منذ عدة سنوات، تحول الفيلم الكوميدي "لا تراجع ولا استسلام.. القبضة الدامية" فور عرضه من مجرد فيلم كوميدي يقدم محاكاة ساخرة لواحدة من أكثر التيمات التي قُتلت تقديمًا على شاشة السينما، وهي تيمة الشبيه، إلى منبع وافر لا ينفذ من اﻹفيهات والعبارات الساخرة والتي باتت مع الوقت رافدًا من روافد الثقافة الشعبية، والفضل لا يعود فقط لمجهود أحمد مكي اﻷدائي مع شخصية "حزلئوم"، وإنما ترجع بشكل كبير إلى ذكاء السيناريست شريف نجيب في التعامل مع الطبيعة المراوغة لفن الكوميديا، واﻷمر لا ينسحب فقط على الكتابة السينمائية، وإنما على مشاركاته في القصص المصورة وعلى حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد غياب طويل وفشل ذريع واجه فيلمه الثاني سيما علي بابا، يعود شريف نجيب هذه المرة برفقة أحمد فهمي من جديد في "كلب بلدي" حيث يجمعا فيه كل ما يحبا تقديمه في السينما من فكرة ساخرة تحمل إمكانيات كوميدية هائلة باﻹضافة إلى ضخ جرعات كبيرة من السخرية من الموروث الشعبي.
وفي البداية بالفعل، تبدو فكرة التماس بين عالمي البشر والكلاب واعدة جدًا نظرًا لما نملكه من موروث ديني/شعبي متراكم وكبير حول الكلاب، وهو ما لا يفوته نجيب وفهمي في نصهما، حيث يقوما بحشد كل ما وعته ذاكرتهما في هذا الصدد لتكون من اﻷسس التي تنبني عليها كل أساسيات التعامل من سائر اﻷبطال مع "روكي"، مما يحول هذا الموروث تلقائيًا إلى رافد هام من روافد اﻹفيهات في الفيلم، وهو ما نصير أمامه فعليًا منذ المشهد اﻷول في المسجد بعد علم خادم المسجد بأن "روكي" الذي كان يحادثه قد رضع من كلبة.
لكن السؤال يبقى، هل مجرد حشد ما يتم تذكره من هذا الميراث كان كافيًا؟ بالطبع لا، وهو ما جعل الفيلم يعاني أشد المعاناة من عدم وجود كفة ميزان قوية تنجح في المواءمة بين الفكرة الرئيسية للفيلم وبين الاستناد إلى الموروث الشعبي، أو بمعنى أبسط: أن يسيرا معًا في نفس المسار، ففي غالبية المواقف كان لا بد لغلبة أحدهما على اﻵخر، وهو ما كان يحدث بالفعل على امتداد أحداث الفيلم.
في اعتقادي أن المشكلة اﻷكبر التي كان الفيلم يعاني منها هي عدم الترسيم الواضح للحدود بين ما كان مقصودًا أن يكون كاريكاتوريًا في هذا السياق الكوميدي الذي اختاره الكاتبان لفيلمهما، وبين ما بات كاريكاتوريًا رغم أنف القصة والسرد، والمثال اﻷبرز على هذا الخلط هو شخصية وردة الحلواني "أكرم حسني"، الذي لم يكن موفقًا على اﻹطلاق لا في رسمه على الورق ولا أدائه على الشاشة في ترسيم هذه الحدود، ولم يفلح حتى في أن يبدو شريرًا كوميديًا ومجنونًا وواسع الحيلة وجدير بالتحدي على غرار "فالنتين" في فيلم KingsmanK، بل بدا شريرًا أبله يمكن الانتصار عليه بسهولة عن طريق الدخول من باب فيلته المفتوح بالفعل، وهو ما لا يتناسب مع شرير بالخطورة المزعومة تلك.
إذن لم يبدو في رسم شخصية الشرير "وردة الحلواني" أي نوع من أنواع التحدي المطلوب لكي يكون جديرًا بالمواجهة والترقب من قبل المشاهد، بل إن مخططه الشرير الذي أخذ في اﻹعداد له طوال النصف اﻷول من الفيلم وتمهيد المشاهدين له قد صار في النهاية مخططًا لا قيمة له ولا يمثل تهديد كبير بالمعنى الذي عمل عليه الكاتبان، حيث يكون مصيره هو الانتهاء السريع مثلما كانت بدايته.
الشيء نفسه ينسحب على علاقة الحب التي تجمع بين "روكي" و"زبرجد" التي تسير بمنطق وجوب وقوع البطل في حب البطلة فقط أكثر من كونها حاصل جمع لمجموعة من العوامل الدرامية المشتبكة حتى مع اختلاف الاهتمامات والمستويات الاجتماعية، وهو ما يجعل اختطاف "زبرجد" على يد "وردة" مجرد إكمال للخط على استقامته في تقديم حلول درامية تقليدية تتجاهل ما كانت توعد به فكرة الفيلم من جديد.
لكن كل هذا الخلط لم يمنع من إفلات بضعة مشاهد من فخاخ السيناريو لتقدم نتيجة طريفة كمشاهد الدب القطبي أو مشهد مواجهة "كوكب" لحراس "وردة" الذي يتماس مع أجواء سلاحف النينجا أو حتى مشهد النادي الذي يكشف الهوة الطبقية بين "روكي" و"زبرجد" على نحو مضحك.