في تجربة بصرية هي الأفضل على الإطلاق على مدار 20 سنة على الأقل، نجح فيلم الفيل الأزرق في انتشال إرضاء النقاد والجمهور معاً وتفوق في سباق قوي وصعب بعيد الفطر.
ومن المتوقع أن يستمر متربعاً علي عرش دور العرض لمدة كبيرة، ولكن الأهم من شباك التذاكر والنقاد هي "النقلة" التي سببها الفيلم لأعين المشاهد المصري. المشاهد المصري الذي أعاد اكتشاف ذاته عاشقاً للسينما بعد فترة فقر فني وجبن إنتاجي وسخط مجتمعي على الصناعة وصناعها. فإذا كنت لتعتبر نفسك من معجبين فيلم الفيلم الأزرق وتتمني أن تستمر تلك الحركة الفنية، فإليك خمسة أشياء لابد وأن تفعلها إن أردت أن تشارك في إنجاح مثل هذه التجارب في المستقبل القريب.
1) فيلم لـ" مروان حامد" و" أحمد مراد"
طالما اعتدنا أن نسمي الأفلام بأبطال العمل من الناحية التمثيلية. فأصبح فيلم " صعيدي في الجامعة الأمريكية" "بتاع محمد هنيدي" وفيلم " الجزيرة" "بتاع أحمد السقا" وكأن الذاكرة لا تسمح بالمزيد من المعلومات. حان الوقت لنسمي الأشياء بمسمياتها. بالطبع الجانب التمثيلي عنصر هام لإكتمال العمل السينمائي ككل. ولكن، إذا أردنا أن نتذكر وننسب الأعمال لأشخاص لابد لمخرج ومؤلف العمل أن يأخذا نصيب من الكعكة. ولك في الفيل الأزرق عبرة، نجحت رواية "أحمد مراد" في سوق الرواية المصري وبالتالي جميع من قرأوها أخرجوها في خيالتهم أولاً ثم شاهدوها داخل خيالات "مروان حامد" في صالات العرض، وانبهرنا جميعاً، وعلى إثره، بدأ المشاهد المصري أن يناقش القصة والصورة بدلاً من ملابس البطلة وشعرها. لذا حاول أن تخلد أسماء صناع أفلامك المفضلة كما فرض ذلك عليك صناع الفيل الأزرق، وعندما تُسأل فلتكون إجابتك "بتاع أحمد مراد ومروان حامد...و كريم عبد العزيز" فذلك أكثر إنصافاً للجميع!
2) الفيلم الأفضل علي مستوي العالم!
علي الموقع الشهير IMDB تم تقييم الفيلم بنسبة تزيد عن الـ9\10. السكان الأصليين للموقع اتهموا جمهور العمل بالمبالغة في التقييم، ودعمت الصحافة المصرية هذا الاتهام بإقحام الفيلم في مقارنات مع أنجح أفلام هوليوود بل وادعت تفوق الفيل الأزرق عليهم. من الوارد أنك قد أعطيت الفيل الأرزق 10\10. ولك الحق الكامل في ذلك، فموقع IMDB يعتمد في المقام الأول علي تقييم الجمهور ومن هنا تأتي مصداقيته. ولكن لا تكتفي بدعمك لفيلم الفيل الأزرق فقط، وأذهب في نفس الموقع لقائمة أفضل 250 فيلم، وقم بمشاهدة ما تقدر من الأفلام "المعدودة"، التي يبدأ تقييمها من 8.5\10 فما فوق. واعتقد إنك ستتراجع عن العلامة الكاملة لفيلم الفيل الأزرق. وإن لم تفعل. لا بأس، فمشاهدتك للمزيد من الأعمال الجيدة هو للصالح العام.
