«العالم لا يُمكن أن يُختزل بسهولة في شريط 35مم»
دبليو. يوجين سميث، مُصوِّر حروب.
اليوم نطرق أرضًا جافة إلى حدٍ كبير... نتحدث عن موضوع قد لا يكون مُثيرًا للكثيرين، لكنّي آمل عزيزي القارئ أن أنجح في جذب اهتمامك ببعض الحيل. اليوم نسرد التاريخ شِبه الكامل لنسبة أبعاد شريط السينما، أو كما يعرف اصطلاحًا بالـ Aspect Ratio.
كيف ولماذا اختلفت مقاييس شريط السيلولويد على طول تاريخ السينما؟ من بدأ الأمر؟ متى تُستخدم إحدى الصيغ ولا تُستخدم الأخرى؟ لماذا يُفضِّل بعض المخرجين مقياسًا معينًا؟ وماذا يمنحهم هذا المقياس أثناء التصوير؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في هذا الملف، قد ننجح أو نخفق، لكننا على الأقل سنحاول.
كي نعي جيدًا ماهية الـ Aspect Ratio يجب علينا أن نعود بالزمن إلى الوراء كثيرًا جدًا، إلى البدايات الأولى لفن السينما ذاته... لكن دعنا أولًا نضع تعريفًا واضحًا لما سنتحدث عنه.
الـ Aspect Ratio هو مفهوم بسيط وبديهي حتى خارج عالم السينما. أي صورة هي جسم ذو بعدين فقط، طول وعرض. الـ Aspect Ratio ببساطه هو نسبة ارتفاع الصورة إلى عرضها. في عالم السينما هذا الشكل الهندسي البسيط له تاريخ حافل من التغييرات والتعديلات، ويتم التعبير عن أبعاده باستخدام رقمين صحيحين، مثلًا: [4:3] أو [16:9] أو [2:1]... وهكذا. من الممكن أيضًا تحويل هذه الكسور إلى أعداد عشرية فنحصل على أرقامًا مثل [1.85] أو [2.75]. نفعل هذا لتسهيل عملية تذكُّرها، خاصةً عندما تكون الكسور غير شهيرة أو صعبة النطق أو لها وقع غريب على الأذن.
حسنًا، إذا كنَّا قد عرَّفنا الإطار الأساسي لرحلتنا، دعنا نبدأ على الفور.
من بدأها؟
نحن الآن في نهايات القرن التاسع عشر، نحاول تقفِّي أثر صناعة الفيلم السينمائي عندما كان لا يزال بعد طفلًا. في كتب السينما العتيقة نقابل رجلًا يدعى ويليام كينيدي ديكسون William Kennedy Dickson، مُبتكر أسكتلندي مغمور يعمل في معامل توماس إديسون، هذا هو الرجل الذي ندين له بأول Aspect Ratio في التاريخ.
عندما قامت شركة إيستمان كوداك Eastman Kodak بصناعة شريط التصوير الفوتوغرافي، قام ويليام ديكسون بتمرير هذا الشريط في جهاز يدعى كينتوسكوب Kinetoscope «صورة رقم 8» - السلف البدائي لجهاز العرض السينمائي الحالي (البروجكتور) – الذي طوَّره بنفسه ليعرض صورًا مُتحرِّكة. كان هذا بين عامي 1889 و1892، وبعد سنوات من التجريب والمحاولة، يصل ويليام ديكسون لنموذج أوَّلي من شريط سيلولويد مقاس 35مم. ويستقر على حجم كادر بارتفاع 4 ثقوب في الشريط (تلك الثقوب الصغيرة التي تجري على طول الشريط من الجانبين)، لينتج عن هذا صورةً أو إطارًا ذو نسبة [4:3] أو بالعدد العشري [1.33].
