في الجزء اﻷول من هذا المقال، فصٌلنا استراتيجيتين تتبعهما هوليوود لكسب المال من خلال أفلامها. فالقاسم المشترك بين الاقتباس وإعادة الصناعة هو نقصٌ في الأفكار الأصلية، وهذه مشكلة الأفلام في أيامنا، فأغلب الأفلام إما تكون تابعة أو مقتبسة، فأصبحنا نفتقد لأفلام تحمل أفكار أصلية وجديدة، وترينا أشياءً لم نرها من قبل، وليس أعمالًا تشبه بعضها وتحمل نفس السيناريوهات، أو أفلام سبق وشاهدناها لكن هذه المرة "لبست ثوبًا جديدًا.
في هذا الجزء من المقال سنكمل تحليلنا ونستعرض بقية الاستراتيجيات الهوليووديّة، والتي بدأت بعض البلاد الأخرى التأثر بها أيضًا، فإلى بقية التحليل:
تعريف التتمة أنه عمل في هذه الحالة هو فيلم يُكمل قصة معينة، لكن المشكلة الأساسية هنا أن بعض القصص لا تحتاج تتمات، وكم من أفلام ظلمتها أجزاء ثانية وثالثة أو حتى أكثر. يمكن تقسيم التتمات إلى فئتين أساسيتين؛ الأولى هي التتمات "الحقيقية" وهي تتمات مخطط لها منذ بداية السلسلة غالبًا ما تكون بالأفلام المقتبسة عن روايات فالكاتب يعرف جيدًا كيف يقسم القصة لتكون متساوية، وكل فيلم يحمل فكرة أو حدث كبير تتمحور حوله كل القصة، على سبيل المثال ثلاثية Three Colors، للمخرج كريستوف كيشلوفسكي، القصة كانت أساسًا منقسمة لثلاثة أفلام: أزرق وأبيض وأحمر على ألوان العلم الفرنسي.
الفئة الثانية هي التتمات الموجوجة فقط لأن الجزء الأول حقق نجاحًا كبيرًا بشبابيك التذاكر والاستديو المنتج يريد كسب المزيد من المال، فيطبخ طبخته؛ نفس القصة مع بعض التعديلات ونفس الممثلين مع بعض الشخصيات الجديدة، وهكذا أصبح لدينا تتمة لفيلم.
لأئحة التتمات لا تنتهي، منها أجزاء حصدت أكثر بكثير من الأصلية مثل Pitch Perfect، الذي حقق 65 مليون دولار، والجزء الثاني حقق 188 مليون دولار، وطبعًا هناك جزء ثالث قيد الإنتاج.
سوف نناقش بعض الأمثال عن تتمات في عالم السينما
تتمات بمدى زمني كبير
المهلة الزمنية بين فيلم والتتمة مرهونة بأكثر من عامل نذكر منها:
العامل المادي هو الأهم، فشركة الإنتاج هي من تقرر منح فيلم ميزانية، وتعطي الضوء الأخضر لبدء إنتاجه، وفي معظم الآحيان تستفيق شركة الإنتاج وتقرر تصوير جزء ثانِ لفيلم أُصدر منذ زمن.
المشاكل الإنتاجية يمكن أن تؤخّر فيلم أكثر وأكثر، وربما تتسبب في إلغائه إذا تم تأجيله أكثر من مرة، فيصبح مجرد عبء على الشركة الإنتاجية التي تريد كسب الأرباح بأسرع طريقة ممكنة، ففي الحالة الأولى، الشركة تنتظر وقتًا ثم تبدأ بالإنتاج، لكن في هذه الحالة الشركة بدأت فعلًا مرحلة الإنتاج وربما التصوير، وكل يوم يكلفها المزيد، لذا تضطر لتخفيف الميزانية أو اتخاذ إجراءات لحل القصة.
تفرّغ الممثلين والمفاوضات معهم عامل جديد لتأخر إنتاج تتمة لفيلم، فبعض الممثلين أهمية وجودهم توازي أهمية الفيلم، والكل يعرف أن نجاح الفيلم مرهونٌ بمشاركتهم، لذا قد ينتظر المنتجون تفرغ هذا الممثل أو الممثلة لتصوير الجزء الجديد وهذا قد يأخذ بعض الوقت بسبب المفاوضات. على سبيل المثال الجزء الثاني من فيلم Transpotting ، الذي صدر عام 1996، والذي يتم إنتاج التتمة الخاصة به حاليًا، يقول المخرج داني بويل، إن التتمة تأخرت لأن الممثلين كانوا خائفين من أن يكون الجزء الثاني أقل أهمية من الأصلي، وأراد هو إكماله بنفس الممثلين الأساسيين.
