبار النجوم، كما كان يهوى الموسيقى والغناء، وقد تلقى مبادىء الموسيقى من والده.
درس منير مراد في مدرسة فرنسية، وأتقن العديد من اللغات، على الرغم من أنه لم يكن متفوقا في دراسته، وعقب حصوله على الشهادة الثانوية، التحق بالكلية الفرنسية، ولكنه سرعان ما تركها، وكان عمره حينها 17عاما. وعلى الرغم من امتلاك منير مراد موهبة فنية، إلا أنها لم تظهر في وقت مبكر، ربما لأن الاهتمام الأكبر كان منصبا على ليلى مراد التي كانت ملء السمع والبصر في ذلك الوقت.
عامل كلاكيت
يعتقد الكثيرون أن منير مراد بدأ حياته الفنية ملحنا، ولكن هذا لم يكن صحيحا، حيث قطع مشوارا طويلا، حتى استطاع أن يقدم أولى ألحانه. فعقب تركه للدراسة، عمل لبعض الوقت في مجال التجارة، وكان بائعا للجبن والصابون وأمواس الحلاقة، ثم بدأ حياته الفنية كعامل كلاكيت مع المخرج توجو مزراحي، كما ظهر ككومبارس في بعض الأفلام، بعدها عمل كمساعد مخرج مع العديد من المخرجين الكبار منهم كمال سليم و حسن الصيفي و أحمد بدرخان، ووصل عدد الأفلام التي ساعد في إخرجها لحوالي 250 فيلم، وقد ساعدته تجربة العمل مع مخرجين كبار من مدارس فنية مختلفة في بناء خبرته التي ازدادت نتيجة احتكاكه بالفنانين من ممثلين وموسيقيين ومطربين، بالإضافة لأصحاب المهن السينمائية الأخرى.
أنور وجدي
عقب زواج أنور وجدي وليلى مراد، اقترب منير مراد من زوج شقيقته، الذي اختاره مديرا لمكتبه، ثم مساعدا له في الإخراج، فساعد أنور وجدي في 24 فيلما من إخراجه. لم يكتف منير مراد بأن يكون مساعد مخرج، حيث شعر بأن موهبته الأساسية في التلحين والموسيقى، فحاول إقناع أنور وجدي بمواهبه الموسيقية، وفي تلك الأثناء كان أنور وجدي يصور فيلم ليلة الحنة، الذي قام بإخراجه وإنتاجه أيضا، ففكر في إعطاء إحدى أغنيات الفيلم التي تقدمها شادية ليلحنها منير مراد، وبالفعل أعطاه كلمات أغنية "واحد اتنين"، فلحنها منير مراد بطريقة مميزة، وكانت أغنية رشيقة وخفيفة، برزت فيها موهبة منير مراد في التلحين.
نجحت الأغنية نجاحا كبيرا لدرجة لم يتوقعها منير مراد نفسه، وطلب منه كثير من المطربين أن يُلحن لهم، فقرر ترك عمله كمساعد مخرج، والتفرغ للموسيقى والألحان.
شادية
لايمكن أن نتحدث عن منير مراد كملحن متميز دون أن نذكر شادية، حيث كان منير مراد من أكثر الملحنين الذين تعاونت معهم، فقدم لها حوالي 70 لحنا على مدار تعاونهم الفني الذي استمر 20 عاما.
وقد غنت شادية لغيره من الملحنين، إلا أن ألحانه المميزة كانت أشهر أغنياتها وأجملها، فكان صوتها أنسب الأصوات لألحانه، وعلى الرغم من أن كثيرا من الأغنيات التي قدمتها شادية من ألحانه تتسم بخفة الظل والمرح مثل: "دبلة الخطوبة" و"دور عليه تلقاه" و"سوق على مهلك" و"ألو ألو" إلا أنه قدم أيضا نمط مختلف عن الأغاني الخفيفة مثل "إن راح منك يا عين"، كما لحن لها الدويتو الشهير الذي قدمته مع عبدالحليم حافظ في فيلم معبودة الجماهير "حاجة غريبة".
إن راح منك يا عين:
[https://www.youtube.com/watch?v=WsCZ0XZilSA]
صداقة وتعاون فني
النجاح الكبير الذي حققه منير مراد مع شادية، لفت أنظار العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ إليه، حيث شعر عبد الحليم بذكاءه الفني أن منير مراد ملحن متميز، لديه فكر مختلف في التلحين، ويميل إلى التجديد والابتكار، فغنى من ألحانه العديد من الأغنيات سواء كانت رومانسية ناعمة، أو تلك التي تتسم بالبهجة والفرح، ومن أشهر تلك الأغنيات، و"حياة قلبي وأفراحه"، التي تعد أشهر أغنية للناجحين حتى الآن، و"أول مرة تحب يا قلبي" و"بكرة وبعده" و"بحلم بيك" و"دقوا الشماسي" و"مشغول" و"ضحك ولعب وجد وحب"، وغيرها من الأغنيات الجميلة.