لا أحد يعلم في الحقيقة لماذا استقر ويليام ديكسون على هذه النسبة تحديدًا، لكنها استمرت. وفي عام 1909 قامت شركة Motion Picture Patent بالتصديق على نسبة ديكسون/إديسون ذات الأربعة ثقوب ارتفاعًا واعتمادها كالمقياس الرسمي لكل الأفلام التي يتم إنتاجها وعرضها في الولايات المتحدة. الخصائص كانت كالتالي: الشريط مقاس 35مم والصورة بارتفاع 4 ثقوب، بنسبة ارتفاع [4:3] «صورة رقم 7». أطلق على هذه الخصائص Edison Perforations. وبسبب هذه الخصائص تحديدًا كانت الأفلام القديمة كلها تتوافق مع العرض التلفزيوني الذي أتى بعد ذلك بسنوات طويلة، لأن الأخير صُنع بذات الأبعاد تمامًا.
لأجيال طويلة ظلت الأمور كما هي دون تغيير، إلى أن جاء عام 1929 وظهر الصوت المُدمج في شريط السينما كضيف جديد على الصناعة، وبدأ يُطبع على شريط السليولويد ذاته ويجري بالطول بجوار الكادرات المتتابعة على طول الشريط بين الثقوب والكادرات «صورة رقم 10». هذا بالطبع أدى إلى تعديل اضطراري بسيط للـ Aspect Ratio نتيجة للمساحة – الضيقة نسبيًا - التي احتلها شريط الصوت.
لذا في عام 1932 قامت الأكاديمة الأمريكية للعلوم والفنون (الجهة المانحة للأوسكار)، بالتصويت على تعديل طفيف في حجم الكادرات وصل بالـ Aspect Ratio إلى نسبة [1.37]، وهي نسبة أصغر بقليل جدًا من الـ [4:3] وقريبة للغاية منها. أُطلق على هذه النسبة الجديدة نسبة الأكاديمية Academy Ratio، وهو مصطلح صيغ في العام 1937. واستمرت النسبة الجديدة لسنوات طويلة أخرى تُشكل أحلام مُرتادي دور العرض في كل مكان.
الأخ الأصغر يسبِّب أزمة
ظهور التلفزيون في خمسينات القرن العشرين كان له تأثير كبير بالسلب على صناعة السينما من نواحٍ عديدة. هذا الأخ الأصغر المُشاكس أشعل المنافسة، وبدأ في غزو المنازل بسرعة كبيرة جدًا، وأصبح ركنًا أساسيًا في كل منزل، ربما أكثر أهمية من أي جهاز آخر.
لذا كانت الخمسينيات حقبة صعبة على صناعة السينما - خاصةً في الولايات المتحدة - ومليئة بالاضطرابات. استطاع اللاعب الجديد أن يحوز على معظم الاهتمام، وشيئًا فشيئًا بدأ يسحب البساط من تحت قدمي السينما الراسختين، متسببًا في تقليل أعداد مرتادي دور العرض الذين وجدوا غايتهم في التلفزيون، هذا الشيء الصغير المبهر، الذي يقدم لهم نفس صورة السينما، وينقل سحرها بالكامل إلى غُرف معيشتهم.
وبدأ السؤال الصعب يؤرق القائمون على صناعة السينما ليل نهار... كيف يمكن أن يسترد الفيلم مكانته مرة أخرى؟ كيف نستقطب الجمهور من جديد بعد أن سرقهم هذا الوغد الصغير وسحرهم بشاشته المضيئة؟
الحل الوحيد كان أن تُقدِّم السينما شيئًا للمشاهدين لا يستطيعون رؤيته في المنزل.
السينما تردّ الضربة
في يوم 30 سبتمبر من العام 1952، أُقيم عرض خاص لمادة فيلمية بإعدادات جديدة وبأبعاد ثورية تمامًا، أُطلق عليها وقتذاك الشاشة العريضة Widescreen. هذه المقاطع كانت فاتحة لحروب شرسة استمرت لفترة طويلة جدًا استُخدمت فيها كل الصيغ والتنسيقات الممكنة لنسب أبعاد شريط السيلولويد، وكانت النتيجة في النهاية ثابت سينمائي جديد أطاح بعرش نسب الأبعاد القديمة.