كانت أطول مدة زمنية بين فيلم وتتمّته على الشاشة الكبيرة هي لفيلم ديزنيFantasia، منذ عام 1940 والجزء الثاني Fantasia 2000، عام 1999، أي أن الفرق وصل إلى 59 سنة و48 يومًا، ويأتي بالمرتبة الثانية فيلم Peter Pan عام 1953 وPeter Pan: Return to Neverland عام 2002، والفرق هو 49 سنة و10 أيام، وذلك باستثناء الأفلام التي صدرت تتمتها على أقراص فيديو فقط دون أن تُعرض بالصالات.
التتمات الفوريّة
في بعض الآحيان يكون نجاح الفيلم فوري فيقرر المنتجون صنع جزء ثانِ أو أن القصة أساسًا مؤلفة من أكثر من جزء. هذا النوع من التتمات أكثر عرضة للفشل لعدة أسباب:
بحال استعجل فريق العمل لتصوير تتمة، قد لا ينتج عنهم عمل بنفس المستوى الذي سبقه، لأنه وبكل بساطة تم العمل عليه بسرعة وبدون دقة.
قد لا يستطيع الممثلين إنجاز الجزء الجديد لارتباطهم بأعمال أخرى مقررة سابقًا، وهنا سيقرر الكتّاب إما "شطب" الشخصية من النص كما حدث مع الممثل هيو جرانت الذي لم يشارك بالجزء الثالث من سلسلة أفلام Bridget Jones لاعتراضه على النص.
يمكن أن يفشل على شبابيك التذاكر لأن الجمهور لم يشتاق لعمل مشابه، خصوصًا إذا تمت إعادة القصة من جديد دون تغيير كبير بالخطوط الأساسية، فما متعة مشاهدة فيلمين بنفس القصة خلال أقل من سنة؟
أقصر مدة زمنية لإنجاز تتمة كانت لفيلمي Matrix Reloaded وMatrix Revolution، وكانت 173 يومًا أي ما يقارب النصف سنة فقط. أيضًا فيلم New Moon، فقد صدر بعد Twilight بـ202 يوم وهي مدة زمنية قصيرة جدًا.
البريكويل (Prequel)
البريكويل هو فيلم تتمة، لكن يروي أحداث وقعت قبل أحداث العمل الأصلي، فهو مكمّل للعمل الأصلي وليس إضافة. ومن الأفلام التي حصلت على بريكويل؛ فيلم Monsters Inc، الذي صدر عام 2001 يروي قصة الصديقين مايك "بيل كريستال" وسولي "جون جودمان"، اللذان يعيشان في مدينة الوحوش "مونستروبوليس" ويشكلون فريقًا ممتازًا في شركة توليد الطاقة من خلال صراخ الأولاد. وفي عام 2013 أصدرت ديزني فيلم Monsters University الذي هو "Prequel" ويروي قصة التعارف بين مايك وسولي بالجامعة وكيف أصبحا صديقين، فالفيلم لا يروي فقط أحداث حدثت قبل Monsters inc، بل أشياء مهّدت للفيلم الأصلي.
البريكويل هو فن بحد ذاته، ففريق العمل يتسلّم مهمة إنجاز فيلم ويحرصون كل الحرص على عدم "تدمير" الفيلم الأصلي، أو على وضع أحداث تلغي أشياء أخرى، لذا في البريكويل كل حركة يجب أن يكون لها مبرر جيد ومقنع.
برأيي، أفضل سلسلة بريكويل هي لـX-Men بلا منازع، فالأفلام الأساسية هي: X-Men وX-Men The Last Stand. جاء من بعدها سلسلة X-Men: First Class التي عادت إلى أصول العلاقة والصداقة بين "شارلز إكزافيير" و"ماغنيتو"، وكيف فتح البروفيسور إكس المدرسة الشهيرة. واكتملت السلسة بفيلم: X-Men: Days of Future Past، وأخيرًا مع X-Men: Apocalypse، قدم لنا صناع الفيلم بريكويل من الطراز الرفيع، فإذا أردتم الاستمتاع بالفيلم الجديد، عليكم مشاهدة السلسلة كلها لأن الكتّاب دخلوا بتفاصيل الأفلام الأولى كي يصنعوا هذا البريكويل العميق الخالي من كل أشكال "الضياع" أو اللامنطق.
أسوأ بريكويل على الإطلاق كان تتمّة Dumb and Dumber، تحت عنوان Dumb and Dumber: When Harry met Lloyd، الفيلم الأساسي كان من بطولة نجمي الكوميديا جيم كاري وجيف دانيالز، فقرر صناع الفيلم خلق تتمة من بطولة ممثلين غير معروفين وبقصة سخيفة غير كوميدية، عن كيف تعرف هاري على لويد قبل الفيلم الأصلي.
إذًا التتمات هي الموضة الرائجة في هذه الأيام وهي طريقة جيدة لكسب المال في الأفلام، ويبدو أن هذه الموضة لن تتوقف في المدى القريب ولا البعيد، فرجائنا الوحيد أن تتحسن نوعية هذه الأفلام ولا تكون مجرد نسخ من أفلام أصلية، في معظم الأحيان لا تكون تستحق أجزاء أخرى.
