في وقت مبكر من هذا العام، خرج علينا المخرج والكاتب محمد سامي بما أسميته في مقالة سابقة "كو كتيلًا للصعبانيات" ، والمقصود هنا هو فيلمه ( ريجاتا) الذي كان يحاول به أن يجبر الجمهور مع كل لقطة وكل حدث على البكاء واستهلاك أكبر كم من المناديل الورقية، وهذه المرة حاول أن يعيد الكرة من جديد في أحدث أفلامه ( أهواك)، لكن الكوكتيل هذه المرة ليس للصعبانيات، وإنما لرومانسية الفيديو كليب، وبالطبع من سيكون أفضل من تامر حسني من أجل مهمة كهذه.
لا أعرف من الذي نصح محمد سامي بأن يتصدى بنفسه لمهمة كتابة السيناريو بأفلامه، فالرجل يتبع أسهل الطرق على الإطلاق للتعريف بشخصياته الرئيسية، هل تتخيل - عزيزي القارئ - أن محمد سامي لن يعطيك الفرصة لكي تتعرف على الشخصيات بنفسك، وإنما هو يقوم بذلك من خلال جمل خطابية طويلة جدًا كعادة الغالبية الكاسحة من كتاب السيناريو في السينما المصرية، أو أن تقوم شخصية من الفيلم بتعريف شخصية أخرى من خلال حوارهما، وكأن الشخصية لا تعرف ذلك عن نفسها بالفعل.
ولكي لا يكون حديثي نظريًا جافًا، تخيل معي إذا قمت بتقديم شخصية ما مثلًا عبر الحوار فقط وبنفس الطريقة التي قام بها محمد سامي على النحو التالي: " أيوه طبعًا، مش أنت أخويا الكبير وأنا عارفك كويس من وإحنا صغيرين، وبقى عندك دلوقتي 40 سنة وعايزين نفرح بيك من سنين، وكل ما أجيب لك عروسة ما تعجبكش، وآخرهم كانت سلفة بنت عمي اللي قلت لي عليها إنها مش حلوة، وكمان بابا وماما عايزين يشوفوك في الكوشة قبل ما يودعوا عشان يطمنوا عليك".
أضف كذلك أن محمد سامي لا يحاول أن يحبط الجمهور المخلص بخصوص ما هو متوقع من تامر حسني، ويضفي فقط تغييرًا بسيطًا على شخصيته، فيظهره فقط بمظهر زير النساء الذي لا يتمتع بمزاج للدخول في علاقات في الوقت الحالي إلا بعد إلحاح، لكن كل شيء باق على حاله، نفس التفاصيل الجانبية التي يلقيها هنا وهناك على نفس نهج أغاني الفيديو كليب، مثل توجهه إلى الرسم حينما يكون في أعلى حالاته الرومانسية، أو الاكتفاء بالـ"تسبيل" للفتاة لكي تندفع معه في وصلة رقص، أو أن يسرد بعض الجمل الـ"فيديو كليبية" من عينة "طول عمرنا وإحنا مخلوقين لبعض بس إنتي ما تاخديش بالك".
المصيبة الكبرى أن محمد سامي كان يحاول في النصف الثاني من الفيلم أن يدفع قصة الحب بين شريف ورنا (تامر حسني و غادة عادل) ليحوله إلى مثلث حب أبله بإضافة شخصية الزوج السابق حمزة ( محمود حميدة) الذي لا نفهم بالضبط ما الذي يفعله في هذا السياق سوى أن يندفع إلى البكاء في يخته بمجرد أن تزجره طليقته بكلام جاف لأنه يرغب في العودة إليها، أو أن يتحول إلى النقيض تمامًا ويحاول أن يكون علاقة صداقة غير مفهومة وغير منطقية بالمرة مع غريمه شريف، أو أن يعود فجأة إلى زوجته رودي بعد أن كان قد انفصل عنها.
كان النصف الثاني من الفيلم في حد ذاته كارثة على كل الأصعدة، لا يوجد حدث واحد يتطور بشكل مبرر، بل كلها تسير على حسب المزاج الشخصي للكاتب نفسه، فقد يحدث شيء ما ثم يحدث نقيضه فجأة بدون تفسيرات: يطلق حمزة زوجته ثم يعود إليها فجأة، يطرد شريف حمزة من منزله ثم يدعوه حمزة إلى حفل زفافه وكانه نسى واقعة الطرد، يعرف حمزة أن شريف كان يعرف ابنة حمزة وكل ما يفعله حمزة هو ان يتجمد في مكانه على نحو كاريكاتوري ثم لا يحدث شيء.
ستشعر بأن الفيلم بأكمله ما هو إلا فيديو كليب طويل، ليس فقط بلمحاته الرومانسية اللزجة التي قٌتلت استخدامًا، بل أيضًا بنوعية الديكورات المستخدمة في الفيلم المبهرجة بشكل مبالغ به لدرجة قد تدفعك للنظر بحسرة وألم في أركان غرفتك الصغيرة لأنها لا تحتوى حتى على نصف حلية من تفاصيل الديكور في الفيلم، بل انظر حتى إلى ديكور العيادة لتتأكد، ستشعر بأن عالم الفيلم هو عالم موازي لا ينتمي لعالمنا، وإنما ينتمي لعالم الفيديو كليب أكثر.
وبين جميع فريق التمثيل، ربما كان أكثر ما لفت انتباهي طوال هاتين الساعتين هو الحضور القوي الذي تتمتع به انتصار في كل مرة تتواجد فيها بالفيلم، ففي كل مرة كانت تتفنن في سرقة الكاميرا من جميع من يشاركوها، لتؤكد في كل مرة على كونها ممثلة هائلة تستطيع أن تفرض وجودها مهما كانت نوعية العمل الذي تشارك به.