السينراما Cinerama كانت صيغة بأبعاد جديدة تمامًا من بنات أفكار رجل يدعى فريد والار، ربما يكون الرجل الذي غير شكل السينما للأبد. والار ابتكر نظام تصوير وعرض ثلاثي يستخدم 3 كاميرات و3 آلات عرض كي يخلق مشهدًا بانوراميًا لم ير المشاهد مثله من قبل «صورة رقم 2». في نظام السينراما يتم استخدام 3 كاميرات أثناء التصوير، يجري في كلٍ منهم شريط سيلولويد مقاس 35مم. الكاميرات الثلاثة تستخدم عدسات ذات بعد بؤري 27مم. وتقوم بتعريض شريط الـ 35 مم إلى ارتفاع 6 ثقوب بدلًا من ارتفاع الـ 4 ثقوب الشهير الذي ابتكره ديكسون قديمًا. التصوير بهذه الإعدادات يُغطِّي مجال رؤية عريضًا للغاية يُقدَّر بـ°147 درجة، وبكادرات ذات نسبة أبعاد جديدة هي [2.59].
يتم عرض السينراما على شاشة مُقعَّرة بشدة، وباستخدام 3 آلات عرض يعملون سويًا... ومع نظام صوت جديد ذو 7 قنوات، استمرت عروض السينراما كاسحة النجاح لعامين مُتتاليين في مسرح وارنر بمدينة نيويورك.
بالطبع كانت هناك مشاكل عديدة تتعلق بالتصوير بثلاث كاميرات دفعة واحدة، ثم العرض بعدها بثلاث ماكينات عرض. أحد المشاكل كان ارتفاع الكُلفة إلى حدٍ كبير، حد أخاف معظم الستديوهات في هوليوود. أيضًا كانت هناك مشكلات تقنيَّة ومعقدة جدًا، يمكن تلخيصها في أن المخرج لديه بعد بؤري عريض واحد، هذا يجبره على وضع مُمثليه في الكادر بطريقة معينة كي تتلاقى خطوط عيونهم ونظراتهم بشكلٍ سليم.
استغرق الأمر 10 سنوات كاملة لتقوم السينما باستغلال نظام السينراما لتصوير وعرض أفلام روائية. كل العروض كاسحة النجاح السابقة كانت لأعمال تجريبية ومواد وثائقية وغيرها. فيلمان روائيان فقط في التاريخ تم تصويرهما بنظام السينراما، هذان هما: The Wonderful World of the Brothers Grimm و How The West Was Won، الاثنان إنتاج عام 1962. هناك أفلام أخرى عديدة عُرضت بنظام السينراما لكنها لم تُصوَّر به، لكنها في المقابل صوِّرت باستخدام بنظام الـ Ultra Panavision 70 الذي سنتحدث عنه لاحقًا، وحوُّلت بعد ذلك إلى نظام السينراما.
مشكلة السينراما الرئيسية كما ذكرنا إنها مُكلِّفة جدًا في تصويرها ومُكلِّفة في عرضها. لكن المتعة البصرية للشاشة العريضة التي تقدِّمها كانت أقوى من أن يتم تجاهلها.
لذا بعد ثمانية أشهر فقط من أول عروض السينراما، وفي أبريل من العام 1953، طرحت شركة بارامونت أول فيلم يصوُّر بتقنية شاشة عريضة مُسطَّحة هذه المرَّة، كان هذا هو فيلم الغرب Shane الذي تم تصويره باستخدام نسبة إطار الأكاديميَّة التقليديَّة، لكن بارامونت قامت أثناء المونتاج بقطع الكادر من أعلى ومن أسفل لتخلق تأثيرًا مُزيَّفًا بالشاشة العريضة، وتخلق بذلك نسبة أبعاد جديدة هي [1.66]. لكن في حقيقة الأمر النتائج لم تكن مُرضية جدًا، ولم ترض أحدًا.
قطع طرفي الشاشة لم يكن الحل الأمثل لصنع أفلام عريضة لشاشة السينما الكبيرة، لأن ذلك بالطبع يؤدي إلى زيادة النمش على شريط السيلولويد Film Grain، الأمر الذي يؤدي بالتبعيَّة إلى تقليل جودة الفيلم، وهو ما لم يكن المشاهد ليرضى به على الإطلاق.
لذا كان لابد أن تظهر تقنيَّة جديدة.
حروب الشاشات العريضة
بعد رؤيتهم لنتائج السينراما المبهرة، سافر وفد من شركة فوكس للقرن العشرين إلى باريس لمقابلة رجل يدعى هنري كيرتين Henry Chertien ابتكر نظامًا تقنيًّا فريدًا يسمى أنامورفسكوب Anamorphscope، عمل على تطويره في عشرينيات القرن العشرين.
الأنامورفسكوب يستخدم فيلم 35مم عادي بارتفاع 4 ثقوب، لكن مع عدسة خاصة تقوم بتشويه الصورة أو الكادر من بُعد واحد (طول أو عرض)، بمعنى آخر تقوم عدسة التشويه بتقليص وضغط الصورة أثناء التصوير، مما ينتج عنه صورة ممطوطة من جهة ومضغوطه من جهة أخرة، حتى إذا تمت إعادة الصورة بعد ذلك إلى طبيعتها وفردها أثناء العرض، ينتج عنها صورة بانورامية عريضة «صورة رقم 5».
أطلقت فوكس للقرن العشرين على الأسلوب الجديد سينماسكوب Cinemascope، وكان يُقدِّم صورة بأبعاد عريضة جدًا ذات Aspect Ratio جديد هو [2.35]. استخدم أسلوب السينماسكوب لأول مرة في فيلم الدراما التاريخي The Robe عام 1953، والذي كان خبطة جماهيرية شديدة النجاح «صورة رقم 6».
بعد عرض الفيلم، بات واضحًا للجميع أن السينماسكوب نظام فعال جدًا، عدسات الأنامورفيك سهلة في الاستخدام، وتوفِّر للغاية في تكاليف التصوير، كما أنها لا تتطلب دار عرض عالية التجهيز بثلاث آلات عرض لعرض الأفلام. كل المشاكل التي كانت موجودة في السينراما تم تلاشيها في السينماسكوب، لذا قامت كل ستديوهات هوليوود الكبيرة بالتحويل إلى النظام الجديد، كلها ما عدا واحدًا... ستديو بارامونت العريق الذي بدأ السباق المحموم للشاشات العريضة من الأساس.
لم يرض المسؤولين في ستديوهات بارامونت بتذوق كعكة لم يشاركوا في صناعتها، وأبوا إلا أن يبتكروا نظامهم الخاص... وجاء عهد الفيستافيجون VistaVision.
وفقًا لهذا الأسلوب يتم تصوير الفيلم على شريط سيلولويد مقاس 35مم تقليدي لكن مقلوب على جانبه بشكل أفقي! فبدلًا من وضع الفيلم في الكاميرا بوضعه الطبيعي بشكل رأسي، قام مطوِّرو الأسلوب الجديد بقلب شريط السيلولويد حرفيًا على جانبه داخل الكاميرا، هذا سمح لهم بالتصوير على كادر بعرض 8 ثقوب، وبـ Aspect Ratio وصل لـ [1.85]. الناتج النهائي يتم إعادة طبعه على خام جديد بعد ذلك (بشكل رأسي هذه المرة)، مما يُسهِّل عرضه في دور العرض التقليدية، ودون أن يخسر الشاشة العريضة التي خلقها «صورة رقم 11». هذا النظام كان يهبط بالنمش في الفيلم إلى أقل حدودة، متفوقًا بهذا على نظامي السينماسكوب وقطع طرفي الكادر.
أول فيلم يتم تصويره بنظام الفيستافيجون كان الفيلم الموسيقي White Christmas عام 1954، واستمر استخدامه في تصوير عدد كبير من الأفلام منهم الفيلم الملحمي الشهير The Ten Commandments عام 1956. لكن الذي أكسب هذه الصيغة شهرة مدوِّية كان هو أنه حاز على اهتمام ملك التشويق الهوليوودي ألفريد هيتشكوك، واستخدمه في تصوير ثلاثة من أفلامه الكبرى هم: To Catch a Theif، و Vertigo، و North by Northwest.
الـ 35مم لم يعد يكفي
صيغ عديدة للشاشات العريضة استمرت في الظهور خلال عقد الخمسينات، منها الـ Superscope ، الـ Cinemiracle، الـ Technirama، الـ Vistarama، وغيرهم الكثير. لكن هناك حدود لما يمكن أن تنجزه في هذا المجال باستخدام شريط الـ 35مم، لذا كان على مهندسي السينما أن يبتكروا شيئًا أكبر.
قام المنتج مايكل تود - أحد المشاركين الأوائل في نظام السينراما - بالعمل على ابتكار الـ Todd-AO، أول شريط سينمائي مقاس 70مم. الـ Todd-AO كان قادرًا على تقديم كل ما كانت السينراما تقدِّمه، لكن هذه المرة باستخدام كاميرا واحدة وآلة عرض واحدة. الـ Todd-AO كان يعطي كادرات ذات نسبة أبعاد تُقدَّر بـ [2.20]، وتم استخدامه لأول مرة في فيلم الغرب الرومانسي الموسيقي !Oklahoma عام 1954، ثم من بعدها Around the World in 80 Days عام 1956، الأخير أنتجه مايكل تود بنفسه وحصد به أوسكار أفضل فيلم. الفيلمان حققا نجاحًا مبهرًا، لذا استمر استخدام الـ Todd-AO في العديد من الأفلام الهامة مثل The Sound of Music ، South Pacific، ثم Patton في 1970.
الآن سنضطر إلى الرجوع مرة أخرة إلى العام 1954، إلى ذروة حرب الشاشة العريضة الشرسة. في هذه الأثناء كانت هناك شركة صغيرة تدعى Panavision تخصصت في صناعة عدسات تشويه الصورة Anamorphic lenses للكاميرات وأجهزة العرض لتسد احتياجات السوق المتزايدة منها. تمكنت شركة Panavision في وقتٍ قصير أن تصبح رائدة في هذه الصناعة الجديدة، واستطاعت وضع حلولٍ مبتكرة للعديد من المشاكل المتعلقة بنظام السينماسكوب. في نهاية الخمسينات طورت الشركة نظام تصوير جديد خاص يدعى Panavision على اسمها، أخذ يستبدل نظام السينماسكوب القديم ويحتل مكانه. وباستخدام خبرتهم التي اكتسبوها في مجال صناعة الكاميرات، بدأت الشركة في تصنيع وتطوير العديد من الصيغ الجديدة للفيلم السينمائي وكاميرات التصوير. كان من ضمنها ما أطلق عليه MGM 65، التسمية جاءت نتيجة لاستخدام شركة MGM لكاميرات Panavision ولشريط الـ 70مم الخاص بهم لتصوير تتابعات المعارك في فيلم Ben-Hur عام 1959 بأبعاد مُتطرِّفة للغاية وصلت لـ [2.76] «صورة رقم 4».
هذا المقياس الجديد طُوِّر بعد ذلك وأطلق عليه Super Panavision 70mm، واختلف الأخير عن نظام الـ MGM 65 بأنه يستخدم عدسات عادية بدلًا من عدسات تشويه الصورة، ويعطي كادرات ذات نسبة ارتفاع [2.20] مماثلة للـ Todd-AO. هذا النظام تم استخدامه لتصوير Lawrence of Arabia، الذي حاز على جائزة الأوسكار لأفضل تصوير عام 1962.
كل هذا جميل جدًا، وقد يجعلك تخمِّن للوهلة الأولى أن الـ Super Panavision جاء ليُقزِّم جميع الصيغ الأخرى ويقضي عليها، لكن المشكلة الحقيقية هي أن شريط الفيلم الـ 70مم كان مكلِّفًا للغاية بدوره، مثله مثل السينراما، الأمر الذي أدى إلى محدوديَّة استخدامه، وفي نفس التوقيت كانت المعالجة الكيميائية لشريط الـ 35مم تتحسن باطِّراد، واستطاع الكيميائيون تقليل النمش في الصورة إلى أدنى معدلاته، لذا لم يُستخدم شريط الـ 70مم إلا لخدمة أغراض محدَّدة جدًا، ولتصوير مشاهد بعينها... نفس الشيء الذي يحدث حاليًا مع مقاس فيلم الأيماكس المُكلِّف جدًا بدوره، والذي يستخدم في أضيق الحدود أيضًا.
أين الـ [16:9] وسط كل هذا؟
رغم هذه الرحلة الطويلة والمُعقَّدة بين صيغ الفيلم السينمائي وأنظمته، من السينما الصامته ذات مقاس التلفزيون الشهير [4:3] أو [1.33]، مرورًا بنسبة الأكاديمية [1.37]، والسينراما [2.59]، والفيستافيجون [1.85]، والسينماسكوب [2.35]، والـ MGM 65 محدود الاستخدام [2.76]، وانتهاءً بالـ Todd-AO والـ Super Panavision أصحاب النسبة [2.20].
لم نجب حتى الآن على السؤال الأهم: أين الصيغة المألوفة والشهيرة للغاية [16:9] وسط كل هذا؟
لنجيب على هذا السؤال يجب أن نعود مرَّة أخرى للتلفزيون، الأخ الأصغر للسينما المشاكس دائمًا، والذي أشعل فتيل كل هذه الحروب. في نهاية ثمانينات القرن العشرين، كان الإعداد للتلفزيون الحديث الـ HDTV قد بدأ، هنا يظهر على الساحة المُهندس كينز إتش باورز kerns h. Powers، الذي قدم اقتراحًا ثوريًا يتلخص في نسبة أبعاد جديدة للشاشة لم تُستخدم من قبل.
[16:9] ما هي إلا متوسط هندسي أو حل وسط بين نسبتي الـ [4:3] والـ [2.35]، نسبتي الارتفاع الأكثر تطرُّفًا من بين كل ما قُدِّم على الشاشة الكبيرة من قبل (باستثناء السينراما ذات الحالة الخاصة جدًا). كان هذا يعني بالطبع أن أيّ نسبة ارتفاع تقع بين هاتين النسبتين ستحظى بالعرض الأمثل لها على شاشة بقياس [16:9].
لذا، وكنتيجة لهذا الحل الوسط، وُلد الـ Aspect Ratio الأشهر [16:9]، ليصبح بعدها النسبة المُعتمدة لكل المنتجات الرؤيوية ابتداءً من الـ DVD والـ HD وصولًا إلى Blu-ray والـ 4K وما بعدهما.
ختام
حسنًا، هكذا تنتهي رحلتنا الطويلة التي أرهقتكم فيها للغاية، والتي بدأناها مع ويليام كينيدي ديكسون المُبتكر المغمور في معامل إديسون الذي سلبه الأخير إنجازه، مرورًا بازدهارة الخمسينات وحروب الشاشة العريضة بين الستديوهات، ووصولًا في النهاية إلى العصر الرقمي وسطوة الـ [16:9].
من الغريب أن كل تلك الصيغ المُختلفة قد شكَّلت ذكريات معينة وانطباعات لا تُمحى لكل عصر من العصور. أبعاد الشاشة مهمة للغاية بالفعل، لكن يجب علينا ألا نُحمِّلها أكثر مما تحتمل، ففي النهاية الـ Aspect Ratio ما هو إلا إطارًا من القماش يرسم عليه المخرج لوحتة... الإطار قد يكون مهمًا، لكن الأهم منه هو ما يرسمه المخرج داخل ذلك الإطار.