ولم تقتصر العلاقة بين عبدالحليم ومنير مراد على العمل فقط، فكان منير مراد من أقرب أصدقاء العندليب الأسمر، وخاصة في السنوات العشر الأخيرة من عمره، وكثيرا ما كان يصاحبه في رحلاته العلاجية في لندن.
محدش شاف
لم يكتف منير مراد بالنجاح في مجال التلحين، وتطلع لأن يكون نجما سينمائيا، خاصة مع امتلاكه جميع المقومات التي تؤهله لذلك، وكانت البداية من خلال فيلم أنا وحبيبي الذي قام ببطولته مع شادية، كما قام بكتابة قصة الفيلم، ووضع كل الألحان التي غنتها شادية، أو التي شاركها الغناء فيها، وكان أيضا مساعدا لمخرج الفيلم، حقق الفيلم نجاحا كبيرا، وحقق أرباحا طائلة، واستطاع منير أن يثبت نفسه كممثل خفيف الظل، وأيضا كفنان استعراضي شامل يغني ويرقص، ولعل أبرز ما قدمه منير مراد في الفيلم اسكتش "محدش شاف" الذي أثبت فيه موهبته في التقليد، حيث قلد ببراعة العديد من المطربين منهم محمد عبدالمطلب و محمد فوزي و فريد الأطرش، بالإضافة لشقيقته ليلى مراد.
محدش شاف:
link]
النجاح الذي حققه منير مراد من خلال فيلمه الأول شجعه على تكرار التجربة من خلال فيلم نهارك سعيد للمخرج فطين عبدالوهاب، حيث قدم في هذا الفيلم التوليفة التي قدمها في فيلمه السابق، من رقص وغناء واستعراض، وعلى الرغم من ذلك لم يحقق الفيلم النجاح المنتظر، وفي نفس العام قدم دورا صغيرا في فيلم موعد مع إبليس، مع زكي رستم و محمود المليجي، وبعد هذا الفيلم قرر الاكتفاء بما قدمه من أفلام، والتركيز بشكل كامل على التلحين، وبالفعل ابتعد عن التمثيل بشكل كامل، ولكن بعد 9 سنوات، طلب منه صديقه المخرج حسن الصيفي أن يقدم استعراضا في فيلمه بنت الحتة، فوافق على طلبه، وقدم استعراض البطة مع سامية جمال.
استعراض البطة:
link]
معجون بالفن
على الرغم من أن منير مراد اشتهر بأغنياته التي قدمها لعبدالحليم حافظ وشادية، إلا أنه تعاون مع العديد من المطربين الآخرين، وقدم لهم أجمل الألحان، لعل أبرزهم شقيقته الفنانة ليلى مراد التي قدم معها عشر أغنيات أشهرها "أنا زى ما أنا"، كما لحن لـ صباح "علمني الحب"، ولـ شريفة فاضل أغنيات كثيرة منها "حارة السقايين"، ومن الفنانين الآخرين الذين لحن لهم المبدع منير مراد، فايزة أحمد، و مها صبري، و محرم فؤاد، و ردة، و نجاح سلام، و محمد رشدي الذي قدم له أشهر أغنياته "كعب الغزال".
ولم يقتصر منير مراد على التعاون مع النجوم الكبار، إذ لحن للعديد من المطربين في بداياتهم، مثل هاني شاكر و عفاف راضي، كما وضع موسيقى وألحان العديد من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، مثل فيلم الزوجة 13 و مولد يا دنيا، ومسلسل برج الحظ، ومسرحية حواء الساعة 12، ووضع أيضا أشهر موسيقى الرقصات والاستعراضات التي قدمتها تحية كاريوكا، وسامية جمال و نعيمة عاكف.
سابق عصره
ربما كان أهم ما ميز منير مراد طوال مشواره الفني أنه كان فنانا غير تقليدي، وكانت لديه دائما أفكارا جديدة ومبتكرة، ربما لم يستوعبها البعض في حينها، ومن الحكايات التي تؤكد هذا الكلام، أنه في أحد الأيام بعد انتشار التليفزيون، ذهب لرئيس التليفزيون في ذلك الوقت، وعرض عليه تقديم برنامج فني يقوم فيه بتقديم أهم الأخبار والمقالات الموجودة في الصحف بطريقة مغناة، ثم وقف في منتصف الغرفة ممسكا بالجريدة، وغنى له وهو يرقص "عبدالناصر في باكستان..عبدالناصر في باكستان".
لم يستوعب المسئول الحكومي حينها فكرة منير مراد، فرفضها بشكل قاطع، وفي نفس الوقت الذي رفض فيه التليفزيون المصري أفكار منير مراد، كان التليفزيون المكسيكي يمنحه ساعة أسبوعيا يقدم فيه إبداعاته المختلفة، وكان اسم البرنامج ساعة مع منير مراد.
أم كلثوم
على الرغم من أن منير مراد لحن لمعظم نجوم عصره، إلا أن أحد أحلامه الرئيسية كان التلحين لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وبالفعل قرر أن يفاتحها في هذا الأمر، خاصة عندما بدأت تعمل مع الملحنين الشباب في ذلك الوقت مثل بليغ حمدي، و محمد الموجي، و كمال الطويل، فطلب منها أن تغني من ألحانه، ولكن كان أمر صعبا، لأن ألحان منير مراد لا تتناسب مع صوت أم كلثوم القوي، فاقترح عليها أن تغني لحنا من ألحانه بين الوصلات الطويلة التي تقدمها على المسرح، فوعدته بالتفكير في الأمر، ولكن في النهاية لم يتحقق حلم منير مراد.
حب العمر
لم يكن منير مراد من الفنانين الذين يحبون التحدث عن حياتهم الخاصة، لذلك لا توجد كثير من المعلومات المتوفرة في هذا الموضوع، ولكن الأمر المؤكد أنه تزوج ثلاث مرات، الأولى من فتاة يهودية إيطالية، التي أنجب منها ابنه الوحيد زكي، ثم تزوج الفنانة سهير البابلي 9 سنوات كاملة من عام 1958 وحتى 1967، وتعتبر سهير البابلي الحب الحقيقي في حياته، ولكن نتيجة تعدد الخلافات، وغيرة منير مراد الشديدة، انتهت الزيجة بالطلاق، وقد ظل منير مراد سنوات عديدة بلا زواج، حتى تزوج للمرة الأخيرة من خارج الوسط الفني من فتاة تدعى ميرفت جودة قبل وفاته بأشهر عام 1981.
أما عن ابنه الوحيد زكي، فلم يعش معه فترة طويلة، حيث سافرت به والدته إلى الولايات المتحدة، وعاش معها هناك، ولكن لم تنقطع صلته بوالده، فكان منير مراد يسافر إليه كل فترة للاطمئنان عليه.
شائعات
عانى الفنان منير مراد من العديد من الشائعات في حياته، منها ما يتعلق بحقيقة إسلامه، حيث ذكر البعض أنه أسلم ليتزوج من الفنانة سهير البابلي، ولكن هذا لم يكن صحيحا، حيث أسلم قبل زواجه بفترة كبيرة، وتحديدا في نهاية الأربعينات، وغير اسمه من موريس لمنير، وأصبح اسمه يُكتب في تترات الأفلام التي عمل بها كمساعد مخرج منير مراد. وبعد انفصاله عن سهير البابلي، لم يسلم من الشائعات أيضا، فقيل أنه عاد لديانته اليهودية مرة ثانية، ولكن هذا أيضا لم يكن حقيقيا، حيث ظل على إسلامه، وكانت زوجته الثالثة فتاة مسلمة، كما أنه عقب وفاته لم يرثه ابنه زكي، لأنه كان يهوديا، أما منير مراد فكان مسلما، ومن الشائعات أيضا التي قيلت عنه، أنه لم يقدم أغاني وطنية كغيره من الملحنين، وأن ذلك يعود إلى أصوله اليهودية، ولكن الحقيقة أنه قدم العديد من الأغاني الوطنية في أعياد الثورة، والمناسبات الوطنية المختلفة ومنها انتصار أكتوبر، فقدم لشادية أغنية "عربي في كلامه"، و"بلد السد"، و"أيامنا الحلوة جاية" التي كتب كلماتها صلاح جاهين، ومن أغانيه الوطنية شدت ليلى مراد من ألحانه "عيد الكرامة"، كما لحن لمها صبري أغنية "نصر السد"، ولكن الأزمة أن أغانيه الوطنية لم تكن بشهرة أغانيه العاطفية، فاعتقد الكثيرون أنه لم يقدم أغاني وطنية في حياته.
الرئيس السادات
ظل منير مراد حتى وفاته يقدم ألحانه المتميزة للعديد من النجوم، وإن كان في سنواته الأخيرة قل عدد الأعمال التي يقدمها، وفي يوم 17 أكتوبر عام 1981 توفى عن عمر يناهز 59عاما، وقد جاء رحيله في هدوء دون أي اهتمام إعلامي، لأنه توفى بعد أيام قليلة من اغتيال الرئيس السادات.