"جئنا كأصدقاء": الحقيقة صادمة وجميلة أيضًا

  • مقال
  • 01:41 مساءً - 14 نوفمبر 2014
  • 1 صورة



"جئنا كأصدقاء": الحقيقة صادمة وجميلة أيضًا

ضمن فعاليات المسابقة الرسمية الدولية لـ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي السادس والثلاثين، عرض الفيلم التسجيلي الفرنسي "جئنا كأصدقاء" ( We Come as Friends) للمخرج الفرنسي النمساوي هيوبيرت سوبير.

الفيلم إنتاج عام 2014، ويعتبر من أهم أفلام العام التسجيلية، حيث تم عرضه لأول مرة في مهرجان صندانس للأفلام المستقلة، وحصل هناك على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وهو يتابع انفصال جنوب السودان عن الشمال والمشكلات السياسية التي تسيطر على الإقليم الذي أصبح أحدث دولة مستقلة في العالم، والمآسي التي يعانيها شعبه من فقر ومجاعات وعدم توفر لأساسيات الحياة، بالرغم من أن المنطقة من أغنى بقاع العالم بالموارد الطبيعية.

هيوبيرت سوبير من مخرجين الأفلام التسجيلية ذو الطابع المغامر الذي يعيش تجربة فيلمه على أنها تجربة شخصية حياتية له، يتصرف بشجاعة وراء الكاميرا ويفعل المستحيل من أجل أن يتمتع بالحرية الإبداعية التي يتطلبها لإخراج فيلمه بالأسلوب والشكل النهائي الذي يريده.

لتصوير فيلم We Come as Friends حلق سوبير فوق سماء جنوب السودان باستخدام طائرة صغيرة قام ببنائها كاملة بمجهوده الذاتي في إحدى المزارع التي يمتلكها في فرنسا طيلة عامين.

"لهذا تستغرق أفلامي وقتًا كثيرًا لإتمامها، لأن رحلات صنعها تحتوي على الكثير من المنعطفات.. ولكنني أردت أن أتمكن من الهبوط بحرية إلي مناطق عسكرية لم أكن سأتمكن من زيارتها باستخدام دعاوي أو تصاريح.. طائرتي كانت بمثابة حصان طراودة الذي يهبط إليهم من السماء".

رؤية سوبير في We Come as Friends واضحة منذ اللقطات الأولي، ففيلمه يتابع فكرة يطرحها سوبير منذ اللقطات الأولي، وهي أن السودان، بشماله وجنوبه، مستعمر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قبل الانفصال وبعد الانفصال، وأن قوي الغرب مازالت تتدخل لمكاسبها ومكاسب مؤسساتها ورؤوس أموالها وشركاتها الضخمة فقط.

يفتتح فيلمه بلقطات خلابة صورها من على متن طائرته وهو يتجول فوق نهر النيل، يصاحبها تعليق بصوته، يحكي فيه عن بدايات استعمار إفريقيا بأسلوب يعطي القصة شكل أسطوري وملحمي، ليهبط بعد ذلك إلى أحراش السودان ليثبت للمشاهد وجهة نظره، من خلال مونتاج يعتمد بالأساس على التناقضات، فالولايات المتحدة تدعي أن تدخلها العسكري في السودان، ومساعدتها للجنوب وميليشياته العسكرية على الانفصال، هو بدافع الدفاع عن حقوق شعب الجنوب الإنسانية ضد اضطهاد واستغلال الشمال بزعامة "البشير"، الذي تصوره أمام العالم كعدو نظيره الجنوبي "سالفا كير" الذي يريد بكل إخلاص أن ينشئ بلدًا مستقلًا يرعى حقوق شعوب البانتو في أساسيات الحياة.

ولكن سوبير ينتقل من خطاب لـ"كير" أمام شعبه يعده فيه بالرخاء، لحقول البترول الأمريكية، الممدودة بكافة وسائل المعية المتاحة عاملين بها من أمريكا وجنسيات أخرى، والتي حين يتركها سوبير ليتجول في المنطقة المحيطة، تكتشف أنها تبعد بضع كيلو مترات عن منطقة تعيش بها إحدى قبائل البانتو دون مياه أو كهرباء، يعمل القليل منهم لأيام متواصلة للحصول على وجبة واحدة، ونسمعهم يرددون أنهم قد سأموا مناشدة المساعدة من المسؤولين.

يتصاعد البناء الدرامي للفيلم مع الوقت، ويواصل عرض التناقضات التي كانت تقابل بصيحات الدهشة من المتفرجين، رجل دين وزوجته يأتيان من تكساس لافتتاح كنيسة، ويبيعان للسكان المحليين ملابس وأناجيل إلكترونية كسبل وحيدة للخلاص من الجوع، شركة صينية تستخرج البترول تحت رعاية الأمم المتحدة، لا تأبه لتسميمها مياه االشرب في مصادرها الوحيدة بالمنطقة، هيلاري كلينتون تتحدث عن أهداف أمريكا النبيلة في حملاتها بجنوب السودان، بينما يتحدث رجال أعمال أمريكيين وأوروبيين عن كيف أنهم قد جاءوا "للتنمية والربح أيضًا".

أهل القرى يحكون لسوبير كيف تم تهجيرهم من موطنهم الأصلي على أن يتم إنشاء منازل جديدة لهم، وسيارة الأمم المتحدة تعبر في خلفية اللقطة، ورجل في السعبينات من عمره، يتم إقناعه ببيع 600,000 هكتار من الأرض والحق في استغلال جميع مواردها مقابل 25,000 دولار.

"جئنا كأصدقاء" صريح ومباشر في عرض قضيته، ولكن هذا لا يقلل من قيمته الفنية، لأنه يعرض رؤية المخرج بهذا الوضوح من خلال أسلوب بصري مميز خالي من التصنع، ولا يتردد في عرض لقطات تبدو عشوائية خالية من الحرفة، ولكنها تأتي برسالة أقوي مما يمكن أن تحمله من جماليات، وأن لم يخل الفيلم من بعض اللقطات الساحرة، ومونتاج وبناء درامي يظهر تناقضات المشاهد ما لا يمكن أن يوصف بالكتابة.



تعليقات