3) التاريخ .. التاريخ .. التاريخ
تم تشويه كل ما يتعلق بكلمة "تاريخ" علي مدار سنوات من خلال نظام تعليمي بائس في مدارسنا المصرية. فأصبحنا، أوتوماتيكياً، نربط ما بين كلمة "تاريخ" وفعل "الحفظ"، حفظ بعض الأحداث المسرودة بملل في كتب الوزارة وحفظ بعض الأرقام التي بالطبع قد نسيتها جميعاً مباشرة بعد الامتحان وحفظ الخرائط لسبب لا تعلمه حتي الآن. سأستغل تجربة الفيلم الأزرق لأذكرك بقيمة التاريخ في محاولة للتطهر من هذا الربط. أبعاد التاريخ وأهميته تتعدي بكثير امتحانات الثانوية العامة. وحقيقةً إدراك ما حدث في الماضي عنصر أساسي لممارسة الحاضر بشكل أفضل. والسعي وراء هذا الإدراك سيجعلك أيضاً، أوتوماتيكياً، تهتم بمعرفة بعض التواريخ "الأرقام" وتريد أن تفهم البُعد الجغرافي للحدث "الخرائط". وهذه المرة لن تنساهما أبدا، فليس هناك إمتحان، أما إذا كان ما فات لم يكن مغرياً لك بالقدر الكافي لتبدأ في قراءة التاريخ، فأريدك أن تعلم أن هناك حكايات وأحداث تفوق ما جاء في فيلم الفيل الأزرق بمراحل من الجانب التشويقي. وهذا قد يؤهلك، ولما لا، في استخدام ما ستقرأ من التاريخ لتشارك في صنع عمل فني كفيلم الفيل الأزرق!
4) الجنس ما بين المنطق والغرائز
تضمن فيلم الفيل الأزرق عدة تيمات طوال الثلاث ساعات، وكان "الجنس" إحدي تيماته الرئيسية، ولكن.. لم يسخط أحد! بعد سلسلة من أفلام الراقصات التي تخاطب غرائز الإنسان ورفض المجتمع الشديد لها، جاء أحمد مراد بفيلم روائي طويل إحدي ركائزه الأساسية "الجنس".. ولم يسخط أحد! وهذا يجعلنا نعيد التفكير، "هل كان الجنس هو سبب سخط الجمهور علي أفلام "الراقصة والبلطجي" أم "طريقة" تناوله هي السبب؟" بالطبع الإجابه هي طريقة تناوله. فالجنس هو جزء من الرحلة الإنسانية بل هو سبب استمرارها. والسينما هي مرآة المجتمعات، فإذا تم تهميش الجنس لمجرد أنه "جنس" فقدت السينما واقعها ومنطقها وسببها. فلا تبني أصنام أو تابوهات وتنسبها للسينما بسبب سوء استخدامها من البعض. حتي وإن كان "البعض" هم الأغلبية، وتناول المواضيع والأفكار بمنطق وإنسانية، دائما، كما فعلت مع فيلم الفيل الأزرق.
5) الإنتاج السينمائي والفقراء والدولة
"مش كان أحسن الفلوس دي تروح للغلابة؟!". تلك الجملة الخالدة التي تقال مع بداية كل موسم إنتاجي في مصر، وكأن إيرادات الأفلام هي فقط من أجل جيوب صناعها من أصحاب الشاليهات. ويأتي الواقع لينفي هذا الإدعاء تماماً. فعلى الأقل هناك ألفي شخص، لا يذهبون إلي الساحل الشمالي ليقضون الأجازة، مستفيدين من نجاح فيلم الفيل الأزرق. بدايةً بالفنيين الذين شاركوا في بناء الديكورات مروراً بحاملي المعدات وقت التصوير، نهاية بعمال دور العرض الذين ينتظرون بعض الفكة نظير مرافقتهم لك إلي كرسيك. فالإستثمار في صناعة السينما مثله كأي إستثمار في أيِ من المجالات. أصحاب رؤس الأموال يُقدر لهم النصيب الأكبر من المكاسب، ولكن هذا لا يعني أن هناك من "يخسر". فالجميع مستفيد من نجاح الإستثمار في السينما وعلى رأسهم "الغلابة"، فهناك "دول" تعتمد في المقام الأول لدعم ميزانياتها علي إيرادات صناعة السينما. فنجاح الإستثمار في السينما من نجاح المجتمع وليس العكس. فلا تحمل صناعة السينما أكثر مما تحتمل ولا تبرر فشل آخرون بنسبه إلي السينما وكن كحائط الصد لمثل هذه الإدعائات.. إذا أردت أن تري أفلام بحجم الفيل الأزرق طوال العام!