الـSpin-off هي أفلام تكون مشتقة من أحداث أو شخصيات فيلم أصلي، فيختار المنتجون شخصية معينة من فيلم ويصنعون لها فيلمًا خاصًا دون ذكر الشخصيات الأخرى. عادةً تستعمل طريقة الـspin-off في أفلام تكون لا تحتمل المزيد من الأجزاء الجديدة، ويكون فيها شخصيات ناجحة وتستحق فيلم خاص بها.
كثيرًا ما تكون الـspin-off لأفلام الأنيمايشن والكارتون وهي تحصل لعدة أسباب:
يعتقد بعض صناع الأفلام أن الأنيمايشن لا تحتاج لقصة قوية وهو شيء خاطئ، فيصنعوا فيلمًا لا قصة جدية له، نأخذ على سبيل المثال سلسة أفلام Madagascar عن حيوانات الـzoo التي تحاول الهروب إلى الأدغال، تم صنع ثلاثة أفلام منها وكانت ناجحة، لكن القصة انتهت بعد الجزء الثالث، فما كان من دريموركس أنيمايشن إلا أن أخذت شخصيات من السلسلة وهي البطاريق الأربعة: "سكيبر" و"كوالسكي" و"برافيت" و"ريكو"، وصنعت لهم فيلمًا خاصًا تحت عنوان The Penguins of Madagascar عام 2014، لا شك أن البطاريق مضحكين والشخصيات مسلية للغاية لكن لا تحتمل فيلمًا خاصًا بها، فكانت مناسبة لبعض الوقت لكن ليس لفيلم كامل وحدهم. طبعًا جاء العمل ضعيفًا وغير منافس لثلاثية Madagascar.
في بعض الآحيان تطغى بعض الشخصيات على الأبطال الرئيسيين في الفيلم. ففي فيلم Despicable Me من إنتاج Illumination نتعرف على الشرير غرو "ستيف كاريل"، والذي يحاول أخذ لقب "الأكثر شرًا بالعالم"، فيقرر سرقة القمر بمساعدة بناته الثلاثة بالتبني ومساعديه الكائنات الصفراء أو المينيونز "Minions". الفيلم حقق نجاحًا كبيرًا وتبعه جزء ثانِ، لكن كان من المتوقع إنتاج فيلم خاص للمينيونز نظرًا لتفوقهم على الأبطال الرئيسيين بالفيلمين، فبلغتهم وحركاتهم، كانوا المصدر الأكبر للكوميديا في الفيلم، وأصبحنا كلنا نتمنى إحضار "مينيون" معنا إلى البيت. في عام 2015 تم إنتاج فيلم Minions ويروي القصة الأصلية للكائنات الصفراء بتنقلهم من شرير إلى آخر إلى أن تعرفوا في النهاية على غرو. الفيلم للأسف جاء أيضًا بسيطًا، والمواقف الكوميدية المكررة لا تصنع فيلمًا، فبالنهاية الفيلم موجود فقط بسبب نجاح المينيونز ولأن شركة الإنتاج لن تغلق بابًا يدر عليها المال.
إذًا الأفلام المشتقة هي ظاهرة ستلاحق الأفلام الناجحة للاستفادة من الكسب المادي والجماهيري، لكن المشكلة الأساسية أن هذه الأفلام لا تكون بالمستوى المطلوب لأن الشخصيات كُتبت بالأساس كي تكون ثانوية، فيصنع لها قصة وحبكة وتطويل يجعلها مملة آحيانًا أو بسيطة في آحيان أخرى، طبعًا يوجد Spin-off ناجحين لكن ليس بالعدد الكافي.
في هذه السلسلة من المقالات استعرضنا أشهر الطرق المعتمدة من قبل شركات الإنتاج لكسب المال. نحن لا نتهجم على الإنتاجات أو نقول أن هذه الطرق سلبية، فنحن طبعًا لسنا ضد إنتاج تتمة أو اقتباس ناجح لفيلم، وبعض الأعمال برهنت أن التتمة تكون أقوى وأجمل من الأصلي، وهنا لا بد من ذكر Toy Story، التي تعتبر أهم سلسلة لبيكسار بتتمات كانت أنجح من الفيلم الأول. المشكلة الثانية تكمن في تراجع المستوى العام للأفلام سنة بعد سنة، وهذا بنظر كبار النقاد والمراقبين، وكله يعود لسبب رئيسي: نقص الأفكار الأصلية، فإذا راقبنا الأفلام الصادرة في سنة واحدة، نرى أن معظمها ينتمي إلى أحد الفئات التي ناقشناها، فأين أصبحت الأفكار الرئيسية للأفلام؟ هل استنفذت هوليوود كل أفكارها الإبداعية؟ أو أن المال أصبح هو السبب الرئيسي لصنع الأفلام؟ في النهاية نريد مشاهدة أفلام ذات مستوى تذكرنا بحبنا للشاشة الكبيرة.