في الفن، لا تقف قواعد اللعبة ثابتة على حال ما أبدًا، ما قد يكون رائجًا بالأمس القريب قد يتحول إلى بضاعة كاسدة في الغد، ما يصير مضمون النجاح اليوم قد لا يظل كذلك للأبد، ولهذا السبب يتحول المجال الفني إلى موجات متتالية من الصرعات والصيحات الجديدة، ما أن تثبت فكرة جديدة نجاحها حتى تتحول مع الوقت إلى صرعة، وقس على ذلك الكثير مما نشهده في هوليوود: صرعة سلاسل الأعمال الديستوبية الموجهة للمراهقين، تقسيم الأجزاء الختامية لأي سلسلة إلى أكثر من فيلم واحد، إعادات الإنتاج التي لا تنتهي لأعمال كلاسيكية، أو إعادة البدء في سلسلة متواجدة بالفعل من الصفر، أو حتى صرعة سيطرة اللونين الأزرق والبرتقالي على الصورة السينمائية والتي تناولها الزميل نادر أسامة في مقالة تفصيلية.
ومدًا للخط على كامل استقامته، لم يعد الصراع الأزلي بين الخير والشر مهما تنوعت حكاياته وتعددت تجلياتها يمتلك نفس درجة الجذب المعتاد، كل من يشاهد حتى لو لم يكن مشاهدًا متخصصًا لن تنطلي عليه الخدعة مجددًا بنفس القدر، وسيعرف بغزيرته من سُيكتب له الانتصار في النهاية، ليكون الحل هو البحث عن أنماط جديدة للصراع تثير حماسة المشاهدين للمتابعة، وتجعله حرًا حتى في اختيار الجانب الذي يريد اختياره من الصراع لأن الطرفين هذه المرة سيكونا من نفس الجانب، لتبرز هذه المعادلة لأول مرة في Batman V Superman، ثم بعدها بأشهر قليلة في أحدث أفلام مارفل Captain America; Civil War.
يحمل الفيلم معه للمرة الثانية هذا العام معركة ضخمة ومرتقبة، وهي بطبيعة الحال أضخم من معركة باتمان وسوبرمان، لأنها معركة بين فريقين انشطرا من رحم فريق The Avengers بعد أن عرفناهما كفريق واحد ومتحد في كل مهامه حتى مع اختلاف طبيعة كل فرد فيه من خلال فيلمي The Avengers السابقين.
وربما ما يجعل هذا الترقب مبررًا هو رؤية كل فريق لما هو خير من وجهة نظره حتى مع كون الفريق المخالف له هو الآخر ينشد الخير أيضًا من وجهة نظره، ولكل رؤية منهما ما يعضدها ويؤيدها، أحدهما يصر على مواصلة عملياته لأن هذه هي رسالته في الحياة، والآخر يقرر الخضوع تجنبًا لوقوع المزيد من الضحايا، فتصير هنا فكرة الخير نسبية ومركبة وأقرب لمنطق الواقع، وحمالة للأوجه على غير عادة الأفلام المستوحاة من أعمال مصورة رائجة وجدت طريقها من قبل لشاشة السينما.
وهو ما نلمسه كذلك على الجانب الآخر مع ما يفترض أن تكون هي الشخصية الشريرة في الفيلم وهي شخصية "زيمو"، الذي يملك على الأقل مبررًا دراميًا يحركه نحو القيام بهذه الخطة المعقدة حتى مع تقليدية الدافع وجاهزيته المسبقة كتابيًا، وليس مجرد عداء مجاني كالذي كان لدى لكس لوثر في Batman V Superman.
أعرف أني لست أول من يشير لهذه الملحوظة ولن أكون الأخير كذلك، لكن كان من الغريب جدًا التعامل مع هذا الفيلم بصفته الفيلم الخاتم لسلسلة أفلام Captain America، فكان من المناسب أكثر اعتباره جزء جديد من The Avengers، ﻷن شخصية كابتن أمريكا دراميًا لا تحوز على ميزة أعلى من بقية الشخصيات لكي يُطلق الفيلم على اسمها، وحتى المساحة الزمنية المفرودة لها على الشاشة لا تختلف كثيرًا عن مساحة الرجل الحديدي مثلًا.
هذا الالتباس ترك أثره أيضًا على روح الفيلم، من الواضح أن صناعه كانوا يحاولون الموازنة بين الروح الساخرة لسلسلة The Avengers، وبين الحس الجدي للصراع المركزي لهذا الفيلم، لكن ما كان يحدث هو تذبذب إحداهما لصالح اﻵخرى مع تبادل اﻷدوار طوال الوقت.
لكن في نفس الوقت، فإن الفيلم يوفي المعركة بين فريقي الرجل الحديدي وكابتن أمريكا حقها تمامًا على الشاشة، وتأتي على قدر الانتظار الطويل الذي أحاط بها مع الحفاظ على استمراريته لوقت كبير أمام المشاهدين، حتى مع انحياز المشهد للروح الساخرة لـThe Avengers بشكل لا يقبل الشك، إلا أن هذا التتابع يظل هو الروح النابضة لهذا الفيلم سواء في مجريات أحداثه أو حتى في تنفيذه على الشاشة.
نقطة آخرى تحسب لهذا التتابع، وهي أنه لم يحسم اﻷمور على نحو فوري أو ينهيه بسبب دافع أبله مثل تتابع المعركة في Batman V Superman الذي انتهى بسرعة شديدة على الشاشة رغم الانتظار الذي أحاط به، مع تحولهما لصديقين فجأة بسبب تشابه أسماء أمهاتهم!
كما أحببت للغاية التمهيد الذي قام به الفيلم لظهور الرجل العنكبوت للمرة اﻷولى في عالم مارفل السينمائي منذ بدايته، انتوني وجو روسى يدركان تمامًا مدى الشعبية الجارفة التي يتمتع بها الرجل العنكبوت، ومدى الصعوبة التي واجهت القائمون على مارفل لكي يظهر في عالمهم السينمائي، ولذلك فهو يمنح هذه اللحظة أيضًا ما تستحقه، خاصة مع مشاركة ماريسا تومي الرمزية والجذابة في هذا التتابع.
في التقييم العام للفيلم، فهو فيلم ممتع وليس بمزعج على اﻹطلاق، حتى لو كان يوفر متعة وقتية كعادة غالبية أفلام مارفل، ولن تكون في حاجة ماسة لمشاهدة الفيلم اﻷول والثاني من Captain America لكي تواصل المشاهدة، يكفيك فقط بعض المعلومات اﻷساسية